البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

صوم الميلاد.. رُقـــــــــي روحــــــــي

قداس عيد الميلاد
قداس عيد الميلاد

43 يوما مدة الامتناع عن تناول اللحوم حتى ليلة الاحتفال بليلة عيد الميلاد 
السمك مسموح فى «صوم الدرجة الثانية» للأرثوذكس
الأب متى المسكين: الصوم هو تحويل الطاقة الجسدية إلى روحانية
«الكاثوليكية» اشتركت مع «الأرثوذكسية» فى «الطقوس» حتى 1898
فرح وحرية عند الروم الأرثوذكس 

يبدأ غدًا الأحد، صوم الميلاد المجيد، ولمدة 43 يومًا، تمهيدًا للاحتفال بعيد الميلاد المجيد 7 يناير 2019، طبقًا للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، فيما تحتفل الكنيسة الكاثوليكية حول العالم بالميلاد فى 25 من شهر ديسمبر المقبل بعد فترة صوم 15 يومًا فقط من 9 حتى 25 ديسمبر، وتحتفل معها أيضًا كنيسة الروم الأرثوذكس لكن بعد فترة صوم مدته 40 يومًا. 
وبالنسبة للكنيسة القبطية الأرثوذكسية فيبلغ عدد أيام صومها حوالى 210 أيام على مدار العام، والأرثوذكسية هى أكثر الكنائس تمسكًا بالصوم، ونظرًا لطول فترة الصيام، والممتدة لما يزيد على نصف أيام السنة، سُمح بأكل السمك فى بعض الأصوام من الدرجة الثانية والتى منها صوم الميلاد، تخفيفًا على الناس من طول فترة الصوم. 
السمك مسموح فى «صوم الدرجة الثانية»
الأنبا متاؤس: طعام البركة والقيامة ورمز الحياة.. والمسيح لم يأكل اللحوم
قسَّمت الكنيسة الأرثوذكسية الأصوام إلى قسمين، وهما أصوام من الدرجة الأولى وهى التى لا يجوز فيها أكل السمك، مثل الصوم الكبير، ومدته 55 يومًا، وهذا موعده متغير حسب موعد عيد القيامة.
ومثل صوم يومى الأربعاء والجمعة، ومدته يومان أسبوعيًا، ما عدا فترة الخمسين المقدسة (خمسين يومًا بعد عيد القيامة) وعيدى الميلاد والغطاس، وكذلك صوم نينوى، ومدته ثلاثة أيام، ويسبق الصوم الكبير بأسبوعين، وصوم برامون الميلاد، ومدته: من يوم إلى ثلاثة أيام، ويأتى قبل عيد الميلاد مباشرة، وصوم برامون الغطاس، ومدته من يوم إلى ثلاثة أيام، ويأتى قبل عيد الغطاس مباشر.
أما الأصوام من الدرجة الثانية، فهى التى يجوز فيها أكل السمك، وهى صوم الميلاد، ومدته 43 يومًا وهو ثابت من 25 نوفمبر حتى 6 يناير، وصوم الرسل، ومدته متغيرة، وموعده من اليوم التالى لعيد العنصرة، وصوم العذراء، ومدته 15 يومًا من 7 أغسطس حتى 22 من نفس الشهر.
ويلخص الأنبا متاؤس، أسقف ورئيس دير السريان، أسباب أكل السمك فى أصوام الدرجة الثانية فى النقاط التالية، لأنه طعام البركة، والتى تتمثل فى معجزة الخمس خبزات والسمكتين، وهناك معجزات أخرى لها علاقة بالسمك، مثل معجزة صيد السمك مع بطرس.
ويضيف الأنبا متاؤس: وكذلك لأنه طعام القيامة: «فَنَاوَلُوهُ جُزْءًا مِنْ سَمَكٍ مَشْوِيٍّ، وَشَيْئًا مِنْ شَهْدِ عَسَل فأخذ وأكلَ قُدّامهم»، كما أن السيد المسيح نفسه ذكر عنه أنه أكل سمكا مرات عديدة ولم يذكر عنه أنه أكل لحوما أخرى.
