البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

المترجم يحيى مختار لـ"البوابة نيوز": معدل القراءة لدى العرب منخفض.. والترجمة الصينية في أفضل أحوالها

المترجم يحيى مختار
المترجم يحيى مختار

يأتي المترجم المصري يحيى مختار كواحد ممن برزت ترجماتهم بجدارة وحرفية عالية عن الصينية التي درسها لما يزيد عن خمسة عشر عامًا، هو كذلك يكتب بالصينية بشكل يختلط على القارئ الصيني الذي قد يشك في أنه أجنبيًا؛ فالرجل اختار أن يُكمل حياته المهنية في أجواء الثقافة والأدب الصيني، حيث ينهي هذا العام دراسته للدكتوراه في تخصص الأدب المقارن باللغة الصينية في جامعة بكين للغات العريقة والتي حصل على الماجستير منها أيضًا؛ لتبرز ترجماته التي تعدت خمسة عشر عملًا عن الصينية بجوار مشاركته في الفعاليات الثقافية الكبرى بين الصين والدول العربية.
تميز أسلوب يحيى في ترجماته بالأسلوب الوسطي المتزن الذي لا ينتصر لنص على حساب الأخر، فهو لا يبالغ في استخدام مترادفات عربية تبدو رنانة للأذن العربية ولكنها لا تتوافق مع الأصل الصيني، كما يحاول في ترجماته فك رموز وطلاسم الأصل الصيني بلا تعقيد أو تنفير للقارئ مع الحفاظ على الشكل الأدبي وطريقة السرد المفضلة للمؤلف الصيني، يتواصل أثناء الترجمة مع الأديب الذي يترجم له ليسأل عما يعنيه بين السطور، ويشرح للأديب وجهة نظره في فهم معاني الأصل ومقترحاته حول تحويلها للغة النقل. في الوقت نفسه تربى في جنبات الأزهر حتى تخرجه من جامعته، ليتشرب العربية السليمة ويخرج أعماله المترجمة بلا تسطيح.
عبر البريد الالكتروني تحدثت "البوابة نيوز" مع المترجم الحاصل على العديد من التكريمات الأدبية فهو الطالب المثالي بجامعة بكين للغات، والحائز مع فريقه على المركز الأول في مسابقة المناظرة بالغة الصينية على مستوى جامعات بكين، وأيضا حاصل على جائزتين رفيعتين عن مقالات سردية كتبها بالصينية، وكلا الجائزتين تحمل اسم أحد رمزو الأدب الصيني.

-ما بين الدراسة الأزهرية ودراسة اللغة الصينية جاء تمكنك اللغوي. كيف ساهم ذلك في إثراء عملك كمترجم؟
بالطبع الكل يعرف ان هناك اختلافا بين الدراسة الأزهرية ونظيراتها في المدراس الأخرى، لأن الطالب الأزهري يتلقى منذ صغره علوم القرآن واللغة العربية من نحو وصرف وبلاغة ومطالعة لأمهات وكلاسيكيات الكتب والآداب العربية بشكل مكثف، وهو ما يعمل على صقل اللغة العربية لديه بشكل أكبر مما يجعله يتعامل مع اللغة بشكل أكثر مرونة خاصة اللغة المكتوبة، اضف الى ذلك ان المطالعة المكثفة التي توضع على عاتق الطالب الأزهري خلال سنوات دراسته تجعله ملما وشغوفا بالقراءة بوجه عام فتجده في الغالب مهتما أيضا بمطالعة الآداب الأخرى المختلفة. بالطبع هذا وحده لا يكفي لصناعة مترجم بارع ولكنه بالـتأكيد أحد العوامل الهامة التي قد تميز الطالب الأزهري عن غيره وتسهل عليه امتهان حرفة الترجمة من اللغات الأخرى حال اتقانه لإحدى اللغات الأجنبية. 

