البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

غدًا السعف ينحني بأيدي الأقباط استقبالًا للمسيح.. البداية فرايحي.. والنهاية الكنيسة تتشح بالأسود

البوابة نيوز

تحتفى الكنائس المصرية الأرثوذكسية، غدًا الأحد، بعيد دخول السيد المسيح أورشاليم، أو كما يطلق عليه أحد الشعانين، أو السعف، حيث تمتلئ الكنائس بملايين المصلين الذين يبدأون اليوم بالفرح وينهونه بالحزن للدخول فى أسبوع الآلام، الذى يعد هو الطريق لأفراح القيامة. 
وتتعالى حناجر الأقباط اليوم بالهتاف «خلصنا خلصنا»، وذلك كما كان الحال منذ أكثر من ألفى عام، حينما استقبل أهالى بيت المقدس السيد المسيح، مطالبين إياه بنجدتهم من الحكم الروماني، الذى بطش بهم.
ولأن النخل يرمز للخلود، فيرفع الأقباط اليوم «جريدة»، كما تم استقبال السيد المسيح حينها، تخليدا للمخلص، ولأن الزرع الأخضر أيضا الذى يرمز للسلام، وتصلى الكنائس الأرثوذكسية طقس أحد الشعانين، بالقداس العادى وتستخدم اللحن «الفرايحى»، ثم ترفع صلوات البخور باكرا مع ما يعرف بدورة الصليب، وفى نهاية القداس يصلى طقس التجنيز العام، إيذانًا ببدء طقوس أسبوع الآلام. 
الكنيسة: لا صلاة على المتوفى خلال «البصخة» 
القس أرسانيوس: خطأ شائع أن يظن البعض أننا نحزن على السيد المسيح
يعد طقس التجنيز العام، من أشهر ملامح أحد الشعانين، وفى هذا الأمر يقول القس أرسانيوس صليب، كاهن كنيسة مار مرقس فى ملبورن، إنه بالنسبة للصلاة على المنتقلين أثناء أسبوع الآلام أو«البصخة»، فالكنيسة تقوم بعمل صلاة التجنيز العام عقب قداس الاحتفال بأحد الشعانين، وتصلى على مياه وتقوم برشها على الحاضرين، وبالتالى لو حدث وانتقل أحد الحضور فهو تمت الصلاة عليه يوم أحد الشعانين بالفعل.
ويضيف «صليب»، أن الكنيسة تحتفظ بهذه المياه أيضا طوال أسبوع البصخة، حتى إذا انتقل أحد، فيتم إحضاره إلى الكنيسة ويفتح الصندوق ويرش عليه من هذه المياه، وذلك إذا لم يكن قد حضر صلاة التجنيز العام يوم أحد الشعانين، لأى سبب مثل المرض مثلا.
ويوضح كاهن كنيسة مار مرقس فى ملبورن، يحضر جثمان المتوفى خلال أسبوع الآلام، ساعة من ساعات البصخة حسبما اتفق حضوره - ساعات البصحة صلوات دورية تتم خلال الأسبوع-، وعن وجود أى استثناء يسمح بأن يصلى خلال تلك الفترة بالصلاة على أى متوفٍ، يشدد الكاهن، لا يوجد استثناء فى هذا الطقس لأى أحد مهما كان، ضاربا مثال، نتذكر جميعًا أن شهداء طنطا والمرقسية بالإسكندرية، رغم أنهم شهداء ولكن لم يصلّ عليهم خلال أسبوع الآلام، وإنما كما ذكرت تم رش أجسادهم بمياه صلاة الجنازة العام.
وحول السبب فى عدم الصلاة على الراحلين خلال ذلك الأسبوع، يقول الكاهن، يوجد رأيان فى هذا الأمر من حيث عدم الصلاة على المنتقلين أثناء أسبوع البصخة: الرأى الأول أننا لا نصلى عليهم لأننا لا نرفع بخور «أى نقدم بخور» فى أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء من أسبوع البصخة، وطقس الصلاة على المنتقلين يجب أن يكون فيه تقديم أو رفع بخور أو تبخير أثناء الصلوات، ولكن يناقض هذا الرأى أننا نقدم بخورا يومى الخميس والجمعة، ولكن نظل لا نصلى صلاة التجنيز على المنتقلين فى هذين اليومين.