كما أن السمك رمز الحياة؛ إذ يبقى حيًا وسط لُجَج البحر الهائجة، ولا يأخذ من الماء الكثير إلا احتياجه.
وكانت السمكة علامة للمسيحيين ليعرفوا بعضهم فى القرون الأولى، وما زالت علامة مجلس كنائس الشرق الأوسط حتى الآن، ونرى كثيرا من الصور للسيد المسيح وبها سمكة، والسمك من ذوات الدم البارد، الذى لا يُحِدث فى الإنسان ثورات الغضب وغيرها، وذلك لأن لحمه خفيف جدًا على عكس اللحوم الأخرى. 
الأب متى المسكين: الصوم هو تحويل الطاقة الجسدية إلى روحانية
محاولة للحياة بدون أكل.. ولا علاقة له بالإحساس بالفقراء أو جعل الإنسان متواضعًا
عرف الأب الراهب متى المسكين، الصوم بأنه لا علاقة له بصحة للجسد، أو الإحساس بالفقراء، أو لجعل الإنسان متواضعا، وكأننا نبحث عن منافع الصوم من أجل هذه الحياة، إطلاقًا فالصوم تعريفه البسيط حسب الواقع: «هو محاولة الحياة بدون أكل»، وهذا يرمز للملكوت والحياة الأبدية. 
فالصوم يعنى «استعلان جزئي» بحسب الفكر، أما بحسب الحياة الروحية والخبرة فهو «تجلي»، فيه الإنسان كمخلوق يتجلى ويستطيع أن يحيا بدون طعام.
وفى الحقيقة الصوم هو تعبير إلهي، لكنه يفسر بتعبيرات مادية ميتة ضعيفة لا تساوى قيمته للأسف.
فعندما صام السيد المسيح 40 يوما بدون أكل أو شرب، أراد أن يُرينا صورة التجلى لصورة الجسد الذى يحيا للملكوت، وبالتالى الصوم هو إعداد أو نقلة لحياة أخرى أفضل وأعلى وهى الملكوت، فمن الممكن للإنسان أن يعيش لله بدون أكل ولو فترة، خلالها يستطيع أن يستجلى كيان الإنسان من الداخل، لأننا فعلًا مخلوقون لنحيا بدون طعام، فإحدى الصور المبدعة للصوم أنه تجربة كيانية داخلية فيها نتحسس داخلنا إمكانية قضاء الساعات الطويلة بدون طعام وإشغال الجسد بالطعام، لكى ما نرتفع كيانيًا بالعقل.
ويتابع «المسكين»: إن الصوم فى الكنيسة الأرثوذكسية محور كل عبادة فردية أو جماعية، أما بالنسبة للفرد فالآباء قالوا: «إذا أردت أن تنجح فى أى فضيلة روحانية فابدأ جهادك بالصوم»؛ لأن الصوم هو أول وأقوى عمل لتحويل الطاقة الجسدية إلى طاقة روحانية، لذلك أصبح الوسيلة الفعَّالة والناجعة لتزكية كل سيرة روحانية، فبقدر ما يعتاد الإنسان الصوم، بقدر ما تستقر نفسه فى علاقتها مع الله وتنكشف أمامه أسرار الحياة..
والكنيسة الأرثوذكسية فى تحديدها لمواسم الصوم ومدَّته اعتمدت على أمرين أساسيين:
الأول: المناسبة التى أوحت إليها الصوم فى حد ذاتها.
الثاني: حاجة الكنيسة دائمًا وباستمرار إلى الصوم فى حد ذاته. 
وهذان الأمران هما فى حقيقتهما دافعان عظيمان ومهمان جدًّا للصوم يحويان جوهر العبادة كله، أما المناسبة التى أوحت بالصوم للكنيسة، فهى دائمًا نابعة من سر الخلاص الذى أكمله لنا المسيح، وهى إما ميلاده أو موته أو قيامته، أو حلول الروح القدس وبدء كرازة الرسل باسمه فى العالم كله، أو تقييم الدور الذى أكملته العذراء القديسة مريم فى قبولها سر الخلاص الإلهى الذى كان مخفيًا فيها والشهادة له حتى يوم الخمسين إلى أن حلّ الروح القدس واضطلع هو بالشهادة من بعدها إلى نهاية الزمن. 
