البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

الهروب إلى الحب


عندما يتوارى الجمال خلف القبح، وتختل معايير الحكم على سلوكيات المجتمع، وتعم فوضى الأخلاق، وتشعر أنك تحارب طواحين الهواء.. عليك بالهروب إلى تلك المنطقة التى يستريح فيها البدن، وتأنس بناسها النفس، وتسمو فيها الروح وتعلو القيم، إنها المنطقة التى لا تحتمل سوى لون واحد، فلا رمادية فيها ولا سواد، منطقة يحكمها دستور مختلف، أهم مواده الأخلاق والإنسانية والصدق والاحترام والرحمة والتفانى والإيثار. النظرة فى تلك المنطقة قد تكون اللغة الأولى، والإيماءة قد تكون فرطا فى الحركة، والصمت قد يخفى ثورة ما أحوجنا إليها، إنها منطقة الحب التى تستحق منا نزوحًا جماعيًا.
فى إطار سعيها للقضاء على العشوائيات.. تسعى الدولة متمثلة فى وزارة الثقافة لتخليق مناطق من هذه النوعية، ينزح إليها كل من أعياه هذا الواقع المتلاحقة فيه أمواج الزيف والنفاق والأنانية والسادية، ذهبت إلى واحدة من هذه المناطق لأفتش فى الماضى عن مدد يعيننى على الحاضر، وجدت ضالتى فى مسرح البالون، حيث مسرحية (سيرة الحب) لزميلنا الكاتب أيمن الحكيم الذى جعل من نفسه حارسًا على تراث السابقين، فظل محتفظًا بتلك المنطقة التى نهرب إليها، العرض يتناول مشوار حياة الموسيقار بليغ حمدي، من خلال فترة زمنية لا تتعدى خمس سنوات، وهى الفترة التى قضاها فى فرنسا هروبًا من حكم يلاحقه بعد اتهامه بقتل المطربة المغربية سميرة مليان، وعلى طريقة (الفلاش باك) استطاع أيمن الحكيم أن يمر سريعًا على أبرز المحطات فى حياة بليغ حمدي، أضفى إليها المخرج المبدع عادل عبده باستعراضاته وخدعه البصرية وتوظيفه لمشاهد حقيقية للموسيقار الراحل ما أشعرنا أننا أمام خلطة فنيه فيها من المسرح والسينما والفن التشكيلى ما يؤجج المشاعر ويريح النفس.
ومن خلال مجموعة من الفنانين يتقدمهم إيهاب فهمى ومجدى صبحي، ومطربون يتقدمهم مروة ناجي، أخذنا المؤلف والمخرج إلى زمن علت فيه قيمة الفن، وقدمت نموذجًا لمنافسة تحكمها الأخلاق، شاهدنا أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ ومحمد رشدى وعبدالرحمن الأبنودى ورياض السنباطى والنقشبندي، وعشنا بعضا من تفاصيل حكاية الحب التى جمعت بين بليغ حمدى ووردة وأثمرت زواجًا، وشاهدنا نموذج الفنان المهموم بوطنه الذى ينكسر مع انكساره، ويهلل مع انتصاره، نموذجًا ساقه المؤلف ربما لمقارنة يرغب فى طرحها، ليؤكد الفارق الكبير بين فنان يهب ماله ووقته وفنه للوطن، وآخر يضن بوقته وفنه ويهرب بماله بعيدًا عن الوطن.
قد يحتاج (سيرة الحب) لناقد متخصص للوقوف على جمالياته ونواقصه، لكنه منطقة آمنة لأمثالى الهاربين من قبح تفشى وحب لوثته المصالح، وغناء دنسه دخلاء بأصواتهم وأشعار دون المستوى أقحمها أثرياء بأموالهم، وفنانون باعوا أنفسهم لمن يدفع أكثر، وسياسيون علت منافعهم على منافع الوطن، فى سيرة الحب.. تعلو قيمة الإنسانية والصداقة والمحبة والوطنية واحترام الكبير واحتضان الصغير، هو هروب من واقع مرير إلى ماض جميل.