البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

عام قادم بين التغييرات والمراجعات


طقوس وداع عام واستقبال آخر غالبا ما تصاحبها لحظة مراجعة ورصد لمؤشرات المستقبل فى إطار الأحداث الماضية.. التحولات الحادة التى شهدها العام الماضى عالميا وعربيا لم تعد تحتمل السلبية والاستكانة، هذا بالإضافة إلى نتائج التحديات التى عاشتها مصر خلال الأعوام الماضية وهى تحاول الخروج من نفق تراكم أزمات اقتصادية وتحولات سياسية غير مدروسة حتى استعادت الدولة صلابتها نتيجة المواقف الحكيمة لمؤسسة الجيش الوطنية، ثم الوعى السياسى الذى أدار به الرئيس السيسى العبور من أخطر المراحل التى عرفها تاريخ مصر المعاصر.
مصريا.. أبرز الإشكاليات التى تستمر فى فرض نفسها كأولوية مستقبلا هى بناء وتحفيز الوعى العام. الشارع المصرى أثبت بكل الدلائل أن الخلل لا يكمن فى خلق أرضية وعى عام، لأن بذورها كامنة ضمن نسيج طبيعة الفرد العادى الذى تفجر إبداع وعيه وهو يستعيد بلده من «ميليشيات حسن البنا» بعدما صور لها الوهم أنها قادرة على إضافة مصر إلى قائمة دول المنطقة المشتعلة بالاقتتال والفوضى. الثغرة التى ما زالت تهدد حالة الوعى العام اعتماد نهج التهوين والسلبية الذى أثبت فشله المطلق كمبدأ راسخ منذ عقود. ليس من باب المبالغة، فى ظل التحولات الدولية والتحديات التى تواجهها المنطقة العربية مراجعة ضوابط الوعى العام فى مصر من مجرد لحظة استنفار شعبى نتيجة الإحساس بالأزمة إلى نمط حياة، إذ لم يعد المنطق يحتمل مع تكرار صفة «المتكامل» فى كل خطابات الرئيس السيسى عن مشاربع التنمية وإصلاح البنية التحتية التى تم إنجازها، أن نبقى أسرى المثل العقيم «احيينى النهارده.. وموتنى بكره» متجاهلين أو ساخرين من تنمية وعى المواطن، أو أن تُقابل الحملات المواكبة لبناء الفرد سواء اجتماعيا أو صحيا بالاستخفاف. 
بين التعريفات العديدة التى حددها الفلاسفة وعلماء الاجتماع لحالة الوعى العام، يظهر تعريف كارل ماركس- بصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع فكره- الذى يرى أن وعى الناس ليس بالضرورة أن يشكل وجودهم الاجتماعي.. وإنما العكس، بمعنى أن وجودهم الاجتماعى هو الذى يحدد وعيهم. المشاريع المختلفة فى مجال الإسكان والقضاء على العشوائيات حققت لشرائح عديدة واقعا اجتماعيا أفضل.. فى المقابل، يظهر دور المواطن فى مراجعة تحديد وعيه.. فالتغيير الحقيقى لن يصبح واقعا بدون دوره.. ولا جدوى من نقل سكان العشوائيات إلى أحياء لائقة - وهو حق مشروع لهم - دون أن يتجرد المواطن من عشوائية الوعي.. لتقترن تنمية البناء وتوفير واقع اجتماعى أفضل بتنمية المواطن.
آراء متخصصة عديدة تناولت إشكالية افتقاد خطوط التفاعل بين المواطن وما يتحقق من إنجازات فى مسيرة التنمية، وهو أمر بديهى بدون خطة شاملة لنشر الوعى العام وبناء الفرد صحيا، ثقافيا، تعليميا ودينيا؛ حتى لا يظل التواصل مفقودا بين الإدارة السياسية والفرد العادي. الأزمات الجادة مثل الانفجار السكانى الذى يدق أجراس الخطر فى مصر أو أمراض سوء التغذية والسمنة التى تهدد أجيالها القادمة، لا تستحق مقابلتها بالتهوين والاستخفاف، ولا غض الطرف عن ارتباطها المباشر بكل مقومات البناء الذى أعاد صلابة الدولة على الصعيد الداخلى واستعادة دورها المؤثر دوليا وعربيا على صعيد السياسة الخارجية فى توقيت تنذِر توقعاته للعام الجديد بالمزيد من تصاعد وتيرة الملفات الشائكة سواء فى أمريكا، أوروبا أو المنطقة العربية.
المؤكد هناك أزمات ومطالب مشروعة من الحكومةعلى الصعيد الداخلي.. لكن فى المقابل لا يُعقل التعامل مع استمرار يقظة الوعى العام على أنها «شارع ذو اتجاه واحد» تقتصر مسئوليته على الحكومة.. وهو الدرس الذى استوعبته وتقبلته الشعوب التى تعرضت عبر تاريخها لأعباء بناء دولها وتحقيق التنمية الشاملة التى يحتل وعى المواطن دورا أساسيا فى اكتمالها كمنظومة.. إذ لا يذكر التاريخ سابقة لشعب قادته حكومة بلاده من يديه نحو التنمية، بينما يكتفى هو بدور المتفرج السلبى دون المشاركة فى بناء وعيه العقلى والبدني.
على صعيد الشأن الخارجي.. تُرجِح المؤشرات أن العالم سوف يتجه نحو المزيد من عدم الاستقرار.. وهو ما يفرض العديد من التحديات التى سيكون على مصر التعامل معها.. أبرز هذه الملفات تزايد صراعات المصالح الاقتصادية والسياسية بين القوى الكبرى. أمريكا، روسيا، الصين.. المؤكد أن المنطقة العربية تمثل «كعكة» مصالح لا يستهان بها فى صراع هذه القوى. أمريكا وأوروبا تشعر فى قرارة نفسها أن الصراعات والفوضى التى ما زالت تخيم على مجموعة دول عربية أصبحت غير قابلة للإصلاح، ما سيؤثر سلبا على مساندة حلفائها وأصدقائها فى حروبهم ضد إرهاب استغل الفراغ الذى خلفته مغامرات التدخل العسكرى الأمريكى والأوروبى فى المنطقة.. خصوصا أن العرب سيجدون أنفسهم فى العام القادم أمام نسخة «أوروبية» جديدة متمردة على أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية.. دول تضييق بالمهاجرين وتسعى كل منها إلى الانزواء داخل حدودها الجغرافية مع اكتساب اليمين المتطرف أرضا جديدة كل يوم.
بارقة الأمل العربية الوحيدة تكمن فى صيغة سياسية متوازنة تواكب هذه التغييرات، لا تعتمد نهج التحرك المنفرد لكل دولة.. تحديدا مع وجود تنسيق يصل إلى درجة التحالف بين القوى العربية المؤثرة مثل مصر،السعودية،الإمارات،الكويت، البحرين والأردن وغيرها.