والعلاقة التى تربط كلاًّ من هذه المناسبات بالصوم وتحتِّمه، هى علاقة روحية سرية غاية فى الأهمية، إذ يستحيل أن ندخل مثلًا فى سر الميلاد الذى هو استعلان الله فى الجسد الإنساني، إذا لم نسمُ بأفكارنا وحواسنا الجسدية إلى مستوى إلهي. وقد قلنا سابقًا إن الصوم هو الوسيلة العُظمى لتحويل الطاقة الجسدية فكريًا وعاطفيًا إلى طاقة روحانية. إذن، فلا مناص من الصوم إن كنا نريد أن نستعلن روحيًا سر الخلاص القائم والمُعلَن فى ميلاد المسيح. 
فالكنيسة حددت صوم الميلاد لتهيِّئ لكل فرد المستوى الروحى الذى يستطيع من خلاله قبول سر الخلاص القائم والمُعلَن فى ميلاد المسيح، لأنه يستحيل على الإنسان الطبيعى المنغمس فى الأكل والشرب والملاهى أن يقبل هذا السر الفائق للطبيعة وغير المعقول حتى لدى الحكماء جدًّا. لذلك إذا لم يرتفع الإنسان إلى ما فوق الطبيعة بكل كيانه الجسدى والنفسى (بالصوم) حتى يتهيَّأ العقل للتفكير، مجرد التفكير فى إمكانية التجسُّد وضرورته، فلن يستطيع أن يدرك هذا السر: «ولكن الإنسان الطبيعى لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة، ولا يقدر أن يعرفه لأنه إنما يُحكَم فيه روحيًا، وأما الروحى فيحكم فى كل شيء وهو لا يُحكم فيه من أحد» (1كو 2: 15،14). 


راعى «السيدة العذراء» بطهطا: الاحتفال بالميلاد كعيد مستقل بدأ فى القرن الرابع الميلادي
ترى الكنيسة الكاثوليكية أن انقطاع ميلاد يسوع كانت مدته 40 يومًا من يوم 16 هاتور إلى يوم 29 كيهك، وفى الصوم من الأفضل أن يتبع الفرد هذا النظام، إلا أنه تم تقليله وصار 15 يومًا من يوم 13 كيهك إلى يوم 29 منه عيد الميلاد المجيد.
وكان آخر ما طرأ على نظام الصوم فى الكنيسة القبطية الكاثوليكية من تعديل، هو قرار برئاسة البطريرك إسطفانوس الثانى فى فبراير 1987 والذى نص على أن تكون مدة صوم الميلاد خمسة عشر يوما فقط.
ويقول الأب يوحنا زكريا نصرالله، راعى كنيسة السيدة العذراء طهطا بسوهاج، إنه لم يبدأ الاحتفال بالميلاد كعيد مستقل إلا فى القرن الرابع الميلادي.

تطور صوم الميلاد فى الغرب
انتشر ما بين القرن الرابع والقرن السادس الميلادي، وبدأ الحديث عن صوم يسبق الاحتفال بعيد الميلاد، مدته أربعون يوما، ويسمى «أربعينية الميلاد» ويكون الصوم فيه ثلاثة أيام فى الأسبوع، غالبا أيام الاثنين والأربعاء والجمعة، فلم يكن هناك مصادر أخرى تشير إلى ممارسة الصوم ستة أسابيع قبل عيد الميلاد، إلا عند غريغوريوس أسقف «تور Tours» وكان الصوم فيها أيام الاثنين والأربعاء والجمعة فقط، كما كانت فرنسا هى بداية وأصل هذه الأسابيع الستة التى تصام قبل عيد الميلاد والتى رتبت فى القرن السادس لتتشابه مع الصوم الكبير. 
