البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

ما يحتاجه المسرح من وزيرة الثقافة


نشاط غير مسبوق تقوم به الدكتورة إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة المصرية، فى متابعة العروض المسرحية التى يقدمها البيت الفنى للمسرح، وهو نشاط تُحمد عليه، فلم نرَ من قبل هذا الاهتمام بمشاهدة عروض المسرح من الوزراء السابقين، بل وصل الأمر لتدخلها لحل المشاكل والخلافات بين ممثلى المسرح خلال الفترة الماضية، وهذا أيضًا تُحمد عليه، إلا أنه رغم كل هذه الزيارات المسرحية من أعلى كينونة ثقافية فى مصر، لا تسمن ولا تغني من جوع، فإشكاليات المسرح المصرى وفنانيه لا ولن تحل بحضور وزيرة الثقافة للعروض المسرحية فقط، والمشاكل والخلافات بين الفنانين لا يتدخل فيها وزير الثقافة شخصيًا بل تُترك لمديرى المسارح وغيره من المسئولين لحلها، أو على الأقل لأصحاب الحل والعقد، من أهل الخير، فى كل عرض.
وقد شجعنا هذا الاهتمام المسرحى من وزيرة الثقافة، للهمس فى أذنيها ببعض مشاكل المسرحيين بالبيت الفنى للمسرح وما يعانونه من عوز وتهميش، فمهما على شأن الدراما السينمائية والتليفزيونية، يظل المسرح أب الفنون وسيدها، ويظل المسرح الأقرب والأكثر تأثيرًا فى المتفرج، والأكثر إغراءً فى التمثيل للفنان.
وعلى الرغم من أهمية المسرح التى لا تحتاج شرحًا أو توضيحًا، إلا أن مسرح الدولة يعانى كثيرًا، فبعد أن كان المسرح مفرخة النجوم أصبح طاردًا للنجوم، إلا ما رحم ربى من كبار الفنانين مثل يحيى الفخرانى وغيره، وإن أردنا الحقيقة ومواجهة الأزمة لحلها، سنجد أن هؤلاء النجوم لديهم ما يبرر هروبهم من المسرح، فكيف لفنان يتقاضى الملايين فى الأعمال السينمائية والتليفزيونية التى يتهافت الجمهور ويتشاجر من أجل مشاهدتها أن يذهب لتقديم عمل مسرحى لا يشاهده إلا العشرات، وفى أفضل الأحوال المئات؟! فى ظل غياب تام لقسم التسويق والدعاية فى البيت الفنى للمسرح، فلا يوجد أثر فعلى لما يسمى بالدعاية والتسويق، ولا توجد دعاية وتسويق تتم للعروض إلا من خلال العاملين فى العروض أو بعض الإداريين من كل فرقة من الفرق المسرحية المختلفة، وهو ما يترتب عليه ضعف الإقبال الجماهيرى نتيجة عدم معرفة الجمهور بوجود عروض مسرحية، فأين إعلانات القنوات التليفزيونية التى كانت فى تسعينيات القرن الماضي؟! أين القنوات التليفزيونية التى كانت تقوم بتسجيل هذه الأعمال وعرضها من خلال شاشتها؟! 
كما أنه كيف لفنان يتقاضى الملايين أن يذهب إلى المسرح ليتقاضى بضعة آلاف؟! فى حين أن المجهود المبذول فى المسرح أكبر من المجهود المبذول فى السينما والتليفزيون، كما أن الوقت الذى يستغرقه العرض من بروفات وعروض يكاد يكون أضعاف الوقت الذى يحتاجه تصوير فيلم أو مسلسل، والطامة الكبرى هنا سيدتى ليست فى أجور النجوم الكبار الذين يتقاضون الملايين، فهؤلاء قد يكون لديهم ما يكفيهم من العوز فيكون عمله المسرحى بمثابة الترفيه أو ورشة لتدريب أدواته التمثيلية، لكن فنانى المسرح من الموظفين الخاضعين للوائح وقوانين الوزارة والبيت الفنى للمسرح فليس لديهم ما يكفيهم شر العوز، وأجورهم المسرحية لا تكفيهم لتناول العيش «الحاف». فهل تعلمين سيدتى أن أجر الفنان الثالث بالبيت الفنى للمسرح مقابل تقديم ثلاثين ليلة عرض مسرحى «٣٠٠٠ جنيه»، يتم خصم الضرائب ورسوم نقابة المهن التمثيلية وغيرها من الخصومات لتصل إلى ٢٠٠٠ جنيه وبعض الجنيهات؟ وقد تستغرق بروفات العرض الواحد أكثر من ثلاثة أو أربعة أشهر، على الأقل، يتقاضى مقابلها الفنان ٤٥٠ جنيهًا. هل تعلمين سيدتى أن أجر الفنان القدير، الذى بلغ من العمر عتيًا، يتخطى الـ١٠٠٠٠ ألف جنيه ببضعة جنيهات، وينطبق عليه نفس فترة البروفات بنفس المقابل ونفس الخصومات، فأين الكادر الخاص للفنان؟! أليس من حق الفنان الذى يشكل وجدان الأمة أن يكون له كادر خاص يقيه شر الأيام حتى يستطيع أن يُبدع؟!.
سيادة الوزيرة أجور فنانى البيت الفنى للمسرح تم وضعها منذ ما يقرب من العقدين، وأنت تعلمين ما حدث فى مصر من تطورات وزيادة أسعار لا تتناسب مع أجور الفنانين، فكيف لفنان يعى دور المسرح الثقافى والاجتماعى، ويعشق خشبة المسرح، أن يقدم عروضًا مسرحية تأخذ معظم وقته، وفى المقابل يتقاضى هذه الأجور المتدنية؟! إبداع الفنان يبدأ من ارتياحه النفسى واطمئنانه على مستقبله الشخصى ثم مستقبل بلاده، فكيف لفنان أن يُبدع ويقدم عروضًا ذات قيمة، وهو لا يعلم من أين يعيش، ومن أين سيتم تعويضه عن هذا التعب المسرحي؟!
سيادة الوزيرة، مصير مسرح الدولة وكفاف فنانيه للعيش حياة كريمة بيدكم، فهل من مجيب؟