البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

اقتصاد الغد


إن الاقتصاد الرقمي يفتح فكيه الآن لافتراس كل ما تبقى من العصر الماضى بلا هوادة. إذ لا وقت الآن لغير المعلومات المسجلة على الشبكة. والاقتصاد الرقمى - أو الـ Digital Economy - ببساطة هو تصور ل‍قطاع الأنشطة الاقتصادية ذات الصلة ب‍التقنية الرقمية. ويعتمد أساسًا على تكنولوجيا المعلومات، وتكنولوجيا المعلومات تعنى كل مرحلة من مراحل تصنيع المعلومة، ابتداء من الثقافة والتدريب والتدريس، مرورا بصناعة أجزاء ومكونات الكمبيوتر المادية، انتهاء بصناعة برامج الكمبيوتر أو التى تعتمد على الكمبيوتر بشكل أو آخر. هذا المصطلح بدأ فى الظهور فى الساحات الدولية منذ بضع سنوات لا أكثر. وبدأ العالم مع ذلك فى تجهيز نفسه لهذا العالم الجديد. أطلقوا على هذا الاقتصاد «اقتصاد المعرفة»؛ لأنه يعتمد فى كل مراحل حياته على وفرة المعلومات وسهولة الوصول إليها بل وتداولها.
تبدأ الخطوة الأولى للتجهيز دائمًا بالتشريع، إذ يجب أن يضمن المواطن حقوقه قبل أن يمارس أى نشاط. وجدنا ذلك فى قوانين التجارة الإلكترونية التى ترسخ للاقتصاد الرقمى فى السنوات الأخيرة فى العالم. لكنها بشهادة جلسات الأمم المتحدة ما زالت بحاجة للمزيد من العمل حتى يمكن حماية المواطن من الجرائم الرقمية، وهى حماية لم تتحقق بعد على نحو كافٍ. ولا نغفل هنا كلمات د. محمود محيى الدين نائب رئيس البنك الدولى، عن الدول العربية حول الانخراط فى عصر الاقتصاد الرقمي: «يجب بالاستعداد لعصر الاقتصاد الرقمي بشكل أفضل، ومن خلال عدة خطوات من أبرزها مراجعة منظومة البيانات القومية». يتمتع العالم الآن بمزايا الاقتصاد الرقمى عبر تحويل هذه المتعة إلى متعة مسجلة قانونيًا من خلال ما عُرف بـ «اتفاقيات الاقتصاد الرقمي». بدأت هذه الاتفاقيات على نطاق محلى محدود مثل مبادرة «القيادات النسائية فى السياسات التجارية» في باكستان، والتى مولتها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية من أجل دخول المرأة لعالم التجارة بشقيها الرقمى وغير الرقمي، ثم تطور الأمر إلى إطلاق اتفاقيات دولية تحدد العمل الرقمى بكل جزئياته، ومنها تلك التي تفرض ضرائب على الممارسات الرقمية للتجارة، وأشهرها قوانين فرض ضريبة على إعلانات مواقع التواصل الاجتماعى التى تعمل بعض الدول على وضع قوانين محلية تعمل على تفعيلها الآن. إن كافة اتفاقيات منظمة التجارة العالمية فى المرحلة الأخيرة تندرج تحت الاقتصاد الرقمى بشكل أو بآخر، إذ إنها تخصص ما لا يقل من ثلث بنودها، فى معظم الأحوال، للتجارة والتسويق والاستهلاك الإلكتروني.
إن توصيات فعاليات معرض ومؤتمر القاهرة الدولي للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات Cairo ICT عام ٢٠١٧م، أكدت أن الشركات المصرية تتمتع بمزايا الاقتصاد الرقمي، لكنها كنظيراتها في العالم يحتجن باستمرار للمزيد من التشريعات الملائمة والتحديثات الدائمة للبنية التحتية التكنولوجية. يشير هذا إلى أن التحدى التالى على التشريعات هو البنية التكنولوجية التى تيسر نقل وتبادل المعلومات، وهو أمر صار متاحًا فى معظم دول العالم، إذ ترى الأمم المتحدة ففى عام ٢٠١٧ م، أن ٤.٣ مليون شخص فقط في المناطق الآهلة بالسكان فى العالم، لا يصلهم الإنترنت ولا أى خدمة تتصل به. وهو رقم ضئيل نسبيًا.
يتبقى التحدي الأخير هو التأهيل البشري، ولا شك أن غالبية دول العالم - ومنها مصر- تتجه الآن للاستفادة من الطاقات الشابة التي أثبتت كفاءتها فى مجالات التكنولوجيا المختلفة، والتى تملك القدرة على التكيف بشكل شديد المرونة. يأتى ذلك عبر الاعتماد على برامج تأهيل معتمدة دوليًا ببروتوكولات اتفاق مع المؤسسات الدولية الكبرى.
إن العالم يدعم الآن الاهتمام بالاقتصاد الرقمي أكثر لأنه يفاجئهم بنمو هائل السرعة والامتداد، فنرى أن الاقتصاد الرقمى الأوروبى ينمو سبع مرات أسرع من أي قطاع آخر، إذ إنه يمثل ربع السوق العالمية إلى ألفي مليار يورو. إلا أن أوروبا تعانى بطالة ناشئة عن الاقتصاد الرقمي، حيث ظهر حتى الآن ما يقارب المليون وظيفة شاغرة بسبب جهل الموظفين الموجودين بشركاتها لتقنيات المعلومات، وهو رقم يتزايد للأسف حتى يمكن تدارك المشكلة بشكل حاسم، فحوالي ٣٩٪ من العمالة في أوروبا يعانون نقص المعرفة اللازمة لتقنيات المعلومات.
فى كل الأحوال نحن أمام طفرة اقتصادية ستوحد العالم اقتصاديًا. حين ظهرت اتفاقيات «الجات»، ظن العالم أن الحدود الجغرافية انهارت أمام تبادل عظيم للسلع والمنتجات فى العالم، ومهما كان تصور العالم حينها لهذا الانهيار؛ فإنه لا يقارن بعظم هذا الانهيار أمام الاقتصاد الرقمى الذى ينتظر اكتمال تنظيمه دوليًا وقانونيًا وبشريًا للعالم كوحدة واحدة، وهو ما تم العمل عليه فعلًا منذ فترة وعلى وشك الاكتمال. وما لا شك فيه أننا سنستمتع بمنظومة رقمية كاملة.