صوم الميلاد فى الشرق
أول من فرض صوم الميلاد بصفة رسمية فى الشرق هو البابا خريستوذولس البطريرك الـ66 من بطاركة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية (1046- 1077)، فى قوانينه التى حدد بها الأصوام المفروضة، قال: «كذلك صوم الميلاد المقدس من عيد مارمينا فى خمسة عشر يوما من هاتور إلى تسعة وعشرين يوما من كيهك، وإن وافق عيد الميلاد الشريف يوم الأربعاء أو يوم الجمعة، فيفطروا فيه ولا يصوموا بالجملة، وكذلك عيد الغطاس المقدس فى الحادى عشر من طوبة، وإن اتفق يوم أربعاء أو يوم جمعة فيفطروا فيه أيضا ولا يصوموا، وإن وافق العاشر من طوبة الذى فيه صوم الغطاس أن يكون يوم سبت أو يوم أحد فلا يصام بالجملة بل يصوموا الجمعة الذى قبل ذلك عوض ليلة الغطاس». 
ويذكر ابن العسال صوم الميلاد قائلًا: «ومنها ما هو دون ذلك وأُجرى مجرى الأربعاء والجمعة، وهو الصوم المتقدم للميلاد، وأوله أول النصف الثانى من هاتور وفصحه يوم الميلاد. 
وقد أمر البابا غبريال الثامن (1587- 1603) البطريرك السابع والتسعون من بطاركة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فى قراراته التى سنها بخصوص تعديل الأصوام والتى صدرت فى سنة 1602 «أن يُبتدئ صوم الميلاد من أول شهر كيهك ويكون فصحه عيد الميلاد، أى تكون مدته 28 يوما فقط». 

مدة صوم الميلاد للكنيسة القبطية الكاثوليكية
منذ أن عُرف صوم الميلاد، استقر الرأى على أن تكون عدد أيامه أربعين يوما حتى يماثل فى عدده الأربعين المقدسة، وأضافت إليها الكنيسة القبطية الثلاثة أيام التى صامها الأنبا أبرام بن زرعه السريانى (975-978) البطريرك الـ62 للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والشعب القبطى معه، فصار صوم الميلاد فى الكنيسة القبطية 43 يوما، وعدله البابا غبريال الثامن وجعله 28 يوما فقط، إلا أن الكنيسة عادت بعد وفاته إلى المدة المحددة سابقا 43 يوما، بينما ظل فى باقى الكنائس أربعين يوما فقط.
وظلت الكنيسة القبطية الكاثوليكية تشترك مع نظيرتها الأرثوذكسية فى الطقوس والممارسات الكنسية ونظم الصوم وعدد أيامه ونوع الطعام المسموح به إلى أن عقد مجمع القاهرة سنة 1898 ودُعى السينودس الإسكندرى للأقباط وحدد معنى الصوم والانقطاع وما هى الأصوام المقررة فى الكنيسة. 
وحدد المجمع أن يمتنع الصائم لمدة معينة من الزمن عن الأكل والشرب، وعندما يحل صومه يمتنع عن نوع معين من المأكولات والمشروبات مثل اللحم والبيض والألبان والخمر وسائر المشروبات المسكرة، وهدف هذا الصوم أن يقدم الشعب المسيحى بواسطة إماتة الجسد تكفيرًا عن خطاياه ويحضر نفسه للاحتفالات المهمة والأعياد. 
وفى سينودس فبراير 1987 برئاسة بطريرك الكاثوليك إسطفانوس الثاني، عدل نظام الصوم ونص على أن تكون مدة صوم الميلاد خمسة عشر يوما فقط. 

فرح وحرية عند الروم الأرثوذكس 
الأب ديمسكينوس: ملزم للواعى القادر جسديًّا على ممارسته
تبدأ كنيسة الروم الأرثوذكس، صوم الميلاد يوم 15 نوفمبر وينتهى الصوم يوم 25 ديسمبر، الموافق لعيد الميلاد المجيد، ولم يعرف صوم الميلاد الصرامة التى للصوم الكبير، بل كان منذ البدء مثلًا يُسمح فيه للرهبان الذين يعملون خارج بناء الدير أن يتناولوا وجبتين فى اليوم (ظهرًا ومساءً) وليس وجبة واحدة فقط، وكان يسمح أيضًا بأكل السمك باستثناء يومَى الأربعاء والجمعة، والممارسة الحاليّة تسمح بثلاث وجبات لمن يريد.
