البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

عقوبات أوروبا على روسيا تكشف تناقض السياسات الغربية

الرئيس الروسي فلاديمير
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

القارة العجوز تجمد أرصدة شركات «جسر القرم».. وموسكو ترد باستهداف واردات الغذاء الغربية 
44 كيانًا و155 شخصًا طالتهم العقوبات.. و40% من واردات الغاز الأوروبية «روسية»
38 مليار يورو صادرات برلين لموسكو.. وألمانيا تستورد 30% من استهلاك الطاقة من روسيا

مع تغير النظام العالمى وسعى القيادة الروسية لاستعادة المكانة باعتبارها فاعلًا دوليًا محوريًا فى كل القضايا العالمية بدأت الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى بالتحالف معًا للتصدى للطموح الروسى للرئيس «فلاديمير بوتين» والمرتكز على القومية الوطنية للدولة الروسية.
وعليه؛ فقد أولى «بوتين» أهمية استراتيجية لعمقه الجغرافى ومحيطه الإقليمي، تمثل ذلك فى تدخله فى الأزمة الأوكرانية باعتباره فاعلًا دوليًا مهمًا فى إدارتها لأنها تؤثر بشكل كبير على الأمن القومى الروسي، علاوة على ضم شبه جزيرة القرم لتكون جزءًا من الأراضى الروسية الأمر الذى رفضه الغرب بشدة معتبرين ذلك تهديدًا للأمن الأوروبى ليس هذا فحسب بل للأمن والسلم العالمي. 
عقوبات جديدة على «كيرتش ستريت»
اتخذت الدول الغربية بالتعاون مع واشنطن عددًا من الإجراءات الرادعة للتحركات الخارجية لموسكو تجسدت فى فرض عقوبات اقتصادية فى يوليو ٢٠١٤، وتم تفعيل العقوبات بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة وكندا وشركاء آخرين، للضغط على موسكو للتراجع عن سياساتها المعادية من وجهة نظر الغرب لمصالح الاستراتيجية.
تجلت فى تجميد الاتحاد الأوروبى أرصدة ست شركات روسية لمشاركتها فى بناء جسر جديد للطرق والسكك الحديدية يربط بين روسيا وشبه جزيرة القرم؛ حيث أمر الكرملين ببناء جسر «كيرتش ستريت» فى ٢٠١٦ بقيمة ٣.٦ مليار دولار، ويبلغ طوله ١٩ كم، ويمتد فوق مضيق كيرتش الواصل بين بحرى آزوف والأسود، واستغرق تشييده ٢٧ شهرًا.
الموقف الروسي
انتقدت موسكو العقوبات الأوروبية الجديدة التى استهدفت الشركات المشاركة فى عملية البناء باعتبارها استهدافًا واضحًا وتقويضًا موجهًا ضد سكان القرم. والجدير بالذكر؛ بلغ عدد الكيانات التى فرض عليها عقوبات من قبل مجلس الاتحاد الأوروبي ٤٤ كيانًا بالإضافة إلى ذلك، فرض الاتحاد الأوروبى حظرًا على السفر وتجميد للأصول على ١٥٥ شخصًا بموجب نظام العقوبات.
وأوضحت وزارة الخارجية الروسية أن العقوبات الجديدة ما هى إلا مبرر لتدخل آخر فى الشئون الداخلية لروسيا. كما أعربت فى بيان «أن القرار الأوروبى الصادر فى ٣٠ يوليو والقاضى بفرض عقوبات أحادية وغير مشروعة على عدد من الشركات الروسية التى شاركت فى بناء جسر القرم قرارًا مؤسفًا».
العقوبات الاقتصادية على موسكو
واجهت موسكو منذ ضم القرم فى ٢٠١٤ عددًا من العقوبات الاقتصادية المتزايدة التى كان من المقرر أن تفرض عليها خلال الفترة من يوليو ٢٠١٤ وإلى يوليو ٢٠١٥ إلا أن الاتحاد الأوروبى قام بتمديدها إلى يناير ٢٠١٦، فيما مددت واشنطن وكندا إلى أجل غير محدد. وهنا لابد من الإشارة إلى أن العقوبات الاقتصادية انقسمت إلى 3 أنواع تبلورت على النحو التالي: 
١- النوع الأول؛ يفرض على إمكانية الوصول إلى الأسواق والخدمات المالية الغربية خاصة فيما يتعلق بالمؤسسات الحكومية فى قطاعات الصرافة والدفاع.
٢- النوع الثاني؛ وهو نظام خاص بفرض حظر على عملية تصدير الأجهزة الخاصة بالتنقيب عن النفط إلى موسكو. 
٣- النوع الثالث؛ فهو منوط بفرض حظر على الصادرات إلى موسكو من بضائع عسكرية وبضائع ثنائية الاستخدام معينة.
وفى المقابل؛ قامت موسكو بالرد على هذه العقوبات بفرض عقوبات على الواردات الغذائية من الدول الغربية ومن الملاحظ أن مسار العقوبات كان بعيدًا عن الطاقة؛ حيث امتنع الغرب عن استهدف قطاعات كاملة للاقتصاد الروسي، مما أدى إلى إمكانية التعاون فى قطاع الطاقة مع الشركاء الغربيين.
«الغاز» سلاح روسيا تجاه أوروبا
تُعد الطاقة أهم ركائز الاقتصاد الوطني، والداعم للبنية التحتية الأوروبية، فبالرغم من عدم التوافق الأوروبى مع موسكو فى إدارة عدد من الملفات الإقليمية والدولية إلا أنها مازالت شريكًا اقتصاديًا مهمًا يعول عليه فى تلبية احتياجات العواصم الأوروبية من الطاقة وخاصة من الغاز. فيما تتزايد حاجة أوروبا إلى الغاز الطبيعى بشكل سريع – فعلى سبيل المثال - زاد استهلاك ألمانيا من ٢٠١٤ إلى ٢٠١٧ بنسبة ٢٢٪، كما يتم تشغيل ٨٠٪ من المنازل فى لندن التى تصل عددها إلى ما يقرب من ٢٥ مليونًا بالغاز، مما يعنى أن الغاز يلعب دورًا رئيسيًا فى مزيج الطاقة داخل العواصم الأوروبية.
فى المقابل؛ تُعد موسكو المورد الفعلي؛ حيث تزودها بنحو ٤٠٪ من حجم واردات دول الاتحاد الأوروبى من الغاز الطبيعي، وبناءً على ذلك بدأت بتكثيف التعاون معهم من خلال زيادة واردات الغاز عبر تدشين خطوط نقل جديدة مثل إنشاء خط أنابيب «نورد ستريم ٢» لتوريد الغاز إلى ألمانيا وباقى الدول الأوروبية عبر بحر البلطيق.
التباين الأوروبى تجاه موسكو
يدرك الساسة فى أوروبا مدى الفرص والتحديات التى ستنتج عن استعادة موسكو لمكانتها فى النظام العالمى كقوى عظمى بقيادة «فلاديمير بوتين»، لذا تحاول التصدى لها بكل قوة؛ حيث تسيطر الذاكرة التاريخية لسياسات الاتحاد السوفيتى تجاه هذه الدول على توجهاتهم نحو موسكو وخاصