البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

في عيد تجليسه.. البابا شنودة جاءت به القرعة الهيكلية بطريركا للمرة السابعة في تاريخ الكنيسة.. والبابا تواضروس الثامن

البوابة نيوز

فى مثل هذا اليوم 31 أكتوبر من العام 1971م، تم انتخاب الأنبا شنودة، بابا للإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية وسائر بلاد المهجر، وجاءت القرعة الهيكلية بالأنبا شنودة بطريركًا حمل رقم الـ117 فى قائمة باباوات الإسكندرية.
وفى يوم الأحد 14 نوفمبر 1971 كان قداس التجليس، وكان مفرحًا مهيبًا، حضرته وفود كنسية كثيرة مقدمة التهنئة والهدايا، وكذلك مندوبون عن رئاسة الجمهورية، ورئيس الوزراء، ومندوب عن جلالة الإمبراطور هيلاسلاسي، وحضر الوزراء، والنقابيون وغيرهم، مع آلاف عديدة من أفراد الشعب الذين توافدوا على الكاتدرائية منذ الصباح الباكر.
وبدأت الاحتفالات بتلاوة تقليد رئاسة الكهنوت المقدس، وكان قد وقّع عليه جميع أعضاء المجمع المقدس، واشترك فى صلوات التجليس أربعة وعشرون من الآباء المطارنة والأساقفة، كما شاركت وفود بعض الكنائس فى التتويج مثل البطريرك الأنطاكى مار إغناطيوس يعقوب والوفد المرافق له، وكذلك وفد الكنيسة السريانية الهندية، ووفد الكنيسة الإثيوبية، برئاسة قداسة البطريرك ثاؤفيلس، ووفد الكنيسة الأرمينية بقيادة الكاثوليكوس خورين الأول، وكذلك الكنيسة الأرمينية بمصر.
كما شارك بالحضور غبطة الكاردينال استفانوس الأول، بطريرك الأقباط الكاثوليك بمصر والقاصد الرسولي، وكذلك مندوبون عن الكنيسة الروسية والرومانية و الأنجليكانية، ومندوبون عن كنيسة اليونان، وفي ذلك الاحتفال تمت تلاوة نصّ الخطاب الذى أرسله الإمبراطور هيلاسلاسى باللغة الأمهرية، ثم سلّم البابا وشاح سليمان الأكبر- أعلى وسام فى الحبشة، وكذلك ألقى غبطة بطريرك إنطاكية كلمة مؤثرة، أما كلمة قداسة البابا شنوده فقد ألقاها نيابة عنه نيافة الأنبا أثناسيوس مطران بنى سويف.
القرعة الهيكلية
جاءت القرعة الهيكلية بثمانية بطاركة حتى الآن للكنيسة الأرثوذكسية؛ فهى عبارة عن وضع أسماء الثلاثة الذين حصلوا على أعلى الأصوات فى انتخابات البطريرك، يكتب كل اسم على حدة فى ورقة بالمقاس نفسه، وتوضع الثلاث ورقات فى صندوق صغير على المذبح داخل الكنيسة، ويتم اختيار طفل معصوب العينين بعد الصلوات لكى يسحب ورقة من الثلاث.. الاسم الموجود على الورقة يعلن بطريركًا.
والقرعة تتم بعد التصفية قبل النهائية لخمسة من المرشحين، حيث يتم اختيار ثلاثة مرشحين فقط، وهم الأعلى أصواتًا، وتبدأ إجراءات القرعة بقداس للقائم مقام البطريرك، وتُكتب أسماء المرشحين الثلاثة فى ثلاث أوراق بيضاء كبيرة متساوية وتوضع أمام الجميع قبل أن يتم لفها، ووضع كل منها فى حلقة معدنية منفصلة، وستختم بالشمع الأحمر، ثم توضع فى إناء زجاجى كبير على منصة مرتفعة. ويُصطحب طفل صغير يتم اختياره من بين عدد من الأطفال المتقدمين لسحب ورقة واحدة من الإناء الزجاجي، ويكون مدونا عليها اسم البابا الجديد.
