البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

الإخوان.. من فشل اختراق الجيش إلى تشكيل تنظيمات تحاربه

البوابة نيوز

«الإرهابية» لجأت إلى الاغتيالات فى الستينيات.. وخططت لتنفيذ انقلاب عسكرى
رفضت عرض مجلس قيادة الثورة بإطلاق نشاط الجماعة فى الدعوة مقابل عدم التدخل فى السياسة
«جمال» يكتشف تشكيلات موالية للجماعة داخل الجيش فى أكتوبر 1954
«العشماوى» تصور قدرته على خلق نموذج مماثل لـ«داعش» فى مصر
عسكريون سابقون أكسبوا التنظيمات التكفيرية المسلحة منهجًا قتاليًا مختلفًا

تأسس تيار الإسلام السياسى والحركى على قاعدة العداء لمشروعات ونظم الحكم القائمة فى الشرق أو الغرب، سواء المستفادة من التجربة الليبرالية أو الاشتراكية، ولم تشهد مرحلة ما توافقًا مع ما هو قائم من أفكار ومناهج حكم، أو محاولة للتوفيق والتواصل. وعبرت كلمات لسيد قطب فى كتابه السرى «خيوط خطة»، عن مفاصلة هذا التيار لما هو قائم ومتعارف عليه ثقافيًّا ودينيًّا واجتماعيًّا أدق تعبير، وفيه يقول: «جماعتنا ليست قطاعًا من الشعب، ولا قطاعًا من المجتمع العربى أو العالمي، وليست من رعايا الحكومة المحلية، إنها كينونة جديدة تنشأ منفصلة عن هذه التشكيلات الوطنية والقومية والعالمية؛ ومن ثم، فمعنى بيعة الإخوان للمرشد هو أننا نقيم لنا قيادة غير قيادة الشعب، وإمارة غير إمارته، وأننا نخلع طاعتنا وولاءنا لمحكومية هذا الشعب لنسلمها إلى أميرنا، ولكى يتحقق هذا التغيير الضخم المتمثل فى نزع السلطة من الدولة وأجهزتها ومؤسساتها وتسليمها للجماعة بما تخلقه من بدائل فى كل المجالات وعلى مختلف المستويات، يلزم وجود قوة مادية، مهمتها أولًا حماية الحركة الناشئة خلال أطوار نموها، وقادرة ثانيًا، حين تكتمل الحركة عتادًا وعدة وقوة عسكرية، على القيام بالمهمة الكبرى وإحراز الهدف المرتقب، ويعتبر منظرو الإسلام السياسى والحركى مهمة التغيير شاقة ومعقدة؛ لأن الكيانات القائمة فى العالم الإسلامى والقابضة على الزمام تعمق بمرور الوقت لونها العقائدى المناهض للإسلام والمرتبط بأعدائه»، ومن ثم فلا حل ولا توصل لهدف التغيير الإسلامى وفق رؤيتهم من دون صياغة جيل مجاهد وإقامة تنظيم جهادي».

الجيش كهدف استراتيجى للجماعات
خططت جماعة الإخوان للتغيير الكبير من خلال التغلغل فى الجيش، وحدث أن أنهى الرئيس عبدالناصر أى حضور لجماعة الإخوان بالجيش، ذلك الذى سمحت به ظروف المرحلة والتحضير للثورة، عندما فكك تشكيلات الجماعة داخل القوات المسلحة والشرطة فى منتصف الخمسينيات.
كانت البداية عندما رفضت قيادات جماعة الإخوان ما عُرِف بـ«اتفاق البندين»، الذى عرضه عليهم الرئيس عبدالناصر، عن طريق القيادى بالجماعة محمد فرغلي، ويقضى بإقرار الإخوان بشرعية ثورة يوليو ١٩٥٢م، مقابل إطلاق نشاط الجماعة فى الدعوة والتربية وعدم التدخل فى الشأن السياسى لمدة ٥ سنوات.
اختفاء قيادات الجماعة فى ذلك الحين وعدم مجيء فرغلى بالرد أوعز للقيادة السياسية بأن هناك تدبيرًا يُعد فى الخفاء، وهو ما دفع الرئيس عبدالناصر؛ لتكثيف البحث للوقوف على حقائق ما يجري، الأمر الذى أوصل لاكتشاف تشكيلات موالية لجماعة الإخوان داخل الجيش فى أكتوبر عام ١٩٥٤م، تلك التى فككها «ناصر» قبل أن تمضى قدمًا فى مخطط القيام بحركة عسكرية مضادة. جاءت المحاولة الثانية لاختراق الجيش من قِبَل تيار الإسلام الحركى كردِّ فعل على تفكيك التنظيم السرى للإخوان الذى قاد محاولة لقلب نظام الحكم عبر اغتيال قادة عسكريين وسياسيين والقيام بتفجيرات موسعة فى منتصف الستينيات من القرن الماضى بقيادة سيد قطب، فقد تشكلت مجموعة تطلب الثأر وتسعى للتغيير الفوقى عبر انقلاب عسكري.
تمكن أحد أفراد المجموعة وهو علوى مصطفى من تجنيد عدد من ضباط الجيش، ومن بينهم عصام القمرى وعبدالعزيز الجمل وسيد موسى، ومع انضمام هذه المجموعة من الضباط للجماعة جرى الاختراق الثانى للجيش فى العام ١٩٦٦م، قبل أن تجهضه الأجهزة المصرية بالقبض على القمرى ومجموعته.

تطوير أداء الإرهابيين القتالى
ظلَّ أداء العسكريين السابقين ممن انضموا للتنظيمات الإرهابية جامدًا عند هذا التصور الذى يُعدُّ أقرب إلى الأمنيات منه إلى التكتيك الواقعي، والذى يدور حول فكرة تجنيد بعض الضباط والزج بهم فى خطط حماسية، تتوهم إمكانية إحداث تغيير ما عبر استهداف رأس الدولة وقادة مؤسساتها استنادًا إلى هذا الاستقطاب المحدود، وهو ما تم تتويجه بفشل الضابط الفلسطينى صالح سرية، عبر استقطابه لبعض طلبة الكليات العسكرية، عندما تم إجهاض عملية الفنية العسكرية فى العام ١٩٧٤م.
لم يرقَ هذا النشاط لمستوى إحداث تغيير كان قد راهن عليه غالبية منظرى الإسلام الحركى منذ نشأته، وهذا يرجع لأنه ظلَّ محدودًا فى نطاق النجاح فى تجنيد عدد قليل جدًّا من الضباط للاستفادة بخبراتهم العسكرية، أو لتوظيفهم للقيام بعمليات فى أثناء خدمتهم، كما حدث فى عملية اغتيال الرئيس السادات، وهو النهج الذى لم يؤثر سلبًا فى المؤسسة العسكرية بإضعافها أو استنزافها بشريًّا، علاوة على أنه لم ينجح فى تأسيس كيان عسكرى مناهض لمؤسسات الدولة القائمة، إلى جانب فشله لأسباب كثيرة فى تحقيق الانقلاب الفوقى عبر اغتيال رأس الدولة، ومن ثم الانطلاق فى مسار ثورة إسلامية شاملة.
جاء تطوير هذا النوع من النشاط لتيار الإسلام الحركى عبر رائدين سابقين بسلاح الصاعقة المصرية وهما؛ عبدالعزيز الجمل الذى أسهم فى تطوير أداء فرع القاعدة بسوريا «جبهة النصرة- هيئة تحرير الشام»، بالتعاون مع أحمد سلامة مبروك أحد مؤسسى تنظيم الجهاد بمصر، علاوة على الإشراف على عمل المجموعات التابعة للقاعدة بمصر. ثم هشام عشماوى، الذى وجد فى بعض الإجراءات الإدارية حياله إهانة لكبريائه، فلجأ لاعتناق الأفكار التكفيرية، التى ترجمها لاحقًا لإرهاب مسلح ضد الجيش سبيلًا للثأر لنفسه، وكلاهما «الجمل، وعشماوي» كان لهما دور ملحوظ فى تطوير أداء القاعدة العسكرى والقتالي، مستفيدين من المتغيرات التى خلقت ساحات خارجية للصراع، مكنتهما من إظهار قدرات وإحراز مكانة لم تتح لسابقيهم، بالمقارنة بين مستوى وعدد ونوعية العمليات التى نفذت فى بدايات ظهور هذا النوع من الإرهابيين، ومستوى ونوعية ما تم تنفيذه خلال السنوات القليلة الماضية.
فقد أشرف كلاهما على معسكرات تدريب للقاعدة تباعًا فى أفغانستان وسوريا وسيناء وليبيا، وتخرج على أيديهما أعداد ممن تم تدريبهم على الأعمال القتالية وإعداد المتفجرات والاغتيالات والقنص، والاشتراك فى هجمات مباغتة على دوريات وكمائن عسكرية ثابتة ومتحركة، اعتمادًا على الخبرات والمهارات القتالية والميدانية التى اكتسباها من فترة دراستهما بالكلية الحربية المصرية.
