البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

خلاف حول تأثير ارتفاع درجات الحرارة في القضاء على «كورونا»

البوابة نيوز

بعدما أصبح فيروس «كورونا» تهديدًا عالميًا، تسعى الحكومات جاهدةً للحد من انتشاره والوقاية منه، لما له من تداعيات خطيرة على كل المجالات، بجانب أنه ذو طبيعة مختلفة عن غيره من الفيروسات، لذا لا يوجد له عقار مضاد حتى الآن، وهو ما يسهم في تفاقم الأزمة وتزايد الخوف العالمى منه. 
وظهرت تصريحات متضاربة حول تأثير تغير المناخ في الفيروس، فرأى البعض أن درجات الحرارة المرتفعة تسهم في القضاء عليه، ونفى آخرون ذلك الاحتمال. وعلى الجانب الآخر توصل البعض إلى احتمالية تأثير انتشار الفيروس على تغير المناخ من خلال تأثيره على معدلات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، خاصة في الدول الصناعية الكبرى مثل الصين.
تغير المناخ 
أصبح تغير المناخ من أهم وأخطر الأزمات العالمية التى يعانى منها المجتمع الدولي، لما لها من تأثيرات على كل مناحى الحياة بما فيها الصحة، وبخاصة على انتشار الأمراض المعدية من خلال التغيير في العوامل البيئية والبيولوجية مثلما يؤثر على أنماط هطول الأمطار والفيضانات والجفاف ونقص المياه...الخ. فقد أثبتت دراسات أن التغيرات المناخية لها دور في نقل وانتشار الأمراض المعدية بشكل مباشر أو غير مباشر، وأنها من أكثر الأمراض حساسية للمناخ.
فيعتقد أن العديد من العوامل البيئية تساعد في انتقال الأمراض الفيروسية في جميع أنحاء العالم. تشمل هذه العوامل على مستوى العالم درجة الحرارة والرطوبة وهطول الأمطار والرياح بينما في أوروبا، وتكون درجة حرارة المناخ أكثر احتمالًا لما لها من تأثير قوى على الإصابة بالأمراض المعدية من خلال إنتاج بيئة تكيفية لبعض الفيروسات الخطيرة.
وقد يحفز المناخ الحار ظهور ناقلات فيروسية مختلفة على مستوى العالم مثل البعوض والقراد والذباب الرملى والقوارض. يتم ذلك بشكل أساسى من خلال تغيير دورة حياة المتجهات والطفيليات التى تعمل كحامل للفيروسات، أو تغيير التوزيع الجغرافى لمتجهات الفيروس ونقل العدوى إلى الدول المجاورة. على سبيل المثال، ظهور حمى الضنك وفيروس النيل الغربى وبعض الأمراض الفيروسية المنقولة عن طريق ناقلات الأمراض في جميع أنحاء العالم، وخاصة في أوروبا. 
إن غالبية نواقل الفيروسات، مثل البعوض والقراد والذباب، ذات طبيعة باردة، مما يجعل حدوث الأمراض المعدية يعتمد بشدة على درجات الحرارة المحيطة التى يمكن أن تسبب تغييرات في مواقع تكاثر ناقلات الأمراض، والتوزيع، ومعدلات العض في دورة حياتها، على سبيل المثال، تبين أن بعوض الملاريا لا يستطيع البقاء على قيد الحياة عند درجة حرارة قصوى لفترة طويلة من الزمن (أعلى من ٤٠ درجة مئوية)، وخاصة في حالة شديدة الرطوبة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤثر درجة الحرارة على البشر من خلال التغير في طريقة الحركة وزيادة التعرض للعدوى عن طريق التغيير في مناعة الجسم المضيف. لذلك، بشكل عام، تعتمد قدرة ناقل الفيروس على التوزيع والتكاثر بشكل رئيسى على درجة حرارة المناخ.
ومن هذا المنطلق، رأى عدة باحثين أن فيروس «كورونا» كغيره من الأمراض المعدية يتأثر بدرجة الحرارة، ومن المحتمل أن يؤدى ارتفاع درجة الحرارة خلال فصل الصيف إلى القضاء عليه، حيث يعتقد وفقًا لهذا السيناريو أن الفيروس يمكن أن يعيش لمدة ٤ أيام فقط على الأسطح، وإذا كان في ظروف أكثر دفئًا فلن يبقى لتلك الفترة.

ويرى سيناريو آخر أن انتشاره سينخفض في الصيف لكنه سيعود مرة أخرى في الشتاء ويصبح مستوطنًا. ومع ذلك إذا كان انتشار الفيروس سيقل بارتفاع درجات الحرارة في نصف الكرة الشمالي، فإن فرص انتشاره ستزيد في النصف الجنوبى لأنه سيكون أكثر برودة.
وعلى الجانب الآخر؛ رأى آخرون أن فيروس (MERS) قد انتشر في المملكة العربية السعودية في أغسطس ٢٠٠٣ في ظل الارتفاع الشديد في درجات الحرارة بما ينذر بوجود احتمال بأن يزيد انتشار الفيروسات - ومن بينها كورونا - خلال مواسم درجات الحرارة المرتفعة، ويفسر مؤيدو هذا الاتجاه تلك النتيجة بأن بعض الفيروسات - مثل الإنفلونزا - تكون أقل انتشارًا في الصيف لأن الناس يقضون وقتًا أقل معًا في الأماكن الضيقة المغلقة، بجانب إغلاق المدارس والجامعات.
وفى الوقت الذى تكافح فيه العديد من دول العالم فيروس «كورونا» كمحاولة للحد من انتشاره والقضاء عليه لما له من تداعيات سلبية على الاقتصاد وعلى الصحة وعلى الاستقرار السياسى أيضًا، ظهرت عدة تقارير تؤكد أن لانتشار الفيروس آثارًا إيجابية على أزمة تغير المناخ من خلال تأثيره على الطلب على الطاقة وانبعاثات الغازات الدفيئة في الدول الموبوءة. 

فتوصلت إلى انخفاض الطلب على الكهرباء والإنتاج الصناعى إلى أدنى مستوياته في الصين، فقد انخفض استهلاك الفحم في محطات الطاقة بنسبة ٣٦٪، وانخفضت معدلات تشغيل منتجات الصلب الرئيسية بأكثر من ١٥٪، انخفض إنتاج الفحم بنسبة ٢٩٪، انخفض استخدام فحم الكوك بنسبة ٢٣٪، كما انخفضت مستويات غاز ثانى أكسيد النيتروجين بنحو ٣٠٪. 
كما أسفرت تدابير احتواء فيروس «كورونا» عن انخفاض في الإنتاج من ١٥٪ إلى ٤٠٪ في القطاعات الصناعية الرئيسية. جُل هذا أدى إلى القضاء على ربع أو أكثر من انبعاثات ثانى أكسيد الكربون في الصين على مدى الأسابيع الأربعة الماضية بما قلل من مستويات التلوث في الصين، في حين أنه في الفترة نفسها من عام ٢٠١٩ أطلقت الصين نحو ٨٠٠ مليون طن من ثانى أكسيد الكربون، مما يعنى أن انتشار فيروس «كورونا» تسبب في انخفاض الانبعاثات العالمية بمقدار ٢٠٠ مليون طن من ثانى أكسيد الكربون حتى الآن.
وينطبق الشيء نفسه على الجسيمات الدقيقة التى اكتشفتها خدمة مراقبة كوبرنيكوس الجوية (CAMS). انخفضت تركيزات الجسيمات الدقيقة (PM٢.٥) بشكل كبير في فبراير ٢٠٢٠ مقارنة بالسنوات الثلاث السابقة، «وهذا نتيجة محتملة للانخفاض في النشاط». فبمقارنة الفرق بين المتوسط الشهرى لشهر فبراير ٢٠٢٠ ومتوسط المتوسطات الشهرية لشهر فبراير ٢٠١٧ و٢٠١٨ و٢٠١٩، فمن الواضح أن هذه التحليلات تشير إلى انخفاض بنسبة ٢٠ إلى ٣٠٪ تقريبًا في PM٢.٥ في أجزاء كبيرة من الصين في فبراير ٢٠٢٠، ومن المحتمل أن يعزى هذا الانخفاض جزئيًا إلى انتشار فيروس «كورونا» وتدابير مكافحته.
يجدر الإشارة هنا إلى أن الجسيمات الدقيقة، هى واحدة من أهم ملوثات الهواء فيما يتعلق بالتأثيرات الصحية وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، لأن هذه الجسيمات سواء كانت صلبة أو غازية أو سائلة في تركيبتها، لديها القدرة على إثارة مشكلات صحية خطيرة عند استنشاقها في الجهاز التنفسى وتسبب أو تزيد من الأمراض المزمنة وغيرها من مشكلات الجهاز التنفسي.
وأدى إغلاق العديد من المدن في مقاطعة هوبى الصينية، والتى بدأت في ٢٣ يناير ٢٠٢٠، إلى إيقاف مجتمع بأكمله. هذا أثر على جودة الهواء، نتيجة للانخفاض الشديد في حرق الوقود الأحفوري. صحيح أن السنة الصينية الجديدة وفترة العطل التى تليها تتسبب في حدوث انخفاض قصير الأجل في انبعاثات ثانى أكسيد الكربون كل عام، لكن التراجع الذى بدأ في وقت سابق من هذا العام، كان أسرع بكثير ويستمر لفترة أطول. فعادة ما ينخفض توليد الطاقة من الفحم بمعدل ٥٠٪ في الأيام العشرة التالية لعشية رأس السنة الصينية الجديدة، ويعود إنتاج الفحم عادة إلى مستواه الطبيعى بعد ٢٠ يومًا وبالتالى تستمر معه زيادة الانبعاثات، ولكن على عكس السنوات الأخرى، هذا العام استمر الانخفاض في الانبعاثات بشكل غير مسبوق. 
تظهر السلسلة الزمنية لتركيزات ثانى أكسيد النيتروجين في طبقة التروبوسفير فوق ووهان ونانجينج أن التركيزات حتى نهاية عام ٢٠١٩ لا تزال مماثلة للتركيزات في عام ٢٠١٨. في حين أن تركيز ثانى أكسيد النيتروجين في ووهان - مركز فيروس كورونا - بدأ فقط في الانخفاض في ٥ فبراير ٢٠١٩ عقب احتفالات السنة الصينية الجديدة، ثم ترتفع التركيزات ببطء إلى مستوياتها الطبيعية، ولكن هذا العام ظلت التركيزات تستمر في الانخفاض حتى وصلت إلى مستوى أقل ٥٠٪ عن العام الماضى بسبب الإغلاق وغيرها التدابير المتخذة للحد من انتشار فيروس «كورونا». ولم يقتصر تأثير الفيروس على الانبعاثات في هذه المدن الكبرى فقط ولكنه شمل جميع أنحاء الصين فقلت مستوياتها بنسبة ٣٠٪ عن نفس الفترة من عام ٢٠١٩.
وفى الختام، يمكن القول إنه لا يوجد اتفاق حول مساهمة تغير المناخ عبر ارتفاع درجات الحرارة في القضاء على فيروس «كورونا» والحد من انتشاره بشكل نهائى أو بشكل مؤقت خلال فصلى الربيع والصيف ثم يعود في فصل الشتاء. رغم ذلك، تم التوصل إلى تأثير انتشار الفيروس وتدابير مكافحته إيجابًا في تغير المناخ من خلال مساهمته في تخفيض نسبة ثانى أكسيد الكربون - بسبب تراجع استخدام الوقود الأحفوري - والجسيمات الدقيقة، بجانب مساهمته في تحسين جودة الهواء في الصين عبر تقليل نسبة ثانى أكسيد النيتروجين.