البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

العلاقة الزوجية وقت الصيام تشعل الجدل بين الأقباط.. الأنبا بسنتى يثير الأزمة فى 2015.. والمفكرون يعترضون

البوابة نيوز

أسقف حلوان والمعصرة: «إذن» الكنيسة أولًا.. وفى أضيق الحدود
البابا تواضروس: تعبير سامى عن الحب.. والأسرة مصنع للقديسين
القمص مكارى يونان: لا نجاسة فى المسيحية وعدم الطهارة يكون من القلب وليس الجسد
جورج حبيب بباوي: دخول طرف ثالث فى العلاقة «شر عظيم».. ولا محبة بدون حريـة
صليب متى ساويرس: لا تجوز كاتجاه روحى وليس لأنها «دنس»
ماركو جرجس: ما يُقال يشوه «المفهوم الصحيح» فى المسيحية 
القس لوقا راضي: غير مستحب فى فترة الصوم الانقطاعي
مجدى نجيب وهبة: فتوى غريبة وتكشف سلبية فى التفكير 


فى عام 2015، أثار الأنبا بسنتى، أسقف حلوان والمعصرة أزمة للكنيسة، فى برنامج مع الإعلامى طونى خليفة، أكد خلاله أنه لا ممارسة للعلاقات الزوجية خلال فترات الصوم، وأن الكنيسة تعطى «الحِل» أو السماح لبعض الأزواج بأن يمارسوا العلاقات الحميمية فى أضيق حدود وبسماح منها، مضيفًا أن الأمر ممنوع تمامًا، وأن الاستثناءات تُعطى من أجل عدم انحراف الأزواج نتيجة المنع فى الصوم.
ويبدو أن الأنبا بسنتى منذ حينها قد قص شريط الصراع فى الموضوع الشائك، فمع كل صوم تتجدد الأسئلة من الأقباط حول الأمر، فهذا يراه صحيح وذاك يراه خطأ، وآخر يخشى أن يكون صحيحًا، وهو غير مقتنع به، وآخر يطبقه وهو غير راضٍ فيخسر قيمة الصوم، لتفتح «البوابة» ذلك الملف، فى محاولة لإدراك ما يليق وما لا يليق فى ذلك الأمر.
ويرى القمص مكارى يونان، كاهن الكنيسة المرقسية الكبرى، أن المسيحية لا يوجد بها ما يسمى نجاسة، سوى نجاسة القلب، فعدم الطهارة أمر ليس خارجيًا وإنما داخلى فى القلب، فالسيد المسيح قال: «يا ابنى أعطنى قلبك ولتلحظ عيناك طرقي».
وأضاف القمص: «ليكن الزواج مكرمًا عند كل أحد، والمضجع غير نجس، فذلك السر عظيم، ونحن ليس لدينا نجاسة حتى نحرم أبناءنا من ممارسة حقوقهم الطبيعية.
وضرب كاهن الكنيسة المرقسية الكبرى مثالًا بالسيد المسيح، فقد كان لدى اليهود قديمًا أمر الاغتسال فى كل شيء مقدس، وحينما رأوا الكتبة والفرسيون حينها تلاميذه يأكلون دون أن يغتسلوا، هاجوا عليه قائلين: «لم يغتسل تلاميذك قبل الطعام، لقد كسروا الوصية»، ليرد المسيح، قائلًا: «ما فائدة غسل اليد والقلب دنس؟!»، ليربط القمص بين الأمرين مشددًا على أن النجاسة لا تعرف طريقها فى المسيحية.

