البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

المشهد السوري يواجه تشابكات وتناقضات مصالح المسارات الإقليمية والدولية

سوريا
سوريا

كشفت المشاورات السياسية الأخيرة التي يقوم بها المبعوث الدولي جير بيدرسن بشأن الأزمة السورية، أن المشهد السوري بات رهناً للتطورات الأخرى في مسارات الحل المطروحة من قبل الأمم المتحدة وتغليبها الحل السياسي، ومسار آستانة بمراحله المختلفة وضامنيه الثلاثة، ومفاوضات جنيف بجولاتها المختلفة، ناهيك عن "المجموعة الصغيرة" التي تضم أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، ودولاً عربية أخرى.
كان المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا جير بيدرسون، قد أكد أنه يضع اللمسات الأخيرة لبدء مسار إنتاج دستور جديد يتم وفقاً له إجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة وفقاً لقرار مجلس الأمن، وقال "بات واضحاً أكثر من أي وقت مضى أنه لا يوجد حل عسكري في سوريا، وأن وقف النار على المستوى الوطني أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى؛ لأن المسار السياسي يضمن استعادة سوريا لسيادتها عليه".
وخلال مشاوراته الأخيرة، حرص بيدرسن مع الحكومة و"هيئة التفاوض السورية" وأطراف إقليمية ودولية للتأكيد أنه "لا يتم الاتفاق على شيء حتى يتم الاتفاق على كل شيء".. إذ نجح بيدرسن في إحداث اختراقات في تشكيل اللجنة الدستورية، بوابة المسار السياسي، تمثلت هذه الاختراقات في: الأول:اتفاق على أن تكون هناك رئاسة مشتركة للجنة بأن يكون هناك رئيس للجنة تسميه الحكومة وآخر تسميه المعارضة. الثاني: دور الأمم المتحدة بصفتها ميسّراً من خلال المساعي الحميدة للمبعوث الخاص. أما الثالث: نسبة تصويت 75 في المائة مع السعي لاتخاذ القرارات بالتوافق. الرابع: تشكيل جسم موسع من 150 عضواً، وجسم مصغر من 45 عضواً. الخامس: التزام واضح بضمان أمن وسلامة أعضاء اللجنة وأسرهم.
وتهدف جملة مشاورات بيدرسن إلى تشكيل لجنة اتصال دولية - إقليمية والجمع بين كتلتين: "ضامني آستانة" وهم روسيا وإيران وتركيا و"المجموعة الصغيرة" بقيادة أمريكا مع ضم الصين.. لكن موسكو لا تزال تعطي الأولوية لمسار آستانة وغير متحمسة لاقتراح بيدرسن الذي قال: "حان الوقت لتجميع إرادة الدول المشاركة في هذه التكتلات وأيضاً الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن بشكل عملي في إطار مجموعة تضم الفاعلين الأساسيين في إطار مشترك في جنيف من أجل دعم المسار السياسي".
اعتبارات محورية
تكتسب هذه المشاورات أهمية محورية في سبيل التوافق على اللجنة الدستورية والتوصل لحلول توافقية ترضي جميع أطراف المشهد السوري، سواء الأطراف الداخلية المباشرة، أو الأطراف الخارجية المتضمنة القوى العالمية والإقليمية بمصالحها الحيوية في المنطقة انطلاقاً من عدة اعتبارات:
أولاً: أن ثمة تحديات متعددة أمام إحداث انفراجة في المشهد السوري، وبالتالي من المقرر أن تجري سلسلة اتصالات بحثاً عن مقاربات لهذه التحديات، ويشمل ذلك استضافة بيدرسن لممثلي "المجموعة الصغيرة" في جنيف في الثاني عشر من سبتمبر الحالي، وعقد لقاء وزاري إنساني - سياسي - اقتصادي دعت إليه مسؤولة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موجيريني على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في النصف الثاني من شهر سبتمبر الحالي، إضافة إلى اجتماع وزاري في نيويورك لـ"المجموعة الصغيرة".
ثانياً: في إطار المصالح المتباينة، تعمل موسكو للضغط كي تحقق إنجازاً قبل القمة الروسية - التركية - الإيرانية في أنقرة في 16 سبتمبر الحالي، كي تتبنى إنجاز إعلان اللجنة الدستورية وفق مسار آستانة و"ضامنيه" الثلاثة، وفي المقابل تتمسك الأمم المتحدة بملكية المسار الدستوري - السياسي، إضافة إلى ذلك، يتمسك بيدرسن بإعطاء أهمية خاصة لملف السجناء والمعتقلين والمخطوفين كي تلعب الأمم المتحدة دوراً بارزاً فيه.
ثالثاً: أنه قد جرت اتصالات عسكرية أمريكية – روسية، للتأكيد على مذكرة "منع الاحتكاك" بين جيشي البلدين في سوريا، بعد خلاف بينهما على خلفية استهداف واشنطن لقادة مرتبطين بتنظيم "القاعدة" في ريف إدلب.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، أن رئيس هيئة الأركان العامة فاليري جيراسيموف، أجرى مع نظيره الأمريكي جوزيف دانفورد، محادثات هاتفية، تركزت حول "الوضع في سوريا، وآليات التنسيق لمنع وقوع حوادث في إطار عمليات الطرفين لمكافحة الإرهاب" ويعد الاتصال، وفقاً لمصادر وزارة الدفاع، مؤشراً على "رغبة البلدين في تجاوز الوضع الذي أعقب الضربة الأميركية على إدلب، واستئناف نشاط قناة التنسيق العسكرية، لمنع احتكاكات لا يرغب فيها الطرفان".
