البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

«جيش الرب» و«داعش».. للإرهاب وجه واحد

البوابة نيوز

من الممكن أن تختلف الخلفيات التى تنطلق منها الحركات المتطرفة، غير أنها قد تتلاقى فى الأفكار والممارسات لتعكس أنها ترفع الشعارات المقدسة لا لشيء إلا لتحقيق أهدافها ولتتمكن من خداع أتباعها. ويستعرض «المرجع» خلال هذه الدراسة نقاط الاتفاق والاختلاف بين تنظيمين متطرفين كلا منهما فى معسكر مغاير للآخر، فأحدهما ينطلق من خلفية مسيحية، والثانى يرتكز على خلفية إسلاموية، هذان التنظيمان هما «جيش الرب للمقاومة» فى أوغندا، والتنظيم الثانى هو «داعش» الذى تمكن- لفترة مؤقتة بالغة الدلالة- من السيطرة على مساحة كبيرة من دولتى سوريا والعراق:


يُعد «جيش الرب للمقاومة»، الذى نشأ فى دولة أوغندا عام ١٩٨٦ وبالتحديد فى منطقة شمال أوغندا، لقتال الرئيس يورى موسيفينى وقواته، بسبب ما سموه «اضطهاد النظام الحاكم لأهل هذه المنطقة»، من أكثر الحركات غموضًا على المستوى الفكري، ومن الصعب فهم أهدافه، وليست هناك أيضًا إيديولوجية واضحة للتنظيم، أو برنامج سياسى محدد له، وعلى الرغم من البيان الذى أعلنه زعيم التنظيم جوزيف كونى، وهو مسيحى كاثوليكي، فى أنه يسعى إلى تخليص شعب الأشولى من حكم الرئيس موسيفينى، وإقامة دولة الرب المسيحية المقدسة التى تسير على أسس الوصايا العشر فى الكتاب المقدس، فإن ممارسات حركته ابتعدت كل البعد عن ما كان يروج له؛ حيث نصت هذه الوصايا التى يدعى جيش الرب أنه انطلق منها على عدم القتل أو السرقة أو الزنى، أما أفعال التنظيم قائمة بالأساس على القتل والسرقة والنهب والاغتصاب وخطف الأطفال.

وتقوم إيديولوجية تنظيم جيش الرب على خضوع أتباعه بشكل تام لتعليمات الزعيم جوزيف كونى وقطع صلة من ينتمى له بما سواه، فيصبح التنظيم هو عائلته ويجب عليه الطاعة العمياء ورفض كل ما لا يتوافق مع أفكاره، وأن يصبح ولاؤه بالكامل للتنظيم، وعليه فعقاب من يخالف التعليمات يكون القتل بلا رحمة تحت دعوى أن الخطأ يهدد وجود التنظيم كاملًا الذى بات أعضاؤه يؤمنون بأن لهم رسالة ومهمة سماوية، تتمثل فى تخليص العالم من الشر بالعودة لتطبيق الوصايا العشر، وقد أعلن أن إيديولوجية التنظيم قائمة على تحرير أوغندا من الكفار والعلمانيين، وأن حكمها يجب أن يكون وفقًا لقواعد المسيحية الصحيحة الحقيقية، وهى المسيحية التى تلقاها كونى من المسيح مباشرة، بحسب زعمه.

تبنى كونى تفسيرًا معينًا للنصوص الدينية، وكغيره من المتطرفين رفض أى شرح آخر يخالف فكره، بل إنه لجأ إلى تفسير هذه النصوص بشكل يمكنه من قتل جماعته بعد أن رأى أنهم تعاونوا مع الحكومة ضده، وكان يؤمن بالمنطق التالى وفقًا لأحد أتباعه «إذا فعل لك شخص شيئًا سيئًا فلتقم بقتله»، ولم يقتصر على تعريف نفسه بأنه كليم الله أو المتحدث الوحيد باسم الرب، وإنما الوسيط بين القوى الروحية والناس، فقد كان مواطنو شمال أوغندا يؤمنون بقوى الأرواح والسحر، وهذا ما استغله جوزيف كوني؛ حيث تؤمن جماعة الأشولى فى معتقداتها التقليدية بتداخل عالم الأرواح والبشر، وقدرة قاطنى العالم الآخر على النفاذ إلى عالمنا والتعامل مع رسل مختارين يمكن لهم استخدام الأرواح لأغراض عدة؛ حيث أشار كونى إلى أنه يتخذ لنفسه مجلس أرواح يساعده على اتخاذ قراراته.

