البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

النخبة ومنظمة الشباب الاشتراكي (14)


كانت العبارة الأهم التى وردت فى بيان مارس 1968 بعد نكسة يونيو 67، عبارة كاشفة وناقدة وملخصة للنخبة المصرية بكل مواصفاتها التاريخية خاصةً فى الفترة التى كانت تُنسب لفكرة التنظيم السياسى الواحد، سواء هيئة التحرير أو الاتحاد القومى أو الاتحاد الاشتراكى، وقد كانت هذه العبارة الكاشفة كالآتى: «إن الثورة عجزت عن أن تنشئ تنظيمًا شعبيًا يحمى مبادئ الثورة وينتصر لأفكارها ويضمن الاحتفاظ المستقبلى لحلمها المشروع»، كانت هذه العبارة نتيجة طبيعية لتسلط النخبة التى تلحق نفسها دائمًا وأبدًا بأى سلطة، فمع انضمام ما يسمى بالنخبة الشعبوية التى استفادت من الثورة وتريد أن تستمر الاستفادة على المستوى الشخصى وليس على المستوى الجماعى والوطنى. فكان الانضمام الجمعى والشعبوى لهذه التنظيمات الثلاثة من باب أنها تنظيمات الثورة والسلطة فى المقام الأول وبعيدًا عن الانضمام بناءً على رؤية سياسية أو قناعة حزبية أو حتى القيام بدور وطنى جماعى لتحقيق أهداف الثورة.
خلال هذه المسيرة أدركت القيادة السياسية أن الاتحاد الاشتراكى وعضويته، التى وصلت إلى ستة ملايين عضو على مستوى الجمهورية، لن يحقق أهداف الثورة، وكان عمليًا من الصعوبة بما كان أن يتم تنقية هذا التنظيم من هذه العضوية والا ستنقلب على النظام على المستوى الجماهيرى، ولذلك تم الابتعاد عن هذه العضوية وعن تلك النخبة الانتهازية المستغلة، وقد أوضح الميثاق الوطنى، الذى كان بمثابة رؤية سياسية لهذه المرحلة، أن الاتحاد الاشتراكى تنظيم واسع يتقبل كل المواطنين من جميع الاتجاهات. وهنا جاءت فكرة التنظيمات الموازية التى تعتمد على الإعداد والتدريب وتقديم كوادر سياسية على مستوى فكرى وتنظيمى معين غير تلك العضوية التى كانت تُفرض بشكل أمنى وبيروقراطى بعيدًا عن القناعات السياسية أو الوعى السياسى، فتم إنشاء تنظيم شبابى يتم فيه إعداد الشباب للعمل السياسى، وفى عام 1964 شكل زكريا محيى الدين ما يسمى بهيئة السكرتارية المؤقتة والتى تم تشكيلها من كوادر سياسية وثقافية وعلمية من كل الاتجاهات، فضمت هذه السكرتارية كوادر اشتراكية وإسلامية وقومية عربية مع كوادر أبناء ثورة يوليو، ومنهم أحمد كمال أبوالمجد ذو توجه إسلامى، إبراهيم سعد الدين توجه اشتراكى، محمد الخفيف توجه ماركسى، أحمد صادق القشيرى توجه ليبرالى، وحسين كامل بهاء الدين مدرس شاب فى كلية الطب فى وقتها، وقد صنعت هذه السكرتارية البرنامج الفكرى للمنظمة عام 1964، وتم اتخاذ معهد إعداد القادة بحلوان مقرًا لإعداد الرواد «الموجهين السياسيين» وقيادات المحافظات والأقسام الأخرى للشباب ليتخرج الفوج الأول من المنظمة بعد عام واحد فى أكتوبر 1965 من طلاب كلية الاقتصاد والعلوم السياسية.
وفى مايو 1966 تم إعداد 30 ألف شاب من جميع المحافظات، وفى يوليو 1966 نظمت المرحلة الثانية لإعداد المتميزين فى المرحلة الأولى داخل معهد أبوقير بالإسكندرية، وكان عددهم 3 آلاف، ثم مرحلة ثالثة من الإعداد للمتميزين فى المرحلة الثانية حتى اكتمل تشكيل الهيكل التنظيمى لمنظمة الشباب على مستوى الجمهورية، وتم تشكيل اللجنة المركزية للمنظمة على أن يكون لها الاستقلالية الكاملة عن الاتحاد الاشتراكى، مع انضمام أمين الشباب إلى اللجنة المركزية فى الاتحاد الاشتراكى من باب التنسيق فقط. وعليه تقرر تدريب ربع مليون شاب على العمل السياسى والتثقيفى مع ادماج الشباب فى المجتمع من خلال مشروعات خدمية للمجتمع ومن خلال معسكرات العمل لربط الشباب بخدمة مجتمعه وخلق حب العمل العام كبذور للانتماء الوطنى، فكانت هناك لجان لاتخاذ القرارات للتحرك فى صالح الجماهير فى المقام الأول ليكون هناك دور تثقيفى وتنظيمى على أرض الواقع لخلق كوادر وقيادات للتنظيم الأم، وهو الاتحاد الاشتراكى، لذلك كانت هناك كوادر شبابية، عقب نكسة يونيو، رشحت نفسها فى الاتحاد الاشتراكى والنقابات، وأصبح من كوادر المنظمة أساتذة من الجامعات وعمداء كليات مثال على الدين هلال إلى جانب بعض رموز الخارجية مثال الدكتور مصطفى الفقى الذى شغل منصب مدير مكتب رئيس الجمهورية للمعلومات، وأحمد أبوالغيط الذى شغل منصب وزير الخارجية المصرى وأمين عام جامعة الدول العربية، وغيرهم المئات من الكوادر السياسية التى قادت وما زالت تقود العمل العام والسياسى والحزبى بعد تجربة السادات الحزبية ثم مبارك وحتى الآن، سواء كانوا وزراء أو سفراء أو رؤساء بنوك أو مؤسسات عامة.
فكانت تجربة منظمة الشباب تعد الشباب فى هذه المرحلة ما يجعل التراكم طويلًا حتى تصل هذه الكوادر إلى قيادة التنظيم السياسى الأساسى وهو الاتحاد الاشتراكى، فجاءت فكرة إنشاء تنظيم يضم طلائع الاشتراكيين بشكل سرى غير معلن حتى يكون الانضمام إليه بعد دراسة وتروى من قيادة الاتحاد الاشتراكى ومن المنضم بعيدًا عن الظهور أو المصالح الشخصية، فكانت مهمة التنظيم الأساسية قيادة الاتحاد الاشتراكى وزيادة الوعى داخله وانتقاء المتميزين لعضويته حتى يكون تنظيمًا شعبيًا حقيقيًا يحمى مبادئ الثورة وينتصر لأفكارها ويضمن الاحتفاظ المستقبلى لحلمها المشروع، وعقب تشكيل التنظيم الطليعى على شكل مجموعات تشكلت حلقات تقوم بتجنيد الأعضاء المميزين فى مجالات العمل الوطنى المختلفة فى القطاع العام والحكومى والجامعات وغيرها من مؤسسات الدولة، فكان التنظيم على أساس جغرافى على مستوى الجمهورية بشكل عام ونتيجة لهذا التجربة المتميزة وجدنا كوادر المنظمة هم الذين تصدوا لمحاولات الانفتاح الاقتصادى وعملية الصلح مع الكيان الصهيونى والنضال من أجل تحقيق العدل الاجتماعى والحفاظ على استقلال الوطن كمبادئ دائمة لصون الوطن.
كانت هذه تجربة لها ما لها وعليها ما عليها ويجب ألا نتناولها من زاوية أيدولوجية خلافية، لكنها تجربة أثبتت أن النخبة فى عمومها نفعية برجماتية مع أى نظام، وهى تختلف عن النخبة التى تعد كوادرها على أرضية وطنية حقيقية ووعى سياسى يسعى لمصلحة الوطن. ونستكمل فى المقال المقبل بإذن الله.