البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

متصوفة عاشقون| أبو العباس العريبي.. "سر فاستسق لهم"

البوابة نيوز

اتصل الشيخ الأكبر محيى الدين بن عربى بشخصية جديدة أقبلت إلى إشبيلية، عرف فى صاحبها العلم والزهد والمواهب اللدنية، فأحب أن يكون أول من يتلقى عنه تلك المنح، ورغم تشدد الرجل فى معاملته؛ فإنه وفى آخر أيامه اعترف بالفضل لابن عربي؛ لأنه المريد الوحيد الذى انتفع بالعلم وحفظ حق المعلم، إنه الشيخ جعفر بن محمد العريبي.
اتصف بكثرة الذكر، لا تجده إلا طاهرا، مستقبلا القبلة، يقضى أكثر دهره صائمًا، وكان أميًا بدويًا لا يقرأ ولا يكتب ولا يحسب، لكنه إذا تكلم فى التوحيد سلب قلوب المستمعين، يقيد الخواطر بهمة، ويتأثر الوجود بكلامه.
تلقى ابن عربى على يديه عدة نصائح وعمل بها، فأول ما قاله العريبى له: يا بني، سد الباب واقطع الأسباب وجالس الوهاب يكلمك الله دون حجاب، يا ولدي، امح ما كتبت، وانس ما حفظت، واجهل ما علمت وكن هكذا معه على كل حال، لا تتحدث معه بما قد علمته؛ فإن ذلك تضييع للوقت، واطلب المزيد كما أمرك فى قوله {وقل رب زدنى علما}.
وفى الحروب التى حدثت فى الأندلس آنذاك، وقع الرجل فى فخ الأسر لدى الفرنجة، وكان قد تنبأ لهم بذلك قائلا: غدا يقع الكل فى الأسر، فغار العدو على البلدة فأخذ الناس، وافتدى الرجل نفسه بخمسمائة دينار، جمعت له من الناس.
ومن بركاته التى تحكى عنه أنه قيل له وهو بأشبيلية: إن أهل قصر كتامة «اسم مكان بالمغرب» يحتاجون إلى المطر، فسر إليهم فاستسق لهم. فقال له بعض أصحابه: ادع الله لهم من هنا. قال: أمرت بالخروج إليهم. فخرج من عندنا، فلما وصل إلى قصر كتامة، وأشرف عليها مُنع من الدخول، فرجع عن ذلك الموضع، ولم يدخل البلد، فلما سقاهم الله كانت الأمطار تهطل عن يميننا ويسارنا، دون أن تصيبنا فتعجب الخادم قائلا: عزَّ عليّ حيث لم تصبك رحمة الله. قال: بل أدركتنى هناك.
ومن فواتحه أن ابن عربى سمع القارئ يقرأ {عم يتساءلون} حتى وصل إلى {ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا}، غبتُ عن قراءة الإمام ورأيت العريبى يقول: المهاد العلم والأوتاد المؤمنون، والمهاد المؤمنون والأوتاد العارفون، والمهاد العارفون والأوتاد النبيون، والمهاد النبيون والأوتاد المرسلون. فرددت إلى الإمام فوجدته يقرأ {وقال صوابا* ذلك اليوم الحق}.
وتناول الشيخ الأكبر محيى الدين بن عربى ما يزيد على ٣٠ شخصية زاهدة ومتصوفة، قابلهم فى رحلاته بالأندلس والمغرب العربي، وقد عرض لهذه الأسماء المجهولة فى رسالته المعروفة باسم «الروح القدس»، التى كتبها أثناء إقامته فى مكة المكرمة سنة ٦٠٠ هـ، وأرسلها إلى صديقه التونسى محمد بن عبدالعزيز المهدوي، فهو يجد الراحة فى ذكرهم وتسلية عن فقدهم وتحريض النفس على الاقتداء بهم والتأسى بأحوالهم.