وعلى الرغم من الغموض الذى يشوب الإيديولوجية التى تتبناها الحركة؛ فإن هناك بعض المؤشرات تعكس التوجهات الفكرية لها، ومنها:


الرب أمر إلهيّ

يرى تنظيم «جيش الرب» أن الحروب أمر إلهىّ لا ينبغى أن يُرد، ولا نهاية لها إلا بسقوط حكم موسيفينى حتى وإن تطلب الأمر فناء جماعة الأشولى كلها، وأن الهدف منها إقامة دولة مسيحية كنسية، وحكم دينى ثيوقراطى يتأسس على تعاليم الكتاب المقدس؛ وذلك على الرغم من أن الرئيس موسيفينى هو الآخر يعتنق المسيحية، وأن جوزيف كونى سينجح لأنه مؤيدٌ من الرب وعلى اتصال روحى به.

وقد وجه كونى خطابًا لمقاتليه فى مارس ٢٠٠٣، يعكس الطريقة التى يفكر بها، التى فرضها فرضًا على جنوده؛ حيث أجبرهم على الصلاة بطريقته للروح القدس ولمريم العذراء، كى يساعده الرب هو وجنوده فى الحرب وهزيمة الأعداء، وتلاوة الترانيم التى يلقيها عليهم، مع تهديدهم بأنهم إن لم يلتزموا بعمل ما يأمرهم به سيعاقبهم الرب عقابًا عظيمًا بقتلهم فى المعارك وإن نجوا من القتل سيقتلهم كونى بنفسه بعد انتهاء المعركة، وحثهم على الاستيلاء على أسلحة أعدائهم، وفى ذات الوقت، عليهم عدم الإدلاء بأى معلومات عن التنظيم، مؤكدًا أن القوة التى يملكونها لا تقل عن قوة جنود موسيفينى بسبب تأييد الرب لهم، وأن لديه العديد من المعجزات التى ستظهر للجميع وليس لجنوده فقط؛ لأنه - وفق ما كان يقول لهم- مدعوم من الرب والروح القدس.

اختيار اسم الحركة

لم يكن «جيش الرب للمقاومة» هو الاسم الأول للتنظيم؛ حيث اختار كونى أسماء أخرى قبل هذا الاسم، ومنها «جيش الرب للخلاص»، ثم غيّره إلى «القوات الديمقراطية المسيحية الموحدة»، ثم استقر بعد ذلك على الاسم الحالى «جيش الرب للمقاومة»، وتشترك هذه الأسماء جميعها فى إضفاء الصبغة الدينية على الاسم سواء (الخلاص أو القوات المسيحية أو جيش الرب).

وبالنظر إلى الاسم الذى استقر عليه التنظيم لنفسه، وهو «جيش الرب للمقاومة»، يتضح أن أعضاء الحركة سعوا من خلاله إلى إضفاء القدسية عليه وعلى أهدافهم، وأن يتحول كونى إلى خليفة للرب الذى يسعى إلى إقامة دولته المقدسة، ومن ثم فإن من يتبعه يتبع الرب ومن يخالفه فهو يخالف الرب وقتله واجب.

يؤكد الرؤية السابقة ما قاله فنسنت أوتي، الذى كان يعد الرجل الثانى فى التنظيم قبل مقتله، فى مقابلة معه حينما سئل عن سبب اختيار اسم جيش الرب فجاء رده: «أطلقنا هذا الاسم على الحركة؛ لأننا نقاتل فى سبيل الله.. الله هو الذى يساعدنا فى الأدغال، وفى معاركنا.. نحن نقاتل من أجل الكتاب المقدس وتطبيق الوصايا العشر، فالوصايا العشر هى الدستور الذى وهبه الله لخلقه فى كل العالم.. وتابع لو طبق الجميع هذه الوصايا فلن تجد أحدًا يسرق أحدًا. ولن يتم قتل الأبرياء، أو أخذ زوجات الآخرين.. كل هذا موجود فى الوصايا العشر».