وقد أثارت إجراءات «القرعة الهيكلية» الكثير من الجدل داخل الكنيسة، حيث واجهت انتقادات كبيرة، واعتبر البعض وجودها يصبح غير ضروري، خاصة فى حال حصول أحد المرشحين على أغلبية الأصوات.
بداية العمل بالقرعة
للقرعة الهيكلية تاريخ طويل بدءًا من القرن الثامن الميلادى فى عهد البابا يوحنا البطريرك الـ48 فى نهاية القرن الـ8 فى الفترة من 777 حتى 799، وكان المجمع والأراخنة وقتها فى حيرة من الاستقرار على أحد المرشحين، فوضعوا أسماء المرشحين وأحضروا طفلًا، فاختار ورقة، وكانت الورقة خاصة باسم البابا يوحنا، فكرروا الأمر مرة أخرى وصلّوا وأحضروا طفلًا آخر، فكانت النتيجة السابقة نفسها، فكرروا الأمر للمرة الثالثة وكانت النتيجة الورقة نفسها، فهذا يعنى اختيار الله للبابا يوحنا.
وتم إجراء القرعة للمرة الثانية فى أيام البابا ميخائيل البابا رقم 71 فى القرن الـ12، وفى المرة الثالثة كانت فى القرن الـ 13 لاختيار البابا يوحنا77، وفى الرابعة فى القرن الـ 17 البابا متاؤس البابا 102، وللمرة الخامسة فى القرن الـ17 «البابا مرقس الثامن البابا رقم 108» أى أن القرعة أجريت خمس مرات حتى القرن السابع عشر.
استقرار الوضع فى القرن الـ20
وبانتهاء هذه الفترة، دخلت الكنيسة فى عصر غير مستقر تاهت فيه القوانين، ومر عصر مظلم على الكنيسة، وكان ذلك بداية من البطريرك يؤانس أسقف البحيرة، والتى انتهت فى عام 1957 بوضع لائحة انتخاب البابا، والذى نص فيها على أن يكون البطريرك من الرهبان، وأدخل عليها القرعة الهيكلية إذا حدث التساوى بينهم، حيث نصت لوائح الكنيسة على أنه: حال تساوى اثنين من المرشحين فى الحصول على الأصوات تجرى بينهما القرعة، إلى أن تم إعداد لائحة 57 وتم استخدام القرعة للمرة السادسة والسابعة التى أجريت فيها القرعة، كانت فى اختيار البابا كيرلس السادس 1959، والبابا شنودة الثالث تم اختياره فى القرعة السابعة فى تاريخ الكنيسة فى العام 1971.
القرعة الهيكلية الثامنة
فى يوم الأحد الموافق 4 نوفمبر 2012، جاءت القرعة الهيكلية بالأنبا تواضروس، بطريركًا للكنيسة الأرثوذكسية، بعد قيام الطفل بيشوى جرجس مسعد بسحب واحدة من ثلاث ورقات تحوى أسماء الشخصيات الثلاث الذين انتخبهم آباء الكنيسة قبل أسبوع من إجراءات القرعة.
وقام الأنبا باخوميوس الذى كان قائما مقام البابا منذ وفاة البابا شنودة الثالث فى مارس 2012 بإجراء قرعة أولى لاختيار طفل من بين 12 طفلًا ليختار البابا الجديد. وبعد اختيار الطفل، قام الأنبا باخوميوس بتعصيب عينيه قبل أن يسحب الطفل كرة من ثلاث كرات بلاستيكية شفافة يحوى كل منها اسم واحد من المرشحين الثلاثة، وفتحها باخوميوس وقرأ الاسم المكتوب عليها وهو الأنبا تواضروس الذى أصبح بذلك البابا الـ118 للأقباط الأرثوذكس.