-كيف تنتقي الأعمال التي تقوم بترجمتها؟
بالرغم من وجود الكثير من الترجمات الأدبية من الصينية الى العربية في الآونة الأخيرة إلا أن وجود الأدب الصيني لا يزال محدودا وغير مألوف لدي القارئ العربي بخلاف غيره مثل الأدب الإنجليزي واللاتيني بل وحتى الياباني، وعند انتقاء الأعمال يجب مراعاة هذه الحالة، ففي الغالب ننتقي اعمال لأدباء مشاهير ترجمت أعمالهم سابقا للغات أخرى وهو ما يسهل للقارئ العربي التعرف عليهم، هناك أيضا عامل أخر وهو اختيار الاعمال التي تتسم بطابع الحداثة لتكون قريبة الى القارئ الشاب المهتم بمعرفة أحوال المجتمع الصيني والنهضة الهائلة التي طرأت عليه في العقود الأخيرة. نقطة أخرى هي مراعاة اختيار القصص القصيرة والمتوسطة قدر الإمكان، فمعروف ان معدل القراءة لدى الشباب العربي منخفض، والروايات الطويلة قد تكون سببا في عزوفه عن القراءة. وعلى أي حال لن تكون هذه هي الحال الدائمة بالنسبة لانتقاء الاعمال الأدبية الصينية، فبالتزامن مع انتشار الترجمات الأدبية الصينية وتحول الأدب الصيني الى مادة معروفة لدى القارئ العربي يمكن توسيع دائرة الاختيار لتقديم ادباء محليين وأعمال تتناول قضايا مختلفة. 
-ماذا تفضل.. ترجمة المقالات أم الكتب العلمية أم الأعمال الأدبية؟
بالنسبة لي انا أفضل الأعمال الأدبية لعدة أسباب، منها ان هذا هو مجال دراستي حيث أن تخصصي هو الأدب الصيني ودراستي للدكتوراه تتركز حول الأعمال الأدبية الصينية، ومنها أيضا كما هو معروف ان الترجمة الأدبية تمثل التحدي الأكبر لدى المترجم نظرا لما تتطلبه من حرفية ومهارة لغوية عالية، وكممارس للترجمة منذ سنوات أرى أن خوض تحديات الترجمة الأدبية هو الأمر المفضل لدي، ناهيك عن متعة قراءة الأدب وكونها تتيح لي قراءة المزيد من الاعمال الأدبية والتعرف على مؤلفيها. 

-غالبا ما يتم اتهام النص المترجم بأنه يفتقد لروح العمل الأصلي.. هل الأمانة العلمية تقتضي بترجمة النص مهما بدا غامضا أم يلجأ المترجم للمفردات التي تساعد قارئ اللغة الجديدة في فهم نصه؟
بالطبع الأمانة العلمية تقتضي ترجمة النص كما هو دون تغيير مراعاة لروح العمل الأصلي، ولكن الوضع قد يختلف قليلا بالنسبة للأدب الصيني، فكما ذكرت سابقا، الأدب الصيني لا يزال في مرحلة مبكرة من الانتشار عند القارئ العربي، وكذلك هو الوضع بالنسبة للثقافة الصينية بطبيعة الحال، وبالنسبة لي أعتقد أن الوضع يقتضي اللجوء الى اجراء بعض التعديلات البسيطة قدر الإمكان لتجنب الغموض الذي قد يحيط ببعض النصوص الأدبية وما الى ذلك من الخلفيات الثقافية والتاريخية التي قد لا يفهمها القارئ او يراها غريبة. بعض المترجمين قد يلجأ الى الحواشي والتعريفات الهامشية ولكني اعتقد أن هذه الطريقة غير مناسبة لقارئ الأدب، فتوقف القارئ خلال مطالعته النص الأدبي لقراءة الهامش أو الحاشية قد يفقده بعضا من متعه القراءة وهو عكس ما ينشده المترجم. وأكرر أن هذا الوضع سيتغير مستقبلا مع انتشار الأدب والثقافة الصينية ولن يجد المترجم نفسه مضطرا إلى القيام بالكثير من التعديلات او الحواشي والهوامش. 
-كيف يمكن فك رموز وطلاسم الأصل الصيني بلا تعقيد أو تنفير للقارئ مع الحفاظ على الشك الأدبي وطريقة السرد المفضلة للمؤلف الصيني؟ 
أولا يجب على المترجم ان يكون متعمقا في كلا الثقافتين الصينية والعربية، ولدية الموهبة اللغوية والمصطلحات اللازمة للتنقل والتعامل بين اللغتين بكل سلاسة والبعد عن التعقيد، وان يكون على دراية بالتيارات الأدبية السائدة. ثانيا انه على المترجم الا يجد حرجا في الاستعانة بالقواميس والمعاجم والمواقع التي قد تعطيه معلومات أكثر عن النصوص التي بها احداث تاريخية او خلفيات ثقافية تحتاج الى فهم أعمق وتتيح له الاختيار من عدد أكبر من المصطلحات. ثالثا انه من المهم جدا قبل الشروع في الترجمة ان يقرأ المترجم العمل كاملا بصفته قارئ عادي لكي يستلهم روح وأسلوب الكاتب، وان يطالع اعمال أخرى لنفس الكاتب لاستشراف طريقته في الكتابة، أضف الى ذلك ان قراءته للأعمال النقدية والأبحاث المتعلقة بالعمل الذي يعكف على ترجمته تحديدا والأعمال الأخرى للكاتب بشكل عام. نقطه أخرى هي انه على المترجم ان يقوم بعمل مقدمة للعمل يقوم فيها بعمل تعريف شامل عن الكاتب واعماله وأسلوبه ووضع بعض الخطوط العريضة للرواية بشكل يحفز ويشجع القارئ ويمنحه بعض الشغف لقراءة هذه الرواية. من المهم أيضا اختيار عنوان مناسب للرواية حال كان العنوان الأصلي به بعض الغرابة التي قد لا تناسب ذوق القارئ العربي. 