غير أن ممارسات التنظيم ناقضت كل هذا الكلام ولم تحقق أيًّا منه، فكما سبقت الإشارة تركزت معظم ممارساتهم على القتل والسرقة والاغتصاب واختطاف الأطفال، بل إن جوزيف كونى لجأ إلى الكتاب المقدس لتبرير هجماته ضد المدنيين؛ حيث أشاع أنه يجب تطهير المنطقة منهم موضحًا أن الأنبياء التوراتيين كانوا على استعداد لتطهير الخاطئين، وأنه يمكن إبادة فئة كبيرة من الناس لإنقاذ القلة من أنقياء القلوب، وأن المخطئين تُصب عليهم اللعنات.

ثانيًا- المنطلقات الفكرية لتنظيم «داعش»:

اعتنق تنظيم داعش، الذى ادعى أنه يسعى لإعادة إقامة الخلافة الإسلامية، الفكر التكفيرى وغلب نسق الغلو لديه، فهو يرفض المخالف رفضًا قاطعًا واعتباره خارجًا عن التنظيم ومن ثم استحلال دمه وماله. وإذا نظرنا إلى الملامح الفكرية لهذا التنظيم شديد التطرف نجد التالي:

١- الحكم بالكفر على المتعاونين مع المرتدين: على هذا الأساس فإنهم يكفرون من سواهم مما يقبل بالعملية السياسية الطبيعية وما فيها من ديمقراطية أو انتخابات وغير ذلك، ويتخذ الدساتير الوضعية ويترك الدستور السماوى ألا وهو القرآن الكريم.


وجوب بيعة التنظيم

استدل التنظيم بقول أيمن الظواهرى الزعيم الحالى لتنظيم القاعدة، عند بداية نشأة «داعش»، حينما قال «إن الجماعة دولة شرعية وليست مجرد جماعة»، حيث أشار فى اللقاء المفتوح معه على موقع «التوحيد والجهاد»، إلى أن «تنظيم الدولة خطوة فى سبيل إقامة الخلافة أرقى من الجماعات المجاهدة، فالجماعات يجب أن تبايع الدولة وليس العكس، وأمير المؤمنين أبوعمر البغدادى الأمير السابق للتنظيم من قادة المسلمين المجاهدين فى هذا العصر»، وأقاموا نفس المبدأ على مبايعة زعيمهم الحالى أبوبكر البغدادي، رغم انقلاب الظواهرى على التنظيم وانتقاده قيام داعش بفرض مبايعة التنظيم على الآخرين، وإعلانهم أن من يرفض البيعة فقتله واجب ودمه وماله مباح.

ويرى التنظيم، أن أبا بكر البغدادى هو أمير المؤمنين، وأنه توافرت فيه كل شروط الإمامة، ولم يتخلف فى حقه لا الشروط الواجبة ولا الشروط المستحبة، حيث أجمع العلماء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه لأن له حكم الإمام فى كل شيء، ومن ثم فإن حكم من يتخلف عن بيعة الإمام هو وجوب القتل، فهم يرون أنه يشرع لمن تغلب بسيفه من المسلمين ودعا للبيعة وأظهر الشوكة أن يصير أميرًا للمؤمنين وتجب طاعته وبيعته، ولا يحل لأحد منازعته، والبغدادى هو من توافرت فيه؛ وعليه فإن بيعته واجبة ومن يرفض الاعتراف به كأمير للمؤمنين يُقتل.

استخدام الضحايا كدروع بشرية

يرى تنظيم «داعش» أن هناك إجماعًا بين العلماء الذين يؤمنون بأفكارهم على جواز اقتحام المهالك فى الجهاد، وجواز حمل الواحد على العدد الكثير من الأعداء حتى وإن تيقن من التهلكة، وهو يتوافق مع القاعدة فى ذلك، كما يرى خروج من قتل نفسه لمصلحة الدين عن النهى الوارد فى قتل النفس.