أما الرأى الآخر، وهو ما أميل إليه أكثر، وهو أننا أثناء هذا الأسبوع يكون كل تركيزنا على آلام السيد المسيح الخلاصية، ولا يجب أن نشغل أنفسنا بأى شيء أو شخص آخر، حتى ولو كان ذلك انتقال أحد أحبائنا. ويختتم كاهن كنيسة ملبورن، أيضا هناك خطأ شائع أننا لا نصلى على المنتقلين أثناء أسبوع البصخة لأننا حزانى على الرب يسوع ولا يجب أن يشاركه أحد فى حزننا حتى لو كان انتقال أحد الأحباء، وهذا خطأ كبير لأننا لا نحزن على الرب يسوع بل نحزن بسبب خطايانا التى سببت لفادينا هذه الآلام.
رزق الغلابة.. «نايم فى الشارع مستنى حبايب المسيح»
«نبيل»: يا جريد النخل العالي.. ميل وارمى السلام
وكأنه حاضر لذات المشهد منذ أكثر من ألفى عام، حجز نبيل، منذ 4 أيام ركنًا بشارع شبرا، تحديدا بناصية شارع قطة، ذاك الشارع الموصل لكنيستى العذراء مريم والملاك ميخائيل بعياد بك بشبرا، افترش الأرض، تبادل النوم بجوار النخيل هو وأخوه الصغير رفقة السعف، ممنيًا نفسه بلحظة خروج قداس حد الشعانين، وتوافد الأقباط عليه هو وأقرانه ليبتاعوا منهم قطع جريد شُكلت بأشكال عدة، ويقول صاحب الخمسة وعشرين عامًا، إن الأمر يفوق مبدأ الربح المادى بالنسبة له، فالمال يعرف طريقه حسب ما كتبه الله لنا، أما فى أحد السعف، فأشعر كأننى أشارك فى طقس ديني، وأقوم بعمل نبيل كما اسمي، مشددا على أن «بركة فلوس حد الزعف» غير أى أموال أتحصل عليها من أى عملية بيع لأى منتج آخر.
ويشرح نبيل، أعد لذلك اليوم قبلها بأسبوعين، أذهب إلى سوق النخل بالجيزة، وأقوم بحجر الكمية التى أقدرها «وحسب الفلوس اللى معايا كام!»، ثم أعربن على الطلب، وأحدد مواعيد الاستلام، ويضيف، نتعب كثيرا فى هذا الأمر، ونسعى للفرجة على العديد من المزارع للوقوف على أجود أنواع السعف، حتى يتثنى لنا جدله والإبداع فيه، ومن ثم بيعه بجودة أعلى وسعر أعلى أيضا.
ويسترسل نبيل، أهالى منطقة حكر عزت بشبرا، معروف بينهم كل عام من يتاجر فى السعف، ومن ثم لا أجد صعوبة فى إيجاد مكانى كل عام، وكأنها محلاتنا وليست نواصى شوارع، مضيفا أفترش مكانى من عشية الأربعاء، وأجهز متطلبات الحفاظ على المنتجات، فنحن نستلم الجريد ونعتنى به بشدة حتى يظل ناضحًا صباح الأحد، ويضيف البائع، البطاطين والبرسيم والورق، «أكتر حاجة بتحافظ على الجريد، وذلك عن طريق رشها بالماء وجعلها «بطانة للزعف».
ويوضح بائع السعف، نبدأ فى فرز الجريد، وتقسيمه، ثم تقطيعه حسب المنتج المطلوب صنعه به، مشيرا إلى أن «الزعفة بتقولك اعملنى إزاي»، فى إشارة منه لجودة الأوراق وطولها وكثافتها ولون قلبها، موضحا أن سعر المنتج المبيع يضاف له، جودة السعفة، فالسعفة ذات القلب الأبيض اللون، وورقها عريض ومتساوي، مع طول السعفة، يجعل منها سهولة فى إخراج أشكال أفضل، وأيضا يظهر بشكل جيد وجودة عالية، موضحا أنه حال كون تلك الصفات غير متواجدة، مع طغيان اللون الأخضر على السعفة يقلل من قيمتها.
