غيوم فرنسية.. مصائر متعددة بين الحكاية والتاريخ
ترتحل الروائية ضحى عاصى فى روايتها الجديدة «غيوم فرنسية»، الصادرة عن دار ابن رشد للنشر، إلى القاهرة فى نهايات القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر، ومنها إلى فرنسا الثورية التى كانت تمتلئ آنذاك بشعارات الجمهورية ذات الألوان الثلاثة «العدل والإخاء والمساواة»؛ لتصنع مخيلتها حكايات مختلفة بدأتها من نقطة مُهملة فى التاريخ؛ حيث احترفت البحث عن الرابط الخفى بين الماضى والحاضر فى حقب مختلفة بتنويعات مختلفة، دون تسطيح للشخصيات، ولكنها عرضت بعمق شديد ما يختلج فى نفسها من مشاعر مختلفة ومختلطة، امتزجت لتصنع حياة جديدة لكنها لم تتخلص بعد من مخاوف الماضي.
يخرج أبطال ضحى الفارون من جحيم المماليك والعثمانيين فى أعقاب فشل حملة بونابرت لاحتلال الشرق مع سفن الحملة إلى المجهول، آملين فى حياة جديدة رفعت الثورة الوليدة شعاراتها؛ لتبدأ حكاية تنبع من مخيلتها التى تجول ذهنها فى فرنسا الثورية عندما ترسو السفن فى ميناء مارسيليا، وتتفرق شخصيات الرواية بينما تتبع هى مصائرهم؛ ولأنها فرنسا الثورة، المليئة بالمجانين والحالمين والحانقين على من قلبوا حياتهم رأسًا على عقب عندما حطموا الباستيل، تستعرض خلال الارتحال بين الحيوات التى أنزلتها على الساحل الفرنسى الكثير من الاختلافات، وتستخدم «التاريخ الجمهوري» الذى يبدأ بسقوط أسرة الملك لويس لا منذ ميلاد المسيح.
يندمج الفارون من جحيم العثمانيين مع المجتمع الجديد حاملين معهم مخاوفهم وأحلامهم؛ منهم «فضل الله»، الذى احترف الحرب هربًا من الصيحة التى كانت ترعد فرائصه «اخضع يا نصراني»، فيصير واحدًا من قادة نابليون الكبار وأحد دعائم غزوه لروسيا، ولكنه رغم كل هذا لا يزال يحتفظ بداخله بالعشق الأول لزوجته التى تركها «محبوبة»؛ وهناك القس الذى دافع عن معتقداته فاتخذ طريقه الخاص وكوّن جماعته مع احتراف مهنة جعلته شهيرًا فى الأوساط الباريسية؛ وكذلك «زهرة» التى تزوجت من أحد كولونيلات نابليون فانضمت إلى الطبقة الراقية الجديدة فى المجتمع الذى سيطر عليه الجنرال ابن كورسيكا الذى انطلق من جزيرته ليحتل العالم، وأيضًا الجارية «جين» التى قضت أكثر من نصف عمرها واحدة من حريم أحد كبار المماليك، لتشعر بالغربة عند عودتها إلى موطنها الأصلى وبيتها الفرنسى القديم.