إقامة الحدود

يجيز «داعش» إقامة الحدود، ويرون أنه لا يشترط لإقامة الحدود التمكين التام أو الاستقرار التام، وأنهم باتوا أصحاب قوة وشوكة بعد استحواذهم على مساحات واسعة من أرض العراق والشام وقبل تراجعهم عنها، واعتبر «داعش» أن المناطق التى يسيطر عليها «دار إسلام»، وطالما أنهم يقيمون الحدود فإن مناطقهم هى دولة إسلامية!

الديمقراطية كفر وممارسوها مرتدون

يعتقد «داعش» والجماعات التكفيرية الأخرى كافة، ومنها «القاعدة»، أن الدعوة إلى إقامة حكومة مدنية تعددية ديمقراطية هو عمل مخرج من ملة الإسلام، مستدلين بقول الإمام ابن كثير «نهى الله تعالى المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين فى مقالهم وأفعالهم».

٦- القتل لمن حكموا عليهم بالردة وعدم العذر بالجهل:

أجاز التنظيم اغتيال مناوئيه ومن يخرج عليه، وقال منظروه إن الاغتيال هو عملية قتل مفاجئ تنفذ ضد هدف معين بغرض رد أذاه عن المسلمين كما يقولون، أو بغرض ردع غيره من المجرمين وإن هذا جائزًا لهم، وهذه المسألة التى تجعلهم لا يقبلون توبة المرتد، ويقتلون الجنود والمعارضين، بل أتباع الجماعات الأخرى بحجة موالاتهم للكافرين.


أوجه التشابه بين «جيش الرب» و«داعش»:

توجد عدة تشابهات بين التنظيمين، وهى كالتالي:

١- رفع الشعارات المقدسة لكسب الشرعية والتأييد:

كلا التنظيمين يرفع شعارات دينية، ويدعى الانطلاق من مبادئ سامية لتبرير أفعاله مهما كانت وجذب مزيدٍ من الأتباع؛ فـ«داعش» أعلن أنه يسعى لتطبيق الشريعة الإسلامية، و«جيش الرب» أكد أنه ينطلق من الوصايا العشر للكتاب المقدس لإقامة دولة الرب المقدسة، وكلاهما يقوم بتغيير قناعات أتباعه وتشويه أفكارهم فيما يطلق عليه بعملية «غسل الأدمغة».

٢- تشبيه زعيم التنظيم بأنه وكيل للرب ولا يجوز معارضته:

سعى جوزيف كوني، زعيم تنظيم «جيش الرب»، إلى إحاطة نفسه بهالة من التقديس، ولذا فإن أتباعه يؤمنون بأنه نبى يسير على نهج يسوع، وأن المسيح يأتيه فى أحلامه ويخبره ماذا يفعل؟ ويؤكد له أنه يقاتل من أجله، ونُقل عن أحد مساعدى «كوني»، قوله: «كوني، هو رسول من عند الله! نحن نتبع الأوامر من الروح القدس».

وهذا ما يُحاول أيضًا زعيم «داعش» أبوبكر البغدادى فعله؛ حيث لقب نفسه بأمير المؤمنين، زاعمًا أنه وتنظيمه يسعيان إلى إعادة دولة الخلافة الإسلامية من جديد، وأن من يرفض بيعته يجب قتله.

«جيش الرب» و«داعش»..

٣- الرفض الكامل للمخالف لهما (الجيتو النفسى والاجتماعي):

كلا التنظيمين يزعم أنه يحتكر الفهم الصحيح للنصوص الدينية، وأنه المنفذ الوحيد لتعليمات الله، ويروجان أن كل من عاداهما كفار، وأعداء للرب، يجب قتالهم والتنكيل بهم، ويؤكد ذلك اختيار أسماء التنظيمين، فالأول اختار اسم جيش الرب (ألصق نفسه مباشرة بالإله)، وعليه فهو مُفوض منه، والثانى «تنظيم الدولة الإسلامية» وكأنه المفوض بإقامة دولة الإسلام فى الأرض.

٤- التأويل الخاطئ للنصوص الدينية:

يشترك كلا التنظيمين فى التأويل الخاطئ للنصوص المقدسة، فكما اتضح سابقًا فقد شوَّه جيش الرب الوصايا العشر، والأمر لا يختلف كثيرًا عند تنظيم «داعش» الذى عمل على إساءة تأويل عدد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية لتتوافق مع سياسته الوحشية فى القتال والحرب، ليبرر بها شرعيته التى يزعم من خلالها السعى لتأسيس الخلافة الإسلامية فى الأرض، كما يبرر بها ما يرتكبه من جرائم فى حق الإنسانية.

