البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

"شيء من الخوف".. فيلم يثير غضب الرقابة.. وعبدالناصر يأمر بالإفراج عنه

شيء من الخوف
"شيء من الخوف"

قدم المخرج حسين كمال للسينما المصرية فيلمًا من أروع الأفلام وهو "شيء من الخوف" المأخوذ عن رواية بنفس العنوان للكاتب الكبير ثروت أباظة، وتدور أحداثه حول عتريس الطفل الرقيق الذي يتعرض لقسوة جده مرار من أجل أن يترك قسوته تلك كي يصبح شخصا جدير بأن يعتمد عليه جده في وراثة السيطرة على أهل قريته، وبالفعل يتخلص عتريس من طبيعته الرقيقة عندما يشاهد أحد الفلاحين يتجرأ ويقتل جده.
تعلق عتريس منذ طفولته بفتاة تحبه وهي "فؤاده" ولكنها تبتعد عنه وترفض تحولاته واتجاهه ناحية الجبروت والقسوة، ويتحول حبها للكره، لكنه يأخذها عنوة وينتزعها من بين أهلها، وتظل فؤاده رافضة لزواجه، ويعلن شيخ المسجد أن هذه الزيجة باطلة تمامًا، وفي إثر ذلك يقتل عتريس ابن شيخ المسجد، لينتفض الشيخ وتنتفض القرية كلها بأكملها معلنة أن زواج عتريس من فؤاده باطل، وتتردد كلمة باطل في أرجاء القرية تهز قصر عتريس وتزلزل أركانه وتنحاز فؤاده لأهل قرية الدهاشنة. شارك في الفيلم كل من الفنان محمود مرسي والفنانة شادية والفنان يحيي شاهين والفنان صلاح نظمي، وكتب سيناريو الفيلم صبري عزت، بينما كتب الحوار إلى اللهجة الصعيدية الشاعر عبدالرحمن الأبنودي إلى جانب أغاني الفيلم، وكانت الموسيقى للملحن بليغ حمدي.
كانت أفيشات الفيلم تنتشر في شوارع القاهرة، وتنبأ صناع الفيلم بنجاح مبهر وكاسح، إلا أن هناك من ترصد لهم، واعتبر الفيلم اسقاطًا مباشرا على نظام الحكم، فشخصية عتريس ليست هي إلا رمز للرئيس جمال عبد الناصر، وأهل الدهاشنة هم الشعب المغلوب على أمره، وفؤاده هي مصر، وتعطل الفيلم في الرقابة، وكانت أزمة آنذاك هددت عرض الفيلم وصناعه.
يمكن للمشاهد أن يؤل رموز الفيلم كما يشاء، لكن قصر التفسير على شخصية بعينها يعد قتلا للعمل الأدبي والفني قبل كل شيء، فشخصية عتريس إن كانت تدين الاستبداد والديكتاتورية فهي تدينهما في صورتهما المطلقة دون أن يكون الاسقاط مباشرا ومقصودا فيفقد العمل رونقه وأبعاده التأويلية المناسبة لكثير من الأزمان.
واستاء المخرج حسين كمال من تلك الأزمة، وتعرض لمواقف صعبة للغاية، لكنه في النهاية يجد موقفًا غير متوقع من "عبد الناصر" الذي يقر الفيلم ويرفض بدوره صور وأشكال الاستبداد التي تطرحه الفيلم، فيقول "حسين" عن هذه الأزمة: "أطلق أعداء النجاح إشاعة أن الفيلم يقصد بعتريس الرئيس جمال عبد الناصر في الوقت الذي كان الفيلم جاهزًا للعرض وأفيشاته تملأ الشوارع، ورفضته الرقابة، فكان الفيلم أول صرخة لى في السينما المصرية وأصبت بالاكتئاب بعد اتهام الفيلم بمعاداة نظام الحكم؛ لكن حين شاهده الرئيس عبد الناصر أجاز عرضه وقال: لو إحنا كده يبقى نستاهل الحرق".
مثل هذه المواقف تبرز جانبًا قويًا في شخصية الزعيم جمال عبد الناصر وهي ثباته وعدم اهتزازه من أعمال أدبية وفنية تتعرض بالانتقاد لسلبيات ظهرت في عصره، وفي الوقت الذي تقوم فيه الرقابة أو شخصيات برلمانية أو مجموعة من المحبين للثورة ومجلس قيادتها باعتراض أعمال معارضة للغاية كهذه نجد تدخلا صريحًا من "ناصر" ينحاز فيه للحرية وللعمل الفني.