البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

إهانة الرموز


من حق أى نائب فى مجلس النواب أن يتقدم بمشروع قانون جديد، ولأعضاء المجلس الحق فى إقرار هذا القانون أو رفضه، خاصة إذا كان يتعارض مع مواد دستورية أساسية تتعلق بحرية الرأى والبحث العلمى بما يتضمنه من بحوث تاريخية واجتماعية، وقد تابعت كمعظم المصريين المهتمين بالشأن العام ما أثير مؤخرًا حول مشروع قانون إهانة الرموز والشخصيات التاريخية المقدم من النائب عمر حمروش أمين سر لجنة الشئون الدينية والأوقاف وهو القانون الذى بموجبه سيعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات كل من أساء لرمز أو لشخصية تاريخية.
وقبل إقرار القانون دعونا نتساءل عن المقصودين بالرموز التاريخية، فالكلمة ممجوجة ومطاطة، وهى تفتح بابًا للجدل الواسع، ففى حين أنك تعتبر كل من حكم مصر رمزًا تاريخيًا فإننى مثلًا أعتبر أن الخديوى توفيق كان خائنًا عندما استدعى الإنجليز لحماية عرشه وللخلاص من عرابي، وقد يرى البعض أن عرابى نفسه قد أخطأ فى تعامله مع فتنة الإسكندرية قبيل الاحتلال الإنجليزي، فهل يعد هذا الانتقاد إهانة لعرابى الذى هو أحد الرموز التاريخية والوطنية، وهل يجوز لنا أن نحاكم أمير الشعراء أحمد شوقى الذى هجا عرابي، أو نصادر المقالات التى كتبها الزعيم الوطنى مصطفى كامل والتى ينتقد فيها عرابي، وماذا لو أن أحدًا كتب عن ملحمة أكتوبر مقالًا أو دراسة أو فيلمًا سينمائيا، وذكر أن الفريق الشاذلى كان يود إعادة قواتنا المسلحة من الضفة الشرقية للقناة وذلك للقضاء على الثغرة فرفض الرئيس السادات ذلك الاقتراح ورفضه كذلك المشير أحمد إسماعيل ومعظم قادة القوات المسلحة فهل سيعد ذكر هذا إهانة لأحد الرموز فيصبح من حق أسرة الشاذلى أن تحرك دعوى قضائية بموجب هذا القانون ضد من كتب هذه الحقائق التاريخية الثابتة، وهل يعتبر يوسف بن أيوب الشهير بصلاح الدين الأيوبى الكردى الأصل رمزًا من رموز الوطنية المصرية ولا يجب على أحد من الباحثين أو الأكاديميين انتقاده؟ وهل يعد ابن تيمية فى نظر لجنة الشئون الدينية والأوقاف بمجلس النواب هو أحد الرموز الدينية التى لا يجب تفنيد آرائها أو انتقادها؟ وهل يدخل فى هؤلاء سيد قطب باعتباره رمزًا دينيًا عند البعض؟ وبالمناسبة فإن هؤلاء سيلجأون حتمًا للقضاء بموجب هذا القانون وذلك للنيل ممن انتقدهم وحارب أفكارهم، وقد نفاجأ بأن محكمة ما قد قبلت الدعوى واعتبرت سيد قطب أو حسن البنا رمزًا دينيًا لا يجب إهانته أو انتقاده وهنا تقع كارثة اجتماعية حقيقية، إذ من الصعب وضع لائحة تضم أسماء الرموز التى يقصدها القانون، وإذا حدث ذلك فهل سيكون الملك فاروق ضمن هذه الأسماء؟ وماذا لو أن أحدًا كتب عن قصص غرام الملك مع الساقطات وهو الشىء الذى لم يقلع عنه حتى بعدما تنازل عن عرشه وسافر إلى إيطاليا حيث مات فى أحد المطاعم وكانت جليسته عاهرة، فهل هذا يعد إهانة لفاروق؟ وماذا عن رافضى قرار الرئيس السادات بفتح الأبواب للجماعات الإسلامية عقب توليه فى ١٩٧٠ لوقف المد الشيوعى الذى توغل فى الستينيات، هل انتقاد الرئيس السادات على هذا القرار أو غيره يعد جريمة؟ وهل من الإهانة اعتبار بعض الباحثين أن قرار عبدالناصر بدخول حرب اليمن هو بداية التدهور الحقيقى الذى حدث لمصر؟ وهل سيمنع هذا القانون عرض فيلم «الكرنك» أو «إحنا بتوع الأتوبيس» لأنهما من الأفلام التى تدين فترة حكم عبدالناصر؟ وما المقصود بكلمة إهانة؟
إنها أسئلة كثيرة حول قانون يذكرنا بتلك القوانين التى أصدرها آباء الكنيسة الرومانية فى العصور الوسطى وتسببت فى دفع الإنسانية نحو نفق مظلم استمر لأكثر من ألف ومائتى عام، وليس من المعقول أن ينص الدستور صراحة على حرية الفكر والرأى والبحث والإبداع وذلك فى المواد ٦٥ و٦٦ و٦٧ و٧٠و٧١ ومع ذلك نجد من يريد تعطيل هذه المواد بقانون كهذا، فقد جاء بالمادة ٦٥ من الدستور أن حرية الرأى والفكر مكفولة ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر، كما نصت المادة ٦٦ على حرية البحث، وقد يصل الباحث مثلا إلى نتيجة مفادها أن محمد نجيب كان متآمرًا على عبدالناصر وأنه اتفق مع الإخوان على قتله فى حادث المنشية، فهل نشر هذا يعد خرقا للقانون وإهانه لنجيب باعتباره رمزًا وطنيًا لا يجب المساس به؟ إننى على يقين تام من أن عددًا كبيرًا من أعضاء مجلس النواب سيقفون ضد إخراج هذا القانون للنور خاصة هؤلاء النواب الذين يقدرون قيمة الفكر والبحث والحرية، ولا أظن أبدًا أن كاتبًا ومفكرًا كعبدالرحيم علي، أو صحفيًا ووزيرًا سابقًا للإعلام كأسامة هيكل، أو مخرجًا ينتصر للحرية كخالد يوسف أو باحثة مستنيرة كآمنة نصير أو الدكتور عماد جاد أو الدكتورة لميس جابر، وغيرهم كثيرون من أعضاء مجلس النواب سيوافقون على مثل هذا القانون.