وحول أهمية صوم الميلاد، يقول الأب ديمسكينوس راعى كنيسة رؤساء الملائكة لطائفة الروم الأرثوذكس بالقاهرة: «إنّ هذا الصوم ملزم لمن وعى التزامه وكان قادرًا جسديًّا على ممارسته، وهناك بعض الأيام المتفرقة التى نعفّ فيها عن أكل الزفَرَيْن (اللحوم والبياض) وهى يوما الأربعاء والجمعة من كل أسبوع (باستثناء الأسبوعين اللذين يليان الفصح والعنصرة، وما بين عيد الميلاد وبرامون الظهور الإلهي، والأسبوع الذى يلى أحد الفريسى والعشار)، عيد رفع الصليب الكريم (14 سبتمبر)، ذكرى قطع رأس السابق يوحنا المعمدان (29 أغسطس)، وكأن هذه الأصوام مجتمعة تشير إلى طبيعة كنيسة الروم الأرثوذكسية التى تتطلع إلى الإنسان بكلّيته نفسا وجسد، إنها صائمة فى العالم وعنه وشاهدة لملكوت الله الذى ليس هو «طعاما وشرابا» وقداستِهِ».
ويرتضى بعض الناس صوم الفصح (عيد القيامة) لأنه يحملهم على تذكّر السيد المسيح الذى تألم ومات، لأنهم يريدون أن يعبّروا بطريقة الجوع عن مشاركتهم فى هذا الألم، وقد يكون سببُ تجاهلهم الأصوام الأخرى تجاهلا تاما، لاعتقادهم بأنها غير مرتبطة بهذا الحدث، وبعض الناس تجنبا لوخز الضمير يلتزمون بأحد الأصوام و ببعض أيام منه، فالكثيرون يصومون رغبة بالتألم. فالصوم فرح وحرية، هو فرح إن استطعت أن تقبله كمرقاة إلى الآب أو كـ«خلوة»، كما يقول السيد المسيح فى العظة على الجبل «أمّا أنت متى صمت.. لا تظهرْ للناس صائما بل لأبيك الذى فى الخفاء»، ففى هذا الخفاء يراك الرب فى جواره.
والصوم حرية لأنه يعتق الذين يتقبّلونه من شهوة الجسد، فلنلاحظ، ليس الصائم هو عبدا للجسد بل المكبَّل بشهوة الطعام هو العبد، الصائم حرّ طليق يعلو عمّا هو أرضيّ لا كرها به بل حبا بالوصية وطاعةٌ لها. 
وبالنسبة لصوم الميلاد -على سبيل المثال- لا ينتهى بحلول عيد الميلاد، بحسب قول راعى كنيسة الروم الأرثوذكس، لأن كل الجهادات الروحية التى يعملها المؤمن الحقيقى تنتهى عندما لا يبقى شيء يُنتظر، أى عندما يصبح الله «الكل فى الكل»، وذلك لأن مجيء الله إلى العالم ليس حدثا وقع مرة فى التاريخ ومرّ عليه الزمن فطواه.
إن الرب أتى وهو الآتي، هذه هى فرادة المسيحية أنها تقيمنا فى شركة مع الله الآن وهنا، وتجعلنا من جهة أخرى فى حالة انتظار مستمرة له حتى يكتمل كل شيء فى أبدية نرجوها. وهذا يعنى أنّ ارتضاءنا حضور الرب لا نعبّر عنه فقط خلال أربعين يوما نقضيها فى شكل روحيّ خاص تنتهى بالتعييد، ولكنا فيما نحن ننتظر الرب فى مجيئه الأخير نعلنُ –فى صوم الميلاد- أننا قابلون ميلاده المجيد ومجيئه دائما.