وعن بدء البيع، يقول نبيل: «من أول ما بنفرش بنلاقى الناس بتميل علينا»، إلا أن الكثافة تكون ليلة السبت، والذروة عقب قداس الأحد، إلا أن مؤخرا انتقلت الذروة إلى فجر يوم الأحد، حتى يتثنى للأقباط الصلاة والسعف بأيديهم، خلال أجزاء دخول المسيخ لأورشاليم، لافتا إلى أنه يحتاج للنوم 3 أو4 أيام من تعب موسم الجريد.
وعن المواقف الغريبة التى حدثت معه خلال سنوات بيعه الماضية للسعف، قال نبيل، أحيانا أحب أن أستمع للأغانى وأنا أعمل، هربا من الزحمة والضوضاء، إلا أنه ذات مرة تصادف أن يذيع الراديو أغنية محمد منير «يا جريد النخل العالى ميل وارمى السلام»، فشعرت وكأنها أذيعت لى خصيصًا.
كنائس «سابقة بخطوة»
الآلاف يخرجون بالسعف فى الأراضى المحتلة
رَفعت الكنائس الكاثوليكية، الأحد الماضي، قداسات أحد الشعانين بالأراضى المحتلة، حيث يسبق التقويم الكاثوليكى نظيره الأرثوذكسى بأسبوع، وشهد القدس، مناسك حج الأقباط «التقديس» لعدد من الكنائس غير الأرثوذكسية، حيث خرج الآلاف لتكرار استقبال السيد المسيح، بذات المدينة التى دخلها منذ أكثر من ألفى عام، حيث جالوا بمدخل أورشاليم، حاملين سعف النخيل، فى إحياء لمشهد ظل خالدًا بالذاكرة قرون وقرون.
ويعد أحد الشعانين، هو الأحد السابع من الصوم الكبير، والأخير قبل عيد الفصح أو عيد القيامة، ويسمى الأسبوع الذى يبدأ به بأسبوع الآلام، وهو يوم ذكرى دخول يسوع إلى مدينة القدس.
ويسمى هذا اليوم أيضا بأحد السعف أو الزيتونة، لأن أهالى القدس استقبلت السيد المسيح بالسعف والزيتون المزين، وفرشوا ثيابهم وأغصان الأشجار والنخيل تحت قدميه، لذلك يعاد استخدام السعف والزينة فى أغلب الكنائس للاحتفال بهذا اليوم.
عقب السعف.. الكنائس تتشح بالأسود والصلوات حزايني
تبدأ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، اليوم الأحد، طقس «أسبوع الآلام» وصلوات «البصخة المقدسة»، عقب قداس أحد السعف، ويبدأ بصلاة «التجنيز العام»، والتى تصلى على جميع المسيحيين، لعدم إقامة أى صلوات تجنيز «جنازات» فى هذا الأسبوع على أى متوفى.
ثم تبدأ البصخة المقدسة مساء اليوم، وتستمر حتى يوم الجمعة المقبلة، وتتشح الكنائس باللون الأسود، ويتم تغيير سترات الكنائى البيضاء وستر الهيكل إلى اللون الأسود، وتتلى التسابيح والصلوات بالألحان الحزينة، ويعقبها سبت النور، وبعده أحد القيامة للاحتفال بالعيد. 
فى كتاب أحد الشعانين، للبابا شنودة الثالث، يقول البطريرك الراحل، «ما جاء حول أحد الشعانين، فيقول الكتاب فى أصل الكلمة: عبرانية من «هو شيعه نان» ومعناها يا رب خلص، ومنها الكلمة اليونانية ωσαννά «أوصنا» التى استخدمها البشيرون فى الأناجيل، وهى الكلمة التى كانت تصرخ بها الجموع فى خروجهم لاستقبال موكب المسيح، وهو فى الطريق إلى أورشليم. ويسمى أيضًا بأحد السعف وعيد الزيتونة، لأن الجموع التى لاقته كانت تحمل سعف النخل وغصون الزيتون المزينة فلذلك تعيد الكنيسة، وهى تحمل سعف النخل وغصون الزيتون المزينة، وهى تستقبل موكب الملك المسيح.