هناك متغير حيوى سمح بتطوير أداء العسكريين السابقين المنضوين داخل التنظيمات الإرهابية من مجرد هوس التخلص المتعجل من رأس الدولة دون امتلاك أى تصور لما يمكن فعله عقب ذلك، إلى حضور تصورات وخطط وامتدادات خارجية ومعسكرات تدريب ومساحات تمركز على الأرض تنطلق منها ما يُشبه حرب العصابات الاستنزافية ضد مؤسسات وأجهزة الدولة العسكرية والشرطية.

وعلى الرغم من رمزية اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات؛ فإن عملية الاغتيال كانت بمثابة الحدث الاستثنائي، والذى عدَّه هذا التيار إنجازًا تاريخيًّا بالنسبة له، على الرغم من أن الأوضاع السياسية والأمنية والحالة العربية والمحلية وتعاون جماعة الإخوان وغيرها هو ما هيأ لنجاح عملية اعتبرها البعض «فلتة» لا تتكرر إلا نادرًا، بالرغم من اشتراك عسكريين متمرسين أصابهم الانحراف الفكرى فى التخطيط لها وتنفيذها.
الجديد الذى واكب نجاحات عبدالعزيز الجمل فى سوريا وهشام العشماوى فى ليبيا هو المشهد الفوضوي، وانهيار مؤسسات الدول، وتفكك الجيوش، أو على أقل تقدير ضعفها –كما فى الحالة السورية- مع وجود فراغ أمنى يسمح بتمدد وتمركز التنظيمات الإسلاموية الإرهابية وإقامة معسكرات تدريب.
هنا يظهر الفارق بين أداء عسكريين عمدوا لاستثمار الفوضى وتعزيز حالة اللادولة واللامؤسسات بهدف السيطرة على السلطة، عندما لا يجد رأسها ما يسنده ويحميه، وآخرين قديمًا وإن نجحوا فى إزاحة رأس الحكم عبر عملية «فلتة»، لكن سرعان ما يصطدمون بالعوائق الصلبة التى تحطمت عليها جميع الخطط المشابهة، من مؤسسات قائمة وأجهزة لا تزال بعافيتها، وشعب قد تكون لدى قطاعات منه بعض الانتقادات للحكومات لكن لديه ثقافة الدولة والانتماء الوطني.
على ضوء هذا التطور، صرنا إزاء تنظيمات إرهابية تتحدى الدولة وتشنّ عمليات نوعية كبرى مثل الهجوم على كمين كرم القواديس بالعريش فى أكتوبر ٢٠١٤م، وقوات الدعم التى حاولت نجدة الكمين، والتى أسفرت عن مقتل ٣٠ من عناصر الجيش والشرطة، وإصابة العشرات فى مقدمتهم قائد الجيش الثانى اللواء خالد توفيق، والاستيلاء على أسلحة أفراد الكمين بالكامل، علاوة على عملية كمين الفرافرة فى العام ٢٠١٤م، التى استشهد فيها ٢٢ مجندًا وضابطًا بالقوات المسلحة، والعديد من التفجيرات التى استهدفت قوات الجيش وتمركزاته بالعريش ورفح أشهرها الكتيبة ١٠١ فى شهر فبراير ٢٠١٥م.
أغرى نجاح عسكريين سابقين بالجيش العراقى فى السيطرة على مساحات واسعة من الأرض، وإعلان قيام «دولة إسلامية» بعض المصريين من الخلفية نفسها فى استنساخ التجربة، مستفيدين من تطوير أبوبكر البغدادى بإسهامات رئيسية من حجى بكر الضابط السابق بالجيش العراقى، للهيكلية التى وضعها سابقًا أبوعمر البغدادى للتنظيم، عبر المزج بين إسلامويين لديهم خبرات تنظيمية سابقة وقادة عسكريين سابقين، لينشأ من هذا الخليط الهجين أسلوب عمل يجمع بين مناهج الجيوش النظامية وأساليب التنظيمات السرية المسلحة.
تصور «العشماوي» أنه قادر على خلق حالة من التماسك التنظيمى عبر ضبط هيكلى مصغر ومشابه لنموذج «داعش» فى العراق، ورأى أن المزاوجة بين الفكر الاستراتيجى والخبرة العسكرية مع الزعامة الدينية الممثلة فى حجى بكر عقيد العمليات الخاصة السابق بالجيش العراقى وأبوبكر البغدادى كمرشد ديني، يمكن صياغتها فى قيادته التى تجسد البُعد العسكرى بجانب عمر رفاعى سرور الذى يُمثل الغطاء الشرعى والفقهي.
اجتذب هذا الخليط أعدادًا من الهاربين عقب فض اعتصام «رابعة العدوية» الخاص بجماعة الإخوان فى العام ٢٠١٣م، عبر جهود جماعة «حازمون» (المنسوبة للقيادى القطبى حازم صلاح أبو إسماعيل) وأبناء المنظر القطبى رفاعى سرور بالتعاون مع فصائل أخرى، علاوة على اجتذاب البعض من الضباط المفصولين من المنحرفين فكريًّا عبر جهود العشماوي، وكان على رأسهم عماد عبدالحميد ويوسف سليمان محمد.
استنسخ عشماوى استراتيجية حجى بكر، الذى تمكن من بناء التنظيم، انطلاقًا من المشهد السورى بداية من جهود خلية سرية صغيرة انتقلت تحت قيادته إلى سوريا فى العام ٢٠١٠م، ولذا فكر عشماوى فى الانتقال إلى ليبيا؛ لتوظيف السيولة والفراغ الأمنى هناك لصالحه لاكتساب القوة والنفوذ والتمدد فى الداخل الليبي، ومن ثم الانتقال والعودة لتهديد العمق المصري، متخيلًا أنه عندما يرجع من ليبيا أكثر قوة سيصبح بمقدوره اجتياح المدن الحدودية الغربية والشرقية، غانمًا أسلحة الوحدات المصرية المتمركزة هناك، مستوحيًا عودة داعش القوية إلى العراق عقب اكتساب النفوذ والقوة فى سوريا.

تكتيك «العشماوى» القتالى
أسهم التحاق عسكريين متمرسين «غير وطنيين ومنحرفى الفكر» بالتنظيمات التكفيرية المسلحة، والذى توج بانضمام هشام عشماوى رائد سلاح الصاعقة المفصول، فى صياغة منهج قتالى مختلف داخل التنظيمات الراديكالية المسلحة، عبر الدمج بين أساليب ومهارات وتكتيكات العسكريين السابقين مع أساليب الجماعات التقليدية، منتجًا حالة أقرب ما تكون للجيوش الصغيرة، وهو ما عدَّ تطويرًا ملحوظًا لحرب العصابات التى تخوضها تلك التنظيمات ضد الجيوش والأجهزة الأمنية.
استفاد العشماوى فى عملياته بمصر وليبيا من تكتيكات «داعش» والمقاتلين الشيشانيين، وعادة ما كان يحرك قوة مهاجمة مزودة بالقواذف الصاروخية والرشاشات الثقيلة ومدافع الهاون، بخطة هجوم مسبقة إلى أقرب نقطة من خط الاشتباك، وفى وقت واحد يستخدم المهاجمون قذائف الهاون والـ «آر بى جي»، ويمطرون القوات المتمركزة بنيران كثيفة بالتزامن مع فتح قوات الإسناد كل الآليات النارية البعيدة مثل مدافع الميدان وغيرها على المواقع الخلفية؛ لمنع الدعم والمؤازرة، فيمَ يصطاد القناصة المدافعين أثناء فورة الهجوم، وهو ما يفسر غزارة القوة النارية التى اتبعها العشماوى فى عملياته النوعية ضد تمركزات الجيش.
وفى حال الهجوم من مسافات بعيدة مكشوفة كانت تستخدم سيارات وشاحنات مفخخة مع إرسال انغماسيين بأحزمة ناسفة لإحداث نوع من الصدمة والمفاجأة، وكمقدمة لهجوم لاحق واشتباك بالأسلحة والرشاشات المتوسطة والثقيلة. وفى النهاية يمكن القول، إن الكيانات والتنظيمات الإسلاموية تعتقد أن مهمتها هى «القضاء على منابع الشر والعدوان، وقطع دابر الجور والفساد فى الأرض، والاستغلال الممقوت، وكبح جماح الآلهة الكاذبة الذين تكبروا فى أرض الله بغير حق، وجعلوا أنفسهم أربابًا، واستئصال شأفة ألوهيتهم، وإقامة النظام الإسلامى العادل».
لا يمكن تصور تحقق أهداف بهذا المستوى بمجرد الوعظ والدعوة بالمساجد، بل يلزمها امتلاك ناصية الأمر، والقبض على زمام الحكم بعد انتزاعه بالقوة من «الطغاة المفسدين؛ عبر تشكيل جبهة إسلامية مسلحة مدربة»، وهو ما يدفعها دائمًا لإضعاف وتفكيك جيش الدولة واستنزافه، مقابل تشكيل قوتها العسكرية البديلة.
العسكريون السابقون ممن أصيبوا بانحراف فكرى وخلل فى ولائهم الوطنى هم كلمة السر فى تطوير أداء التنظيمات المتطرفة والتكفيرية الميدانى والقتالى فى العراق وسوريا وليبيا ومصر، مستفيدين من طبيعة المرحلة والضعف الطارئ الذى أصاب المؤسسات العسكرية والأمنية العربية عقب انتفاضات ما عُرف بـ«الربيع العربي».
طور تنظيم القاعدة عبر عسكرييه السابقين نهجه القتالى من حرب عصابات، وصولًا إلى محاولات أولية من مواجهات الحرب النظامية، فى محاولة لتجاوز مرحلة مجرد الإرباك إلى مستويات الإنهاك والاستنزاف للجيوش والأجهزة الأمنية المستهدفة، وتمكن من تشكيل جيوش صغيرة متنقلة عابرة للحدود.
طمع القاعدة عبر البعض من العسكريين المتمردين، وفى مقدمتهم ضابط العمليات الخاصة المصرية المفصول هشام العشماوى، فى التوصل لإنجاز ما أنجزه عسكريو داعش فى العراق، عندما أسهموا بجهد تكتيكى رئيسى فى السيطرة على مساحة أرض بين العراق وسوريا توازى مساحة بريطانيا.
دعمت الدولة المصرية ليبيا بكل أشكال الدعم لتجاوز مرحلة الفراغ الأمنى والفوضى التى مكنت التنظيمات المسلحة من التمركز على مساحات واسعة من الأرض، ومن احتلال مدن استراتيجية فى العمق الليبي، وهو ما أسهم بشكل كبير فى إعاقة وإجهاض تكتيك الدعم الممتد عبر الحدود المصرية الليبية لهذه التنظيمات.
الاستراتيجية التى انتهجها الجيش المصرى فى مكافحة الإرهاب، والمتمثلة فى خوض حرب مباشرة على الأرض فى مواجهة تلك التنظيمات التى تحولت فعليًّا إلى جيوش صغيرة تمتلك خططًا وعتاد وتسليح الجيوش؛ أدت لحرمان هذه التنظيمات من مساحات تمركزها ومعسكرات تدريبها ومخابئها، وهو ما طبقه الجيش الليبى فى مسار تحريره لمدن بنغازى ودرنة.
ضرب تمركزات وجيوش الإرهابيين الصغيرة والمتنقلة على الأرض فى سيناء وعلى الحدود الغربية وفى العمق الليبي، أفشل مخطط العشماوى ومعاونيه وحرمهم من الإبقاء على نشاطهم العسكرى ككيان مُتَّحدٍ داخل نطاق مُسيطَر عليه، الأمر الذى نزع من قواته الفعالية على الأرض بعد تشتتها داخل نطاق جغرافى واسع.
وتمكن الجيشان المصرى والليبى من حرمان التنظيمات الإرهابية من مساحات تمركزها، ومن اختراق منظومة الاتصالات الخارجية والداخلية؛ ما أفقد قادتها السيطرة وعزل مجموعاتها إحداها عن الأخرى وقطع عنها الإمداد والدعم، كما حرمهم من إعداد مراكز سيطرة وقيادة بديلة، وهو ما أدى لانكشاف قيادات التنظيم وصولًا إلى القبض على أهمهم وأخطرهم.
لا تنبغى الثقة فى تنظيمات خارج شرعية ومظلة الدولة الوطنية، ولا تصح الاستهانة بالفراغ الأمنى ومظاهر الفوضى وانعدام السيطرة الأمنية التى تجيد تلك التنظيمات توظيفها، وتسعى بالتوازى مع مواصلة ضرب القوة الصلبة للدولة ممثلة فى أجهزتها الأمنية ومؤسستها العسكرية لإقامة دولة بديلة بمنهج حكم بديل وبقوة عسكرية بديلة.
يؤشر تحرير المدن وكامل الأرض من هذه التنظيمات والقضاء أو القبض على العسكريين السابقين ذوى الخبرات العسكرية الخاصة لمرحلة أفول وانحسار لممارسات تلك التنظيمات، ويشى بتراجع قدراتها على تنفيذ عمليات نوعية ضد الجيش والأجهزة الأمنية ورموز الدولة مجددًا.