الحب والحرية
أما الدكتور جورج حبيب بباوى، المفكر فى الشأن القبطى، فقال فى الدراسة التى تحمل عنوان «الصوم، التناول، العلاقات الزوجية»، الصادرة فى أبريل 2014: لا تقوم المسيحية أو تسقط بنصوص القانون الكنسى بل تقوم بالبقاء فى الاستعلان الإلهى المعلن فى يسـوع المسـيح، والثابـت بقـوة وعمـل الروح القـدس، وأن القانون الكنسى منظم للحياة الكنسـية، لكن إن تعـارض مـع التعلـيم العقائـدى الثابـت، فهو يكون قد تجاوز الحدود التى رسمها الإيمان. فما هى هذه الحدود؟
ويضيف «بباوي» أن هناك حدين قد تجاوز بهما الأمر أولهما الطعام ذاته، من المسموح والممنوع فيه خلال الصوم، مشددًا على أن الطعام ليس نجسا، وثانيهما الجسد، ففى أمر العلاقات الزوجية فى الصوم قال، «قـول بولس الرسـول عـمـا وصـله عـن ممارسـات المجتمـع الرومـانى اليونـانى فى كورنثـوس، وهـو الاخـتلاط العـام فى ولائـم الآلهـة والألعـاب الموسـوية: «مـن جهـة الأمـور الـتى كتبـتم لى عنهـا فحسـن للرجـل ألا يمـس امـرأة، لكـن لسـبب الزنا ليكن لكل واحد امرأته ولكل واحدة رجلها» (١كـو ٧:١-٢). 
وأوضح المفكر القبطى أن رد الرسول جاء هكذا، لأنه كانـت الحمامـات الرومانيـة العامـة أشـبه بالمواخير، وكـان العبيـد مـن النسـاء يمارسـن التـدليك، واسـتخدام العطـور للرجـال ولـيس للنسـاء فقـط، وهـذه هـى الخلفيـة التاريخية الـتى قـد لا تظهـر فى شرح رسائل القديس بولس وفسر بعض قادة الكنيسة بأنها للتدخل فى أمر الحياة الزوجية.
وعندما يتكلم الرسول عن العلاقات الزوجية، فهو يقول بكل صراحة حسب النص الإنجيلى، حيث يقول: «ليعرف الرجل المرأة حقها الواجب، كذلك المرأة أيضًا الرجل، ليس للمرأة تسلط على جسدها، بل للرجل، وكذلك ليس للرجل تسلط على جسده، بل للمرأة» (١كو ٧:٣-٤).
والنتيجة لذلك: لا يسلب أحدكم حق الآخر إلا أن يكون على موافقة إلى حين، لكى تتفرغوا للصوم والصلاة، ثم تجتمعوا أيضًا معا لكى لا يجربكم الشيطان بسبب عدم نزاهتكم، وأخيرًا لكن أقول هذا على سبيل الإذن لا على سبيل الأمر»، وذلك مع أنه يقول: «لأنى أريد أن يكون الجميع كما أنا، لكن لكل واحد له موهبتـه الخاصة مـن الله. الواحد هكذا والآخر هكذا» (١كو ٧:٦-٧).
وعن التفرغ للصوم والصلاة فقط، يضيف «بباوي»: فذلك هـو اختيـار حـر بالاتفـاق لا يمكـن أن تتم بواسـطة طـرف ثالـث مهمـا كـان، لأن الامتناع كما يقول ذهبى الفم هو «مصدر شر عظيم، إذا كان هـذا الامتناع زائدًا عن الحد، فالزنى والعهارة تدمران الأسر، وهو نتيجة هذا الامتنـاع، إذا اقـترف رجـل متـزوج الـزنى، فكيـف لا يسـقط إذا امتنعـت زوجتـه. إذا لم يكـن هناك اتفاق، فإن هذا الامتناع فى هذه الحالة من السرقة».
كما أنه لا محبة بلا حرية، فذبيحة المحبـة الـتى تقدم إلى الله على حساب الآخر هى مرذولة تمامًا من الله، ولذلك لا يمكن لقانون مهما كـان قائله أن يـنظم العلاقـة الزوجيـة، فهـى تخضـع لاعتبـارات شخصــية تتوافـق مع نضـوج الذين دخلوا الزيجة عن محبة ومقدار نمو الفهم، والالتصاق بالرب عن حرية وليس عن إرغام. 
واختتم المفكر قائلًا: علينا أن نثبـت فى الحريـة الـتى دعانـا إليهـا المسـيح، ولا نرتبـك بالأعمـال الـتى لـن تزيد النعمة لكنها لن تهدمها أيضًا.

فترة للنسك والاعتكاف
أما القمص المتنيح حديثًا صليب متى ساويرس، كاهن كنيسة مارجرجس الجيوشى بشبرا، وعضو المجلس الملى العام، فأكد فى تصريحات سابقة له، أن ممارسة العلاقة الزوجية أثناء الصيام لا تجوز، مؤكدًا أن فترة الصوم هى فترة للنسك والاعتكاف فيها نمتنع حتى من الأشياء المحللة كالأطعمة المفطرة كنوع من ضبط النفس والجسد وضبط الشهوات والبعد عن اللذة.
وأوضح أن الامتناع عن العلاقة الزوجية ليس لأنها خطيئة أو دنس وإنما تتوقف على الحالة الروحية للزوج والزوجة، والقدرة على ضبط النفس والشهوات، مضيفًا أن الكنيسة لا تسمح بممارسة العلاقة الزوجية أثناء الصوم إلا فى ظروف قهرية، كسفر الزوج وعودته أثناء فترة الصوم على أن يكون ذلك بالاتفاق مع أب الاعتراف بخبرته الروحية الكبيرة.
ولفت القمص إلى ضرورة الامتناع عن المعاشرة الزوجية ليلة القداس وقبل التناول، موضحًا أنه لا بد من شرط الطهارة والاستحمام قبل دخول الكنيسة والتناول باعتبار سر الافخارستيا «التناول» من الأسرار الكنيسة المقدسة، كما يمتنع الزوجين عن ممارسة العلاقة الزوجية أيضًا فى أسبوع الآلام من الصوم الكبير، تحديدًا منذ بدايته بيوم أحد الشعانين وحتى ختامه بيوم عيد القيامة.