كذلك فإن «داعش» قَدَّم فى أدبياته، وجوب قتال العدو القريب من المسلمين المقيمين فى حدود دولته المزعومة، والذين يصفهم بالمخالفين له على قتال العدو البعيد، ويقصد به العمليات ضد الغرب فى دولهم، وهذا ما فعله «جوزيف كوني» أيضًا؛ حيث انصبت معظم هجمات جيش الرب على مواطنى شمال أوغندا، وجماعة الأشولي، بعد اتهامهم بالتعاون مع القوات الحكومية ضده، ويزعم «كوني» أن الأنبياء التوراتيين كانوا على استعداد لتطهير الخاطئين، وأنه يمكن إبادة فئة كبيرة من الناس لإنقاذ القلة من أنقياء القلوب، وأن المخطئين تُصب عليهم اللعنات.

٥- اختلاف ممارساتهم عن الأهداف التى يدعون أنهم ينطلقون منها:

يتضح من ممارسات التنظيمين البُعد التام بين ما أعلنوا عنه من أهداف وأفعالهم، فعلى الرغم من ادعائهم أنهم يسعون إلى قتال المفسدين لنصرة المظلومين من أتباعهم، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ونشر العدل؛ فإن القتل والترويع والسرقة والنهب هو الأساس فى التعامل مع غيرهم، حتى من الذين يُفترض أنهم يدافعون عنهم، فمعظم عمليات «داعش» كانت ضد المسلمين، ومعظم عمليات «جيش الرب» تركزت ضد أهالى منطقة شمال أوغندا، ومسيحى جماعة الأشولي.

٦- الانتشار عبر الحدود:

لا يؤمن تنظيم «داعش» بفكرة الوطن أو الحدود الجغرافية، لذلك فإنه سعى للوجود فى أكثر من دولة، سواء فى العراق أو سوريا أو ليبيا أو نيجيريا ممثلًا فى «بوكو حرام»، وكذلك فعل «جيش الرب» الذى استطاع الانتشار فى شمال أوغندا وجنوب السودان وشرق الكونغو وجمهورية أفريقيا الوسطى.

٧- تجنيد الأطفال واستغلال النساء:

اعتمد كلا التنظيمين على تجنيد الأطفال؛ وذلك لأنه من السهولة بمكان تشكيل عقولهم وانقيادهم وتنفيذ ما يُطلب منهم دون وعي، وقد اعتمد «جيش الرب» بشكل أساسى على اختطاف صغار السن؛ حيث ذكرت بعض التقارير الأممية أنه خطف عشرات آلاف الأطفال منذ نشأته لتسخيرهم فى الأعمال القتالية والخدمية، و«داعش» هو الآخر استغل النشء الصغير، ولم يقتصر على تجنيد الشباب، وإنما امتد الأمر به إلى استغلال الأطفال فى أعماله الوحشية، وظهر هؤلاء الصغار فى أفلام التنظيم المصورة بحرفية وهم ينفذون عملية إعدام بحق عدد من ضحايا التنظيم، كما أنشأ ما سمَّاه بـ«أشبال الخلافة الإسلامية» لتجنيد الصغار.

أما بالنسبة للنساء؛ فالتنظيمان ينظران إليهن نظرة دونية، فالمرأة بالنسبة لكل منهما ليست أكثر من أداة لتفريغ الشهوات أو للخدمة، وهناك شهادات لعشرات من النساء اللاتى اختطفهن «جيش الرب» واعتدى عليهن جنسيًّا، وكان يحبسهن قسرًا لكى يخدمن لعناصره.

