البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

أزمة الهوية الدينية في الحرب على الإرهاب (2)


إن التغيير الذي طرأ على المجتمع المصري في الفترة الأخيرة بوقوع عددٍ من الأحداث الإرهابية ارتكبتها جماعات الإسلام السياسي تستلزم مزيدًا من الدراسة نظرًا لتزايد عددها بعد فض اعتصاميْ "رابعة" و"النهضة" في أغسطس من العام 2013، منها تفجير مسجد الاستقامة بالجيزة وكنيسة العذراء بمدينة نصر والكنيسة البطرسية بالعباسية وانفجار الدرب الأحمر وتفجير مسجد الروضة بشمال سيناء.. وغير ذلك من التفجيرات، مما يترك مؤشرات تدل على وجود أزمة هوية دينية في المجتمع، وهذه الأزمة هى التي تجعل هذه الجماعات تنفذ هذه التفجيرات الإرهابية باسم الدين!.
كما أن تبدّل المشهد الإعلامي في ظل التحديات التي فرضتها تكنولوجيا الاتصال والمعلومات من دمقرطة الدين، والسماح للجماعات الدينية الراديكالية بإنتاج المحتوى ونشره دون مراجعة، الأمر الذي يسهم في وجود كثيرٍ من وسائل الإعلام الإلكتروني التي تبث وتنشر محتوى يحض على العنف والكراهية وعدم قبول الآخر وتكفيره في بعض الحالات، مما استدعى أهمية التعرف على دور الصحف الإلكترونية في التصدي لهذا الفكر المتطرف، والحفاظ على استقرار الهوية الدينية.
وتأسيسًا على ما سبق، تلخصت مشكلة الدراسة المهمة التي أعدها د. محمد جاد المولى حافظ عويس أستاذ الصحافة المساعد بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة بنها في تحديد ملامح وسمات الخطاب الصحفي لأزمة الهوية الدينية في الصحف الإلكترونية المصرية في إطار الحرب على الإرهاب، والوقوف على أهم المتغيرات والعوامل المسبّبة لتلك الأزمة، والأطروحات المتصّورة لحلها، بالإضافة إلى تحديد مدى الاتساق أو الاختلاف بين خطابات الصحف نحو الهوية الدينية في سياق الاختلافات الأيديولوجية والفكرية لمنتجي الخطاب.
وتتمثل أهمية هذه الدراسة في أن الصحف الإلكترونية تُعد الوسيلة الأنسب للدراسة والتحليل للظواهر الاجتماعية في ظل تنامي استخدام أفراد المجتمع المصري وخاصةً الشباب للإنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعي، وهم الشريحة العمرية التي لم تستقر هويتها الدينية، وبالتالي نجدهم الأكثر استدراجًا وتجنيدًا من قِبَلِ الجماعات المتطرفة على الإنترنت، والأكثر تنفيذًا لمخططاتهم وأعمالهم الإرهابية ضد المجتمع.
كما تزداد أهمية الدراسة لارتباط خطاب الهوية الدينية بقضايا الواقع المُعَاش، وتجلي صوره في التفسير والتحليل لمسببات المشكلات المعاصرة وموقفه من حلها، وتعبيره عن موقفه من التحديات التي تواجه الإسلام والمسلمين في ظل الحرب المستعرة ضدهما في الغرب، وتنامي خطاب "الإسلاموفوبيا"، والقيام بأعمال عنف وتفجيرات باسم الدين ضد الآخر دينيًا مثلما حدث في قتل 50 مسلمًا في حادث المسجدين بنيوزيلاندا.
وتتناغم هذه الدراسة مع سياسة وتوجهات الدولة المصرية نحو ضرورة تجديد الخطاب الديني عبر وسائل الإعلام المختلفة، وتنامي الأعمال الإرهابية للجماعات المتطرفة دينيًا، فثمة مؤشرات قوية تبين ارتباط إنتاج خطاب الهوية الدينية بالتوجهات العامة للدولة والسياسة التحريرية للصحف المصرية الإلكترونية عينة الدراسة، ما يستلزم التحقق من ذلك بدراسة متعمقة تؤكد أو تنفي ذلك، مما يساعد في دراسة خطاب الهوية الدينية في سياق مقارن بالصحف الإلكترونية المصرية.
وتزداد أهمية تحديد ماهية الهوية، وعوامل تشكيلها وصولًا إلى مفهوم الهوية الدينية في إطار "نظرية بناء الهوية" Theory of Identity Formation وتحليل خطابها. ويُنظر إلى الهوية على أنها ليست شيئًا ساكنًا، بيد أنها نتاج حركة المجتمع وتفاعله. وثمة اعتراف بين الباحثين بصعوبة إمساك كل الخيوط التي نُسج منها مفهوم الهوية، بيد أنه "مفهوم قلق من ناحية التناول النظري. وعليه، تتضح أهمية العمل على تقوية الهوية الدينية وترسيخ مقوّمات استقراراها وثباتها في ظل التحديات المعاصرة. ففي ظل شبكات الإعلام الاجتماعي أصبح بإمكان الفرد إنشاء هويات افتراضية ترتكز على أسس شديدة التباين مع هويات الواقع الحقيقي.
إن نمو الجماعات المتطرفة والعمليات الإرهابية وتصاعد السياسة العنصرية واليمين المتطرف وتنامي خطاب "الإسلاموفوبيا" في العالم يزيد من مسئولية المؤسسات الدينية على اختلافها، ويمتد ذلك إلى أهمية الحوار مع الهويات المحلية والهويات الصغيرة لضمان استقرار الهوية الدينية للدولة والمجتمع، حيث يتخوف البعض من إنتاج هوية إلكترونية افتراضية "شبحية" مفرّغة من الانتماء. وهنا يمكن أن تُطرح تساؤلاتٌ محورية حول: كيف تتشكل الهوية الدينية للفرد المسلم؟ وما العوامل التي تدفع البعض نحو "التديُّن المُسَالم" أو "التديُّن العنيف"؟، ولماذا ينتقل البعض من تديُّن الفطرة إلى تديُّن التكفير والتطرف؟.
وللإجابة عن ذلك لا بد من إلقاء الضوء على مفهوم الهوية الدينية ومصادر تشكيلها، وهو موضوع المقال القادم بإذن الله.