العلاقة الزوجية مقدسة
أما ماركو جرجس، الخبير فى الشأن المسيحى، فيشدد على أن ما يقال فى هذا الأمر يسيئ للمسيحية ويشوه المفهوم الصحيح للأمر، فنحن لا نأخذ إذنا من أحد كى نمارس حياتنا الزوجية كما نحب، موضحًا أن الاستناد لآيات بولس الرسوم فى الأمر لم يكن صحيحًا، فالقديس كان يشير لأهمية وجود فترات للصوم عن العلاقة ذاتها بين الأزواج، وأنه لم يكن يقصد الصوم بحسب ترتيب الكنيسة الحالى، متعجبًا: «معنى ذلك بأن المتزوجين سيصومون عن علاقاتهم طيلة مدة الأصوام بالكنيسة؟».
وأوضح «جرجس» أن حقائق العلاقة الزوجية فى المفهوم المسيحى، تتركز فى 8 بنود هى أن العلاقة الحميمية فى الزواج المسيحى مقدسة من الله 100%، وغير دنسة أو بها اى شيء يؤنب الانسان او يجعله منفصل عن الله بسبب العلاقة، مستشهدا بالأية التى تقول «لِيَكُنِ الزِّوَاجُ مُكَرَّمًا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ، وَالْمَضْجَعُ غَيْرَ نَجِسٍ (عبرانيين 13)». وأن ما يشاع عند الكثير انه لا يصح ان نضع صور روحية فى غرفة النوم، أو حتى نصلى ونعبد بعد هذه العلاقة هو مفهوم خاطئ تماما.
وأن العلاقة الحميمية فى المفهوم المسيحى هى علاقة حب «عطاء»، وليس علاقة شهوة «أخذ»، وإذا لم يحدث ذلك تتشوه العلاقة، وذلك حسب قول الكتاب «لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ تَسَلُّطٌ عَلَى جَسَدِهَا، بَلْ لِلرَّجُلِ. وَكَذلِكَ الرَّجُلُ أَيْضًا لَيْسَ لَهُ تَسَلُّطٌ عَلَى جَسَدِهِ، بَلْ لِلْمَرْأَةِ. (1كورنثوس 7)».
والعلاقة الجسدية بحسب المفهوم المسيحى، والكلام ما زال لـ«جرجس»، هى أعظم وأرقى من مجرد إشباع للذة، بل فيها يجتهد الزوجان ليكونا جسدًا واحدًا، ويتحدوا فى الروح والنفس والكيان لذلك فى المسيحية ليس هناك غير زواج واحد وزوجة واحدة، لأنه ليس مجرد علاقة لذة وشبع بل وحدانية ورباط سرى مع الآخر، «مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. أفسس 5».
ويجب أن تكون الممارسة باتزان ونزاهة ورصانة وموافقة بين الطرفين، كما قال الإنجيل «لاَ يَسْلِبْ أَحَدُكُمُ الآخَرَ (1كورنثوس 7)».
ويتابع «جرجس»: هناك أوقات امتناع وصوم يجب ان يكون بناء على اتفاق بين الطرفين، ليس لأى شيء عن الحرام والحلال، وإنما لغرض ضبط النفس والتركيز فى أهداف الحياة وعدم السقوط فى الشهوات والادمان الجنسى والسلوكيات الخاطئة دون أن يدروا، لذلك قال بولس «تَتَفَرَّغُوا لِلصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ ثُمَّ تَجْتَمِعُوا أَيْضًا مَعًا لِكَيْ لاَ يُجَرِّبَكُمُ الشَّيْطَانُ لِسَبَبِ عَدَمِ (ضبط النفس).
ويضيف: لم يذكر فى كل الإنجيل أن للكنيسة أو رسل الكنيسة أى سلطة أو تدخل فى ذلك، بل هذا هو إرشاد شخصى للبنيان يرتبه الزوجان نفسهم حسب ترتيب حياتهم، وحسب قدر استطاعتهم وقدر روحانياتهم، وقصد بولس من الامتناع ليس الكبت بل أن تكون هناك فترات صوم وصلاة شخصية للزوجان من أجل البنيان، ولم تكن هناك فترات للصوم فى الكنيسة طويلة ومرتبة كأيامنا هذه، فلذلك الامتناع عن العلاقة الزوجية فى كل صوم حسب ترتيب الكنيسة فلذلك سيمتنع الأزواج تقريبًا أكثر من نصف السنة، وهذا أمر غير طبيعى وغير منطقى، لكن فترات الصوم والامتناع يجب أن تكون منظمة حتى فى فترات عدم الصوم الكنسى.
ويؤكد ماركو جرجس أن أهم وأعمق نقطة، تتمثل فى أن قصد الله فى المسيحية دائمًا هو الوحدانية والاتحاد، الاتحاد بالإنسان، واتحاد الكنيسة به واتحاد الكنيسة مع بعضها واتحاد الزوج مع زوجته، لذلك من أعمق وأرقى وأهم نقاط العلاقة الزوجية هو تحقيق واستكمال هذه الوحدانية، لكى تتحقق الوحدانية فى حياة الإنسان فى جميع تواصلاته، مع الله ومع الكنيسة ومع زوجته، فغرض الله دائمًا، وكان هذا هدف من أهداف تجسده إلا تكون المحبة مجرد محبة عادية، بل محبة تصل إلى حد الاتحاد والالتصاق.

