البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

سمير أمين.. ونقد الإسلام السياسي

المفكرون المصريون،
المفكرون المصريون، خبرَ وفاة المفكر المصري سمير أمين

تلقى المفكرون المصريون، خبرَ وفاة المفكر المصري سمير أمين، كالصاعقة التي هزت أرجاء البنيان الثقافي والفكري، فلم يكن "أمين" مفكرًا عاديًا، فهو المهموم دومًا بنقد الأطروحات الرأسمالية، وتفكيك تلك النظريات المستغلة للمواطنين، وفي هذه الإطلالة سوف نعرض لبعض أرائه وأطروحاته حول الإسلام السياسي، حيث يؤكد في الكثير من مقالاته أن: "ظهور الحركات التي تنتسب للإسلام، هو في واقع الأمر للتعبير عن التمرد العنيف ضد النتائج السلبية للرأسمالية القائمة فعلًا، وضد الحداثة غير المكتملة والمشوهة والمضللة التي تصاحبها. إنه تمرد مشروع تمامًا ضد نظام لا يقدم للشعوب المعنية أية مصلحة على الإطلاق.
إن الخطاب الإسلامي الذي يُقَدَم كبديل للحداثة الرأسمالية - والتي تُضم إليها تجارب الحداثة الاشتراكية التاريخية أيضًا-، ذو طابع سياسي وليس دينيا. أما وصفه بالأصولية كما يحدث غالبًا، فلا ينطبق عليه بأي شكل، وهو، على أي حال، لا يُستخدم إلا على لسان بعض المثقفين الإسلاميين المعاصرين، الذين يوجهون خطابهم إلى الغرب، بأكثر مما يوجهونه إلى قومهم".
ويقول "أمين"، في مقالة له نشرت في عام 2006، على موقع "الحوار المتمدن"، إن المبشرين (بالنهضة الإسلامية) لا يهتمون بأمور اللاهوت، وكل ما يبدون اهتمامهم به من الإسلام هو الشكل الاجتماعي والتقليدي للدين، الذي لا يخرج عن الممارسات الدقيقة والشكلية للشعائر والإسلام كما يتحدثون عنه يعبر عن "جماعة" ينتمي إليها الإنسان بالإرث كما لو كانت جماعة "عرقية"، وليس اعتقادا شخصيًا يختاره المرء أو لا يختاره، يؤمن به أو لا يؤمن. فالأمر لا يتجاوز تأكيد "هوية جماعية"، ولهذا السبب ينطبق تعبير الإسلام السياسي على هذه الحركات تمامًا". والإسلام السياسي حسب رؤية سمير أمين يرفض فكرة الحداثة المحرّرة، ويرفض مبدأ الديمقراطية ذاته -أي حق المجتمع في بناء مستقبله عن طريق حريته في سن التشريعات. أما مبدأ الشورى الذي يدعى الإسلام السياسي أنه الشكل الإسلامي للديمقراطية، فهو ليس كذلك، لأنه مقيد بتحريم الإبداع، حيث لا يقبل إلا بتفسير التقاليد "الاجتهاد"، فالشورى لا تتجاوز أيًا من أشكال الاستشارة التي وجدت في مجتمعات ما قبل الحداثة، أي ما قبل الديمقراطية. ولا شك أن التفسير قد حقق في بعض الحالات تغييرًا حقيقيًا عندما كانت هناك ضرورات جديدة، ولكنه حسب تعريفه ذاته -رفض الانفصال عن الماضي- يضع الصراع الحديث من أجل التغيير الاجتماعي والديمقراطية في مأزق.
الإسلام السياسي والرأسمالية المتوحشة
يربط "أمين" بين حركات الإسلام السياسي والرأسمالية المتوحشة، فيؤكد مرارا أنه: "لا يتعارض خطاب رأس المال الليبرالي للعولمة مع خطاب الإسلام السياسي، بل هما في الواقع يكمل أحدهما الآخر تمامًا. فالإيديولوجية "الجماعية" على الطريقة الأمريكية، التي يجري الترويج لها حاليًا، تعمل على إخفاء الوعي والصراع الاجتماعي لتحل محلهما "توافقات" جماعية مزعومة تتجاهل هذا الصراع. واستراتيجية سيطرة رأس المال تستخدم هذه الإيديولوجية لأنها تنقل الصراع من مجال التناقضات الاجتماعية الحقيقية إلى العالم الخيالي، الذي يوصف بأنه ثقافي مطلق عابر للتاريخ. والإسلام السياسي هو بالدقة ظاهرة "ماعية". 
ودبلوماسية القوى السبع العظمى، وخاصة الدبلوماسية الأمريكية، تعرف جيدًا ماذا تفعل عندما تؤيد الإسلام السياسي. فقد فعلت ذلك في أفغانستان، وأطلقت على الإسلاميين هناك اسم "المحاربين من أجل الحرية"! ضد الديكتاتورية الشيوعية الفظيعة، مع أن النظام الذي كان قائمًا هناك، كان مجرد محاولة لإقامة نظام استبدادي مستنير حداثي وطني شعبي، كانت لديه الجرأة لفتح أبواب المدارس للبنات. وهي مستمرة في هذا التأييد من مصر الى العراق، لأنها تعلم أن الإسلام السياسي سيحقق -لها- إضعاف مقاومة الشعوب المعنية، وبالتالي تحويلها إلى الكومبرادورية.
ونظام الحكم الأمريكي، بما عرف عنه من استغلال لأخطاء الآخرين، يعرف كيف يستخلص فائدة أخرى من الإسلام السياسي. فهو يستغل "تخبطات" الأنظمة التي تستلهمه - مثل نظام طالبان - "وهي في حقيقة الأمر ليست تخبطات وإنما هي جزء لا يتجزأ من مشروعها"، كلما فكرت الإمبريالية في التدخل، بفظاظة إن لزم الأمر. 
وبهذا وحسب سمير أمين، يقف الإسلام السياسي في خندق الرأسمالية والإمبريالية المهيمنة، إنه يدافع عن مبدأ الطبيعة المقدسة للملكية، ويجيز عدم المساواة وكل متطلبات إعادة الإنتاج الرأسمالي، ودعم الإخوان المسلمين في البرلمان المصري للقوانين الرجعية الحديثة التي تعزز حقوق ملكية المالكين على حساب حقوق المزارعين المستأجرين "ويؤلفون أغلبية الفلاحين الصغار" ليس سوى مثال بين فئات أخرى. لا يوجد مثال ولو قانونًا رجعيًا واحدًا، مقرًا في أي بلد إسلامي عارضته الحركات الإسلامية. زيادة على ذلك، مثل تلك القوانين تقر وتنشر بموافقة قادة النظام الإمبريالي. وهنا نفهم أن الإسلام السياسي ليس ضد الإمبريالية، حتى ولو ظن مناضلوه عكس ذلك ! إنه حليف ثمين للإمبريالية والرأسمالية المتوحشة.
وبهذا يكون الإسلام السياسي ليس فقط رجعيًا في بعض المسائل "ولا سيما فيما يتعلق بوضع المرأة"، وربما هو مسئول عن التعصب المتطرف الموجه ضد المواطنين غير المسلمين "مثل الأقباط في مصر"، إنه رجعي بأساسه، ومن الواضح بالتالي أنه لا يستطيع المساهمة في التقدم في تحرير الشعب.