كذلك فعل تنظيم «داعش»، الذى استثمر المرأة وحولها إلى مادة فى خطابه الإعلامي، واعتبر نساء المخالفين له غنائم يفعل بهن ما يريد، وهو ما فعله مع النساء الإيزيديات العراقيات اللاتى باعهن كسبايا، كما استخدم النساء كعنصر جذب لاستقطاب الشباب صغير السن، وروَّج فى سبيل هذا أنه يُعطى النساء للمقاتلين كمحظيات، وإضافة إلى ما سبق، فالتنظيم استخدم النساء كانتحاريات لتنفيذ التفجيرات؛ لأن مرورهن دون تفتيش من النقاط الأمنية يكون أسهل من مرور الرجال، كما اشترك التنظيمان فى استخدام الأطفال والنساء كدروع بشرية فى معاركهم.

وخطف الفتيات القصر أمر مشترك عند «داعش» و«جيش الرب»، فبالنظر إلى ممارسات حركة «بوكو حرام» النيجيرية، التى أعلنت الولاء لـ«داعش»، يتضح أنها قامت أكثر من مرة بالهجوم على مدارس للفتيات بذريعة أن التعليم محرم على النساء، وخطفت مئات الفتيات من مدارسهن، كذلك فعل «جيش الرب»، ففى أكتوبر عام ١٩٩٦ هاجم مدرسة كاثوليكية فى منطقة شمال أوغندا، وخطف منها ١٥٠ تلميذة، واقتادهن إلى معسكراته بحجة خدمة جنود الرب.

وكما أباح «داعش» ما يعرف بـ«ملك اليمين» فى حالة الحرب، كستار للاستمتاع الجنسى بعدد لا محدود من النساء، فإن تنظيم «جيش الرب» أباح تعدد الزوجات رغم أنه ممنوع عند أتباع المسيحية؛ حيث أوضح جوزيف كوني، زعيم التنظيم، فى إحدى خطبه أنه يملك ٦٧ زوجة، مشيرًا إلى أن النبى سليمان كان لديه من ٦٠٠ إلى ٨٠٠ زوجة ولم يعاقبه الله.

٧- استخدام استراتيجية التوحش لبث الرعب فى نفوس الأعداء والتنكيل بضحاياهم:

يعتمد التنظيمان على أسلوب الصدمة والرعب، وذلك بالهجوم الخاطف وارتكاب المجازر، خصوصًا قطع الرءوس والإعدامات الجماعية والذبح التى تثير الرعب، وتجعل من اسم التنظيم وحده رعبًا حقيقيًّا يدفع القرى والمدن المعرضة لخطره إلى الفرار السريع.

أما إذا ما تحدثنا عن الاختلاف الرئيسى بين الحركتين؛ فإنه يتركز فى الفرق الكبير بين دعاية كل منهما، حيث تفوق «داعش» كثيرًا على «جيش الرب» فى استخدام الدعاية ووسائل التكنولوجيا الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعى للانتشار، واستطاع فى فترة قصيرة أن يكون المادة الأهم التى تتحدث عنها جميع وسائل الإعلام العالمية.

وعلى العكس من ذلك، عانى تنظيم «جيش الرب» من ضعف الدعاية الخاصة به، حتى إن جوزيف كوني، فى أحد تصريحاته عام ٢٠٠٦، قال: «لقد كتبنا بياننا.. أجندتنا السياسية، وبياننا مفتوح، حتى ولو لم نعمل على شرحه للعالم إلا أنه متوافر فى أوغندا».

وحين سُئِلَ «كوني» عن سبب إخفاق «جيش الرب» فى نشر أهدافه السياسية على شكل أوسع؟ أجاب: «الناس يقاتلون باستخدام الدعاية... لكننى باعتبارى رجل حرب عصابات، فلم أصل إلى تلك الدرجة... كل المعلومات تأتى من جهة موسيفيني، أو من أناس آخرين لأننى لا أحوز ماكينة دعائية مناسبة».

وختامًا: يظهر من العرض السابق التشابه الكبير بين كل من «جيش الرب» و«داعش»، ما يوضح أن مثل هذه الجماعات اتخذت الدين شعارًا لتسهيل تحقيق أهدافها، وضمان انقياد أتباعها لها، وتنفيذ الأوامر بلا تفكير، وخلق بيئة تحترم القادة وتخافهم، وتبرير أعمال العنف المنظمة التى يرتكبونها بما فى ذلك الجرائم الجماعية ضد المدنيين؛ وكل هذا يؤكد أن المنبع الفكرى للتطرف واحد.