رابعاً: أن هناك بعض العُقد والتحديات التي تعترض إقرار الشكل النهائي للجنة الدستورية، ومنها: اعتراض تركيا على اسم في القائمة التي قدمتها دمشق وضمت أربعة أسماء في القائمة الثالثة للمجتمع المدني، وعدم التوافق على كيفية الإشارة إلى القرار 2254 في مرجعية اللجنة، وعدم تثبيت ما إذا كان هدف اللجنة صوغ دستور سوري جديد أو تعديل الدستور الحالي للعام 2012. ولذا قال بيدرسن: إنني على تواصل مع المعارضة والحكومة لهذا الغرض (حل العقد)، مبدياً استعداده للعودة إلى دمشق في أقرب فرصة لاستكمال العمل على تشكيل اللجنة وقواعد العمل فيها. 
مفترق مصالح متباينة
بات مشهد الأزمة السورية برمته في مفترق طرق وفي مواجهة التوفيق بين رغبات ومصالح إقليمية ودولية متناقضة في مجملها، الأمر الذي يتطلب جهوداً كبيرة من قبل الأمم المتحدة ومبعوثها إلى سوريا، ومن أبرز هذه المتناقضات:
أولاً: أن ثمة خلافات شديدة بين تركيا والولايات المتحدة حول الوضع في شرق الفرات عموما وحول المنطقة الآمنة وكذلك المقاتلين الأكراد، الذين تعتبرهم واشنطن حليفا لها. وتقول أنقرة إنها تشعر باستياء متزايد تجاه الولايات المتحدة حليفتها الأطلسية.
ومنذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في العام الماضي اعتزامه سحب القوات الأمريكية من شمال سوريا، اتفق البلدان العضوان بحلف شمال الأطلسي على إقامة منطقة آمنة داخل سوريا على حدودها الشمالية الشرقية مع تركيا، لكنهما لم يتفقا على عمق هذه المنطقة والقوات التي ستشرف عليها، إذ ترفض أنقرة أي دور أو وجود لوحدات حماية الشعب الكردية فيها.
وقد ساهمت المحادثات التركية - الأمريكية خلال شهر أغسطس في تفادي انفجار الموقف، وجرت الخطوات الأولية لتطبيق التفاهمات المؤقتة التي تم الاتفاق عليها. لكن لا يزال هناك غموض في التفاهمات وتساؤلات حول سرعة التنفيذ وتهديدات تركية باللجوء إلى الخيار العسكري الذي سيخلط الأوراق في منطقة النفوذ الأمريكي - الكردي شرق الفرات. 
ثانياً: الوضع السياسي المعقدة في إدلب يمكن أن يشعل صراعاً إقليمياً بين روسيا وتركيا، فقد التقى الرئيسان الروسي والتركي مؤخراً وأعلنا عن التوصل إلى تفاهم حول كيفية تثبيت الوضع في إدلب استناداً إلى مذكرة التفاهم الموقعة في سبتمبر 2018. ويعتقد مراقبون أن موسكو أعطت أنقرة مهلة لتنفيذ "اتفاق سوتشي" الذي يتضمن تفكيك التنظيمات الإرهابية وإعادة تشغيل طريق حماة - حلب واللاذقية - حلب وتشغيل دوريات مشتركة ما يفسر إرسال تركيا تعزيزات، مقابل ضمانات روسية بعدم استهداف النقاط التركية.
وربما يسعى الطرفان، في المدى المتوسط، إلى التفاهم على إنشاء منطقة آمنة في إدلب، على غرار المنطقة الآمنة التركية - الأمريكية شرق الفرات، وهو مطلب تبنته تركيا في المرحلة الأولى من اندلاع الصراع السوري، لكن لم يحظ بتأييد، إلا أن ذلك سيتوقف على مدى تجاوب موسكو مع هذا المطلب.
ثالثاً: دخول إسرائيل على خط المشهد والأزمة السورية لمزاحمة التواجد الإيراني في ذات المشهد، حيث أعلنت إسرائيل أن قيامها بشن هجمات جوية على أطراف مدينة دمشق في 24 أغسطس الماضي، كان الهدف منه إحباط هجوم بطائرات مسيرة من الأراضي السورية، زعمت أنه تم التخطيط له من فيلق القدس الإيراني وتنظيمات تدعمها إيران. 
وتعليقاً على تلك التطورات ، قال المبعوث الأممي بيدرسن:"هذه الأعمال التصعيدية مقلقة للغاية.. أحث الأطراف كافة على احترام سيادة سوريا والدول الأخرى في المنطقة من خلال وقف هذه الاعتداءات والأعمال الاستفزازية وممارسة أكبر قدر من ضبط النفس قولاً وفعلاً".
رابعاً: انتشار التنظيمات الإرهابية، أهمها، "هيئة تحرير الشام" ومجموعات أخرى مثل "حراس الدين" ، ناهيك عن عناصر مرتبطة بـ"القاعدة" في ريف إدلب، وكان وزير الخارجية الأمريكي قدم إلى الجانب الروسي في مايو الماضي مقترحات من ثماني نقاط بينها "محاربة الإرهاب"، وكان هناك توافق أولي عليها، لكن الخلاف كان حول تسلسل تطبيقها. 
يبقى القول إن الفترة المقبلة ستشهد نشاطاً مكثفاً للمبعوث الأممي بيدرسن من أجل التوفيق بين المسارات المتباينة للمشهد السوري، آملا في أن يكون ذلك قريباً وبداية قوية للحفاظ على السيادة السورية ووحدة أراضيها واستقرارها.