البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

"سواكن".. حلم تركيا يتبخر على يد المجلس الانتقالي العسكري.. "البشير" باع الجزيرة لـ"أردوغان" لتحقيق حلم التمدد العثماني أفريقيا

البوابة نيوز

تنظر تركيا للقارة الأفريقية، على أنها تشكل أهمية استراتيجية كبيرة للغاية لأنقرة، ومن ثم سعى أردوغان لوضع موطئ قدم له فى الخرطوم، عبر اتفاقية جزيرة سواكن، التى تمت بينه وبين الرئيس السودانى السابق عمر البشير فى ديسمبر عام ٢٠١٧.
وتشكل جزيرة سواكن، أهمية تاريخية واستراتيجية لتركيا فى ظل تمدد الدولة العثمانية داخل القارة السمراء، إذ تعد مركزًا إقليميًّا على البحر الأحمر، ويضم ميناؤها مقر الحاكم العثمانى لمنطقة جنوب البحر الأحمر خلال عامى ١٨٢١- ١٨٨٥، كما أنها تضم منطقة أثرية تاريخية وكانت سابقًا ميناء السودان الرئيسي.
وتبعد جزيرة سواكن عن العاصمة السودانية الخرطوم ٥٦٠ كيلومترًا ومساحتها ٢٠ كيلومترًا مربعًا وترتفع عن سطح البحر ٦٦ مترًا، وتتمتع بأهمية استراتيجية فهى أقرب موانئ السودان لميناء جدة السعودي، حيث كان يستخدمها الحجاج الأفارقة قديمًا فى الوصول إلى مكة.
ويقطن جزيرة سواكن، ما يقرب من ٥٠ ألف نسمة، وذلك حسب إحصائية صادرة من دولة السودان فى الفترة بين عامى ١٩٠٩ – ١٩٢٢ هاجر معظم السكان إلى مدينة بورتسودان الواقعة على بعد ٤٠ ميلًا على الشمال منها، وقد أثرت عوامل الطبيعة فى معظم مبانى الجزيرة وتعرض معمارها للتلف، بسبب الاعتماد على الحجر الجيرى فى تشييده، ويسكن ما تبقى من سكان الجزيرة فى الوقت الحالى فى أكواخ.
وعلى خلفية اتفاقية جزيرة سواكن، تستثمر تركيا فى مطار الخرطوم الدولي، واستأجرت الحكومة التركية أراضى سودانية بلغت مساحتها ٧٨٠ ألفًا و٥٠٠ هكتار لمدة ٩٩ عامًا، كما منحت الخرطوم عقدًا قيمته ١٠٠ مليون دولار للتنقيب عن النفط لشركات تركية.
وخلال الأيام القليلة الماضية وبعد رحيل نظام البشير، أنهى المجلس العسكرى الانتقالى السوداني، العمل بالاتفاقية التى وقعها عمر البشير مع تركيا قبل عامين التى تقضى بتسليم إدارة جزيرة سواكن فى البحر الأحمر إلى أنقرة للاستثمار فيها وإنشاء قاعدة عسكرية.
وكانت قد نصت الاتفاقية التى وقعت خلال زيارة للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى السودان، فى ديسمبر ٢٠١٧، على تسليم الجزيرة الاستراتيجية لتركيا حتى تقوم بإعادة تأهيلها، وفق المعلن.
وأكد هذه الأنباء عدد من الصحف السودانية أبرزها صحيفة «السودان اليوم»، إذ قالت إن هناك مجموعة شخصيات سياسية مقربة من السلطة الحالية، تؤكد أن المجلس الانتقالى منح مهلة لأنقرة حتى نهاية مايو لإخلاء سواكن، وأنه سيتدخل عسكريًا فى حال عدم تنفيذ تركيا للأمر.
وعلى الجانب الآخر، ومن بين المشروعات التركية فى جزيرة سواكن هو تنفيذ وكالة التعاون والتنسيق التركية «تيكا»، مشروعًا لترميم الآثار العثمانية، وهو ما يعكس النظرة التركية للقارة الأفريقية، فالعقلية الأردوغانية تحاول بناء علاقاتها مع الدول الأفريقية عبر استحضار التاريخ وإرث الدولة العثمانية، ومن ثم الحضور فى القارة السمراء.