وقام الأنبا باخوميوس بعد ذلك بفتح الكرتين البلاستيكيتين الآخرين، وعرض أمام الحضور والكاميرات الورقتين اللتين كانتا بداخلهما، وتحملان أسماء الأنبا رفائيل والقمص رفائيل أفامينا، ليتأكد الجميع أن أسماء المرشحين الثلاثة كانت مشاركة بالفعل فى القرعة.
مخالفة للتعاليم المسيحية
وفى هذا الصدد، يقول الراحل الأنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمى فى الكنيسة الأرثوذكسية: «إن اللائحة وضعت قرعة الورقات الثلاث، وسمتها خطأ بالقرعة الهيكلية، مع أنها مقتبسة من نظام النساطرة فى بغداد أيام الدولة العباسية، وقد اقترحه على الأقباط وزير من وزراء الحكم فى مصر جاء إليها من بغداد»، جاء ذلك بحسب بيان ألقاه الأنبا غريغوريوس على المجمع الإكليريكى العام أكتوبر 1971م.
وقال أسقف البحث العلمى عن القرعة أيضًا «إنها أمر متخلف ويخالف تعاليم المسيحية، وقد تم اختيار 109 بطاركة بدونها، فكيف نكتب لائحة جديدة وتوجد بها هذه القرعة التى دائما تظل محل تشكيك».
واعتبرها الأنبا غريغوريوس عارًا على الكنيسة، وتساءل: «كيف نعرف أن الله راضٍ على الثلاثة المكتوبة أسماؤهم بالورق»، فلماذا لا نضع ورقة رابعة بيضاء إذا تم سحبها نعرف أن الثلاثة الموضوعة أسماؤهم غير مرضىّ عنهم؟!
أمر مختلق
فيما يرى الأنبا بفنوتيوس، أسقف سمالوط فى كتابه «حتمية النهوض بالعمل الكنسي» أن عمل القرعة مختلق لا أساس له لاهوتيا وعقائديا، ولا يوجد نص قانون كنسى يبرر إجراء مثل هذه القرعة، ولا يمكن أن نفهم إرادة الله عن طريق إيقاف عقلنا عن التفكير السليم بالصلاة وإرشاد الروح القدس.
ويرى الراهب باسيليوس المقاري، أحد أبناء دير أبو مقار بوادى النطرون؛ أن القرعة الهيكلية ضد عمل الروح القدس فى الكنيسة، وأنها دخلت الكنيسة كقانون لأول مرة عام 1957، مشيرًا إلى أن العبارة منسوبة إلى «الهيكل» والذى يمثل السماء ولا يجب أن يقدم فيه إلا جسد السيد المسيح ودمه فقط.
وبحسب الكتب الكنيسة، كما ذكر الراهب المقاري، أن منصب البطريرك كان يختاره كل من الأساقفة وجزء من الشخصيات العلمانية التى لديها فكر كنسي، حيث يتوجه جزء منهم إلى الأديرة ويقيمون اجتماعات صلاة، ويطلبون من رؤساء الأديرة أن يرشحوا من يصلح ليكون بطريركًا خلفًا لمن رحل.
فلم يكن يوجد فى تقليد اختيار البطريرك ما نصت عليه لائحة 1957 من تقديم طالب البطريركية استمارة يملأها على طريقة «من يجد فى نفسه الكفاءة فليتقدم»، ويذهب للبطريركية ليسلمها طالبا أن يصير بطريركًا، حيث تنص المادة 8 في لائحة انتخاب البطريرك، «على كل من يرغب فى ترشيح نفسه لكرسى البابا أن يقدم إلى اللجنة العليا للانتخابات البابوية طلبا بذلك، مع مراعاة تقديم الطلب إلى اللجنة المختصة التى شكلتها اللجنة العليا لتلقى طلبات الترشيح، على أن يتم ذلك خلال الميعاد الذى حددته اللجنة العليا، وأن يرفق بالطلب تزكية محررة على النموذج الذى أعدته اللجنة العليا، وموقع عليها من ستة من المطارنة أو الأساقفة أو رؤساء الأديرة أو من 12 عضوا أو نائبا من أعضاء المجلس الملى الحاليين أو السابقين أو أعضاء مجلس إدارات هيئة أوقاف الأقباط الأرثوذكس الحاليين أو السابقين».
الأنبا موسى: القرعة الهيكلية لا تناسب الحياة اليومية
«كيف أتخذ قرارًا؟» كتاب للأنبا موسى، أسقف الشباب، وفى الباب العاشر منه حول «كيف أميز مشيئة الله، القرعة الهيكلية».. فيقول أسقف الشباب فى مقدمة كتابه القرارات فى حياة الإنسان، وخاصة فى مرحلة الشباب، كثيرًا ما تكون مصيرية، وذات أثر خطير فى خلاص، أو سعادة، أو بنيان صاحبها، كما أن القرار يتأثَّر بقوى كثيرة: روحية وعقلية وعاطفية واجتماعية، بحيث لابد من تناغم وتناسق بين هذه القوى، كل قدر حجمها وخطرها، ليخرج القرار سليمًا ونافعًا وناضجًا. كما أن هناك ضوابط مهمة يجب أن يستعين بها الشاب، ليضمن سلامة قراراته.. فما هي؟ وكيف يستخدمها لسلامة نفسه؟ وأخيرًا يبقى سؤال: «كيف أميز مشيئة الله؟» حتى أطمئن أن الله يبارك قراري.
ويستكمل أسقف الشباب حديثه فى باب «القرعة الهيكلية» يلجأ البعض إلى هذا الأسلوب لكى يتعرف على مشيئة الله، ولكن هذا الأسلوب غالبًا ما لا يكون مناسبًا.. والحالة الوحيدة التى يكون فيها مناسبا تستلزم شروطًا صعبة التنفيذ وهي:
1- أن يكون الإنسان مخلصا تماما فى التعرف على مشيئة الله، وتاركا النتيجة بصفة نهائية وحاسمة لله.
2- أن يكون الاختيار بين أمرين متساويًا تمامًا، بحيث استحال على الإنسان أن يختار هذا ويترك ذاك.
3- ألا يتردد الإنسان بعد خروج النتيجة بل يعتبرها نهائية.
وعموما، هذه الأمور صعبة التواجد فى الحياة اليومية، إذ لابد أن يجد الإنسان- بروح الله، وبالتفكير، وبالمشورة- ما يجعله يرجح كفة على الأخرى. وما نلاحظه عمومًا أن الإنسان بعد خروج النتيجة يتضح أنه:
1- إما كان يشتاق إليها فيستريح، وقد يكون اشتياقه على أساس خاطئ.
2- وإما أنه كان ينتظر الرفض مثلا، فتأتى النتيجة بالإيجاب (أو العكس)، فيطلب تكرار القرعة.
3- وإما أنه اقتنع فيما بعد باختيار لم تفرزه القرعة فيتشكك.. أنه خالف المذبح.
لهذا فيستحسن عدم اللجوء إلى القرعة الهيكلية عموما، ما لم تتوافر الشروط التى ذكرناها قبلا، وإذا ما تحير الإنسان فعليه أن يلجأ إلى المزيد من الصلاة والتفكير والتشاور، والرب سيحسم الأمر لأولاده سلبًا أو إيجابًا بآلاف الوسائل.
إن الآباء الرسل لم يلجأوا إلى القرعة إلا فى:
1- قبل حلول الروح القدس.
2- فى حالة تساوى الاختيارات، فالشروط توافرت بالتساوى بين متياس ويوسف (أع1: 21-26).
3- فلنصل من عمق القلب طالبين تدخل الرب، وإرشاده، وحسمه للأمور، وقطعا سيتدخل، ويوضح كل شىء!.