البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

كعك العيد في مصر هذا العام


يحب المصريون أن يعبروا عن فرحهم بأساليب صاخبة وملونة كعادة شعوب البحر المتوسط. لطالما ظننت أن دماءنا تحمل جينًا حارًا يضحك ويرقص طوال الوقت حتى ونحن نبكى. لذا كان من الطبيعى أن يبتكروا طقسًا للعيد يختلف عما سواه. يتشكل هو الآخر على هوى أمة تعشق الألوان والحلوى. فصنعوا «كعك العيد».

احتفى الفاطميون بـ"كعك العيد» احتفاءً كبيرًا، حتى أنهم كانوا ينقشون أسماء خلفائهم عليه، ويعتبرونه أحد مظاهر الاحتفال الرسمى وليس الشخصى بالعيد في البلاد. وكان الخليفة الفاطمى يخصص ٢٠ ألف دينار لصناعة كعك العيد، فكانت بداية صناعته في شهر رجب إلى العيد. ويعد هذا سببًا رئيسيًا جعل قلة من المؤرخين ينسبون «كعك العيد» في مصر كطقس للفاطميين إلا أن «كعكات العيد» ظهرت على جدران المعابد الفرعونية. تعود هذه العادة إلى العهد المصرى القديم حيث كان يُعَد الكعك على أشكال دائرية وتُقَدَّم في الأعياد أو عند زيارة الموتى والقبور.إذ اعتبر كعك العيد من مظاهر الفرح والاحتفال عند المصريين في كل مناسباتهم التى لها طابع احتفالى يريدون فيه التعبير عن أفراحهم، أو رفع شعور الفرح لسواهم كموتاهم. وجد علماء الآثار طريقة وصور الكحك منقوشة على جدران المعابد في الأقصر ومنف وفى القبر في هرم خوفو في الجيزة. آمن المصريون القديمون انّ الكحك لديه هدف دينى وكذلك كان مختوم على الكحك في هذه العصر رمز الإله رع. وكان الوزير «أبو بمر المادرالى» مهتمًا بصناعة الكعك في العيد، فكان يحشوه بالذهب. إلا أن الكعك المعاصر المرتبط بالعيد تحديدًا يعود إلى الدولة الطولونية، فكانت تصنع في قوالب منقوشة عليها عبارة «كل واشكر».

كانت الشوارع المصرية في الماضى تتزين في بضع ليلات تسبق العيد بسيدات يحملن «صاجات الخبز» وبها أقمارهن الصغيرة المنقوشة بعناية إلى مخبز الشارع الذى يسكن به. ولأن الطريق طويلة ابتكرن أغنية ذاعت بينهن حتى يومنا هذا «يا كحك العيد يا إحنا.. يا بسكويت يا إحنا.. يا شربتات يا إحنا.. ع العربيات يا إحنا». لينتشر جو من الفرح في كل مكان يبدد تعبهن في نقش كل كعكة بأداة حديدة نحيلة «منقاش». وتتنافس كل منهن في دقة النقشة، لأن صاحبة النقشة الأدق تكون صاحبة الأنوثة الأعلى كما كان ساريًا. يحول الخباز كنوزهن الصغيرة لحلوى الحب. فالكعك في العيد طقس للحب في الأصل. أنت تعطى لكل شخص جزءًا من مالك ووقتك وفنك مرشوشًا بالسكر. وكأنك تبتكر طريقة منزهة عن المرارة لتقول له بها «كل عام وأنت بخير». كانت السعادة تنتشر بطريقة كونفوشيوس الذى يرى أن السعادة تكون بقدر قامة الإنسان لا هى أعلى ولا أدنى منه، فهم يفرحون بحياتهم التى هى بين أيديهم مرشوشة بالسكر.

يدعو علماء الأنثربولوجيا في كل مكان على الأرض إلى المحافظة على أشكال التراث المختلفة، وكعك العيد أحد مظاهر هذا التراث في مصر. إلا أن بعض العلماء هذا العام دعا لشرائه من الحلوانى وتجنب صناعته بالمنزل، وذلك لخوفهم من تجمع عدد كبير من أفراد العائلة في بيت واحد لصناعته، كعادة المصريين. وعصر الوباء مضاد عظيم للتجمعات. لكن هذا لا يمنع من استغلال الوقت الطويل جدًا في الحظر في صنع الكعك مع أطفالك في الأسرة الصغيرة وليكتبوا على الكعكات أمنياتهم الجميلة كما تعودنا في مصر أن نحمل الطعام رجاءنا الصادق في كل وقت. بل ويمكن أن يتم ملء مواقع التواصل الاجتماعي بأمنيات المصريين هذا العيد منقوشة على طعامهم المبهج في ظروف عالمية صعبة، فلطالما احترم المصرى أنعم الله على أرضه في كل تاريخه. ستكون صورة كل طفل مع كعكته ذكرى مميزة في سنوات عمره القادمة كلها. وكل عام وأنتم بخير وصحة وأمان.