ولكن يبدو واضحًا للعيان، أن المجلس العسكرى السودانى لن يفرط بسهولة فى الجزيرة لتركيا، خاصة أن حكومات الدول العربية تُساند السودان من خطر التوغل التركى فى منطقة البحر الأحمر، إذ حذر وزير الخارجية المصرى سامح شكرى من دور أنقرة فى القارة الأفريقية، مشددًا على ضرورة مواجهة أى تدخلات خارجية، خاصة مع انكشاف دور البعض فى دعم التنظيمات الإرهابية.
ورغم تأكيد التقارير الإعلامية السودانية بعدم وجود أى نشاط لأنقرة على الجزيرة منذ توقيع الاتفاقية، تدعى وزارة الخارجية التركية، بأنه لا توجد إمكانية لإلغاء المجلس العسكرى الانتقالى فى السودان، للاتفاق الذى أبرمه الرئيس السابق عمر البشير معها، حول جزيرة سواكن.
وأكدت تقارير إعلامية سودانية، قبل بضعة أيام، أن الجيش السودانى منح مُهلة لتركيا لإخلاء جزيرة سواكن نهاية مايو المُقبل.
ونقل موقع «السودان اليوم» عن مصادر وصفها بالمُطلعة أن الجيش السودانى رفض أى محاولات أو ترتيبات من شأنها إقامة قاعدة عسكرية فى هذه المنطقة.
وقال الباحث السودانى عباس محمد صالح: إنه ليس هناك أى تأكيد رسمى حتى الآن بصدور قرار حول نشاط تركيا فى السودان، خاصة عملها فى جزيرة «سواكن» وما يتم تداوله مجرد شائعات.
وأكد عباس فى تصريح خاص لـ«البوابة نيوز»، أن المسألة بخصوص جزيرة «سواكن» لها وجهان: الظاهر أن تركيا تقوم بإعادة إعمار المواقع الأثرية والتاريخية التى تحولت إلى أطلال بسبب الإهمال، وكذلك ترميم هذه المواقع ليس أولوية للسودان، خاصة فى ظل الظروف الحالية.
وأضاف الباحث السوداني، أن الوجه الثانى طبقًا لتقارير مزعومة بأن الوجود التركى فى الجزيرة وعلى سواحل البحر الأحمر سيتطور إلى وجود عسكرى على غرار قاعدة أنقرة العسكرية فى الصومال.
الباحث المتخصص فى الشأن الأفريقي، محمد عز الدين، قال: إن مصير جزيرة سواكن التى أعطاها الرئيس المخلوع عمر البشير للرئيس التركى رجب طيب أردوغان وحكومته، محتوم؛ لأن المجلس الانتقالى السودانى الجديد لمن يترك الجزيرة للأتراك بسبب دعمها للإرهاب وجماعة الإخوان.
وأكد عز الدين فى تصريحات خاصة لـ«البوابة»، أن المجلس الانتقالى الجديد توجهه السياسى معاكس لاتجاه البشير الذى كان يتعامل ويتعاون مع الإخوان، لذلك المجلس العسكرى لن يترك الحليف القوى المتمثل فى الإمارات العربية والسعودية من أجل الحليف الضعيف وهما «تركيا وقطر».
وأشار الباحث المتخصص فى الشئون الأفريقية، إلى أن تركيا لديها مطامع فى منطقة القرن الأفريقى ويصعب عليها ترك سواكن؛ لكنها دولة غير مرغوب فيها سياسيًّا وعسكريًّا وأمنيًّا.
وتابع: «لذلك أتوقع أنه فى القريب العاجل أن تترك تركيا سواكن، لأن أردوغان لا يرغب فى تشويه صورته أكثر من ذلك».
ويرى مراقبون أن دعوات السودانيين لإنهاء العمل بهذه الاتفاقية يأتى انطلاقًا من حرصهم على علاقات الصداقة، وحسن الجوار بين بلدهم والدول العربية والأفريقية التى ترفض التدخل والتوغل التركى فى القارة، بل وتحذر منه أيضًا.