ويتابع الكتاب: «من طقس هذا اليوم أن تقرأ فصول الأناجيل الأربعة فى زوايا الكنيسة الأربعة وأرجائها فى رفع بخور باكر، وهى بهذا العمل تعلن انتشار الأناجيل فى أرجاء المسكونة».
الكنائس تغني: فى الطريق فرشوا القمصان
تعد الترانيم أسلوب صلاة راسخ فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وتفنن الأقباط فى صناعة ترانيم خاصة بكل حدث فى الكنيسة، وكان لأحد السعف جزء من ذلك الأمر؛ حيث تمتلى صحون الكنائس بترتيل «الجالس فوق الشاروبيم» اليوم الأحد، والتى تقول كلماتها:
الجالس فوق الشاروبيم
اليوم ظهر فى أورشليم 
راكبًا على جحش بمجد عظيم
وحوله طقوس نى أنجيلوس 
فى الطريق فرشوا القمصان
ومن الشجر قطعوا الأغصان 
وهم يصيحون بالألحان
أوصنا يا بن داود 
اليوم تمت الأقوال
من النبوات والأمثال 
كما تنبأ زكريا وقال
نبوة عن إيسوس بى إخرستوس 
بتواضعه جاء الرحمن
راكبًا على جحش ابن أتان 
وهو ذو العظمة والسلطان
الرب القوى على الرءوس 
رتلوا بأصوات الترتيل
وإبتهجوا اليوم بالتهليل 
قولوا هذا هو ملك إسرائيل 
مخلصًا الرب القدوس
من التاريخ.. القبض على من يحمل سعفًا
أبو عليّ منصور يمنع المسيحيين من تزيين كنائسهم
يحكى شيخ المؤرخين العرب، أحمد بن على المقريزى المعروف باسم «تقى الدين المقريزي»، بجزء يحمل عنوان «عيد الزيتونة»، فى كتابه «المواعظ والاعتبار فى ذكر الخطط والآثار»، وهو جزء عن أحد الشعانين يقول فيه:
عيد الزيتونة، ويعرف عندهم بعيد الشعانين، ومعناه التسبيح. ويكون فى سابع أحد، من صومهم. وسنتهم فى عيد الشعانين أن يخرجوا سعف النخل من الكنيسة، ويرون أنه يوم ركوب المسيح العنو، (وهو الحمار) فى القدس، ودخوله جبل فى أورشاليم «القدس» عليه بنى الهيكل، وفيه المسجد الأقصى وقبة الصخرة (بحسب المقريزي)- وهو راكب، والناس بين يديه يسبحون، وهو يأمر بالمعروف، ويحث على عمل الخير، وينهى عن المنكر، ويباعد عنه، وكان عيد الشعانين من مواسم النصارى بمصر، فى كنائسهم. 
فلما كان لعشر خلون من شهر رجب، سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة، كان عيد الشعانين، فمنع الحاكم بأمر الله أبو عليّ منصور بن العزيز بالله النصارى من تزيين كنائسهم، وحملهم الخوص على ما كانت عادتهم، وقبض على عدة ممن وُجد معه شيئًا من ذلك، وأمر ما هو محبَّسٌ على الكنائس من الأملاك، وأدخلها فى الديوان، وكتب لسائر الأعمال بذلك، وأُحرقت عدة من صلبانهم على باب الجامع العتيق.
ويتضح من الأمر أن أحد السعف كان عيدا شعبيا فى القدم، وليس مطقوس ومناسك صلاة وحسب، فقد كان الأقباط يزينون خارج الكنائس وأبواب البيوت ويحملون السعف والصلبان وما إلى ذلك فى مواكب احتفالية حتى جاء الحاكم بأمره الفاطمى ومنع ذلك، بل إنه حبس من وجده يحمل سعفا، إلا أن الأمر لم يدم على ذلك الحال، فمضى الحاكم بأمره لحاله وبقى الأقباط يرفعون صلبانهم وأغصان السعف حتى اليوم.