سر من أسرار الكنيسة المقدسة
فيما قال القس لوقا راضى، راعى كنيسة يوحنا المعمدان بالقوصية بأسيوط، إن الكنيسة لا تمنع إقامة العلاقات الزوجية ولا تحرمها، فالزواج سر من أسرار الكنيسة المقدسة، له كامل بركته وقدسيته، وللزوجين الحق فى ممارسة العلاقة فالزواج طاهر، والمضجع غير دنس، كما جاء فى رسالة بولس الرسول، لكن لا يستحب إقامة العلاقة فى فترة الصوم الانقطاعى، وهى الفترة التى يحددها الشخص على حسب قدرته على الصوم، وإذا كان مريض فالطبيب يحدد فترة الصوم بالاتفاق مع الكنيسة والشخص.
وأضاف «راضي» أنه لا يوجد فى المسيحية حرام وحلال لكن يوجد لدينا يليق ولا يليق، وإقامة علاقة فى الصوم غير مفضلة، موضحًا أن الصوم الكبير سمى بهذا الاسم، مدته 55 يومًا، وكبير من حيث إعلائه لقيمة النمو الروحى على طلبات الجسد، وكبير أيضًا من حيث إنه من الأعياد السيدية وبه نحتفل بأحد الشعانين خميس العهد جمعة الآلام، وينتهى بالقيامة عيد الأعياد».
ويرى مجدى نجيب وهبة، المفكر فى الشأن القبطى، أن الأمر يعد «فتوى شاذة»، ولا يصح أن تطرح مثل تلك الأطروحات، فكيف أذهب لكاهن كى آخذ منه موافقة على السماح لى كزوج بالعلاقة الزوجية بينى وبين زوجتى.
وأضاف «وهبة»، أن مثل تلك التصريحات تقلل من قيمة قائلها، وبها تكشف جزءًا سلبيًا فى تفكير بعض المسئولين فى الكنيسة، وهو أمر غير صحيح ومرفوض بالمرة.

مصنع القديسين
وأمام الأمر، فتح البابا تواضروس الحوار والعظات كثيرًا للحديث على أمور كثيرة تخص الحياة الزوجية بين الزوجين، إلا أنه لم يتطرق ولا مرة للحدث عن تلك النقطة، حيث قال فى إحدى عظاته خلال أصوام الكنيسة، أن الأسرة هى مصنع للقديسين، وهى تبدأ من عند المسيح وتستمر وتعيش من أجل المسيح.
وأشار البابا إلى أن البيت الذى لا يوجد فيه المسيح كأنه جسد بلا روح، تنشأ فيه المشكلات، ولو أهمل البيت وجود المسيح فدخلته المشاكل، مشددًا على أن الجنس فى العلاقة الزوجية هو التعبير السامى عن الحب، لكنه لم يذكر أى شىء آخر.