-حدثني عن علاقة الأديب بالمترجم، خاصة أنك تقوم بالترجمة من النص الأصلي مباشرة. 
علاقة الأديب بالمترجم هي عامل هام من عوامل نجاح عملية الترجمة، فالتواصل بينهما يتيح للمترجم الفرصة للتعرف على شخصية وطباع الكاتب عن قرب، كما يتيح له الفرصة لسؤال الكاتب عن بعض الأمور التي يحتاج الي فهمها بشكل أكبر، والخلفية أو الالهام الذي استوحي منه الكاتب قصته وشخصياته والأماكن والأحداث وما إلى ذلك، كما يتيح له أيضا اخذ رأيه في إجراءات بعض التعديلات او ربما حذف بعض الجمل والعبارات التي قد يراها المترجم غير مناسبة للبيئة والثقافة للغة التي ينقل اليها. 
-ماذا عن الترجمة من العربية إلى الصينية؟ 
للأمانة حاليا معظم اعمال الترجمات التي يقوم بها المترجمون العرب تكون من الصينية الى العربية ان لم تكن كلها. في حين يضطلع المستعربون الصينيون بالترجمة العكسية أي من العربية الى الصينية، والسبب في ذلك بسيط الا وهو الصعوبة الكبيرة التي تواجه المترجم في النقل من العربية الى لغة غير لغته الأم، لا يقتصر ذلك على النقل من العربية الى الصينية فحسب بل هو أمر شائع في باقي اللغات الأخرى. ويتضح ذلك جليا في الترجمات الأدبية بشكل أخص. فمن الصعب على المترجم العربي ان يكتب نصا أدبيا بلغة أجنبية يوازي في صياغته واسلوبه النص العربي، ناهيك عن الركاكة والأخطاء التي قد لا ينتبه اليها. ومن هنا تقتضي نظريات الترجمة ان يكون النقل من اللغة الأجنبية الى اللغة الأم وليس العكس. الأمر ينطبق أيضا على المستعربين الصينين فنادرا ما تجد من ينقل منهم الى العربية. بالطبع يكون هذا أكثر صعوبة حين الكلام عن النقل من العربية الى الصينية، فكلاهما تعدان من أصعب اللغات في العالم. 
-كيف ترى ذائقة القارئ الصيني؟
القراء الصينيين خاصة جيل الشباب مهتمون بشكل أكبر بالأدب الذي يعكس همومهم ومشاكلهم وحياتهم اليومية، يتضح ذلك مثلا في رواج اعمال جيل الأدباء الشبان المعنيين بالكتابة عن هموم جيلهم، مثل الكاتب شيو تسي تشن الذي تتركز معظم اعماله عن الشباب الكادح القادم من خارج المدينة للعمل بها والمعاناة التي يواجهها هؤلاء الشباب من أجل الحصول على فرص عمل والسعي نحو حياه أفضل وسط مجتمع المدينة المعقد وظروف المعيشة التي لا تعترف الا بالكد والعمل. كما ان هناك أيضا ظاهرة أدب الانترنت التي انتشرت بسرعة في الآونة الأخيرة وهي في معظمها تتناول قضايا الشباب وهمومهم ومشاكل واقعية من حياتهم اليومية وهو ما يشبه بشكل كبير اهتمام وذوق القارئ العربي. هناك أيضا نسبة لا بأس بها من جيل الشباب مهتمون بالاطلاع على الآداب الأجنبية كالأدب الروسي الذي يحظى بقبول كبير في الصين نظرا للتقارب الكبير بين الثقافتين خلال الحقبة والسوفيتية وهناك أيضا الأدب الإنجليزي واللاتيني. الأمر قد يختلف قليلا بالنسب لكبار السن الذين يفضلون قراءة الأعمال الكلاسيكية الصينية القديمة. 
-كيف ترى العلاقة الثقافية بين الصين والدول العربية؟ 
العلاقة بين الصين والدول العربية علاقة قديمة وقوية وممتدة تعود الى أكثر من ألف عام مضت حيث نشأ ما يعرف بطريق الحرير البري والبحري الذي ربط بين الصين والدول العربية من خلال التبادلات التجارية والتي لم تخلو أيضا من التبادلات الثقافية. الإسلام انتشر في الصين أيضا عبر هذين الطريقين. واليوم تعد العلاقات الصينية العربية في أفضل حالاتها، فمصر هي واحدة من أولى الدول التي اعترفت بقيام جمهورية الصين الشعبية في الثلاثين من مايو عام 1956، وتلا ذلك إقامة علاقات دبلوماسية شاملة مع الصين، ولم تنقك العلاقات عن التطور في العقود اللاحقة لتتوج بإقامة علاقات استراتيجية شاملة بين البلدين في السنوات الأخيرة. لا يختلف الحال أيضا بالنسبة لباقي الدول العربية التي اقامت معظمها علاقات استراتيجية شاملة مع الصين. والصين هي الشريك التجاري الأكبر للدول العربية، كما أنها مهتمة بنشر ثقافتها ولغتها في المنطقة العربية من خلال انشاء معاهد كونفوشيوس التي بلغ عددها أكثر 12 معهدا في المنطقة العربية، وترسل الصين سنويا اعدادا كبيرة من المدرسين الصينين للتدريس في تلك المعاهد. هناك أيضا منتدى التعاون الصيني العربي الذي يعقد دوريا وتتضمن أطره العديد من المبادرات الثقافية، وكذلك مشاريع الترجمة المشتركة والمتبادلة، والمراكز الثقافية الصينية في البلدان العربية والمعاهد البحثية العربية في الصين، وأيضا التبادلات الثقافية في المجال الفني وعروض الأفلام والحفلات الموسيقية والغنائية. كما تنظم الجهات الرسمية العديد من المسابقات يتبارى فيها الدراسون للغتين سواء الصينية والعربية. وتنمو وتيرة هذه العلاقات بسرعة كبيرة في ظل الزيارات المتبادلة المكثفة بين قادة الصين والدول العربية. يمكننا القول ان العلاقات الثقافية العربية الصينية تمر بأزهى عصورها وهي كما يقول الصينيون نموذجا يحتذي به للعلاقات بين الدول وبعضها. 

-الأدب المصري الحديث. هل له نصيب من الترجمة الصينية؟ 
بالفعل نعم، فقد ترجمت معظم أعمال نجيب محفوظ إلى الصينية، وهناك أيضا بعض اعمال طه حسين والكثير من مؤلفات يحي حقي ويوسف ادريس وتوفيق الحكيم وعبد الرحمن الشرقاوي واحسان عبد القدوس وغيرهم. وقد ذكرت خلال حديثي عن التبادلات الثقافية الصينية العربية عن مشاريع تبادل الترجمة والنشر بين الصين والدول العربية، والذي كان من ثماره مؤخرا ترجمة العديد من الأعمال الأدبية المصرية الحديثة أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر "واحة الغروب" لبهاء طاهر، و"بيت الديب" لعزت القمحاوي، و"الطوق والأسورة" ليحيى الطاهر عبد الله، و"فساد الأمكنة" لصبري موسى، و"الزيني بركات" لجمال الغيطاني وغيرها من الأعمال المصرية الحديثة. وجاري أيضا العمل على مجموعة أخرى من المؤلفات ضمن هذا المشروع. 

-ماذا تقول بعد عشرة أعوام من الترجمة؟ 
هي فن يتطلب اتقانه بذل الكثير من الجهد والعمل الشاق، قلا بد للمترجم ان ينمي مهاراته عن طريق كثرة الاطلاع والتدريب المستمر. وعلى المترجم ان يعي جيدا الدور الهام الذي يضطلع به في الربط والتواصل بين الحضارات والثقافات المختلفة، فلولا الترجمة لكانت كل امه منعزلة على نفسها وما أتيح لأفرادها الاطلاع على فنون وآداب الأمم الأخرى. وعلى المترجم أن يتوخى الأمانة والحذر في النقل قدر المستطاع. عليه أيضا أن يتحلى بالصبر وان يكون عالي الهمة والعزيمة، فترجمة عمل واحد قد تستغرق شهور بل ان بعضها يحتاج الى سنوات. تبقي هناك بعض المشكلات التي تؤدي الى عزوف بعض دارسي اللغات الأجنبية عن الترجمة ألا وهي ان المترجم غالبا من ينتقص من دوره وينظر اليه على أنه في مرتبة أدنى بكثير من كاتب العمل، كما ان الترجمة في حد ذاتها لا تعد من ضمن الإنجازات الأكاديمية للمترجم حال كان عاملا في الحقل الأكاديمي، أضف الى ذلك ان المردود المادي من عملية الترجمة قد لا يرقى الى تطلعات البعض نظرا للمجهود والوقت الكبير الذي تستغرقه عملية الترجمة. وبغض النظر عن هذه الأمور تبقى الترجمة واحدة من أنبل المهن واسماها وهي أثر يتركه المترجم يبقى على مدى الأيام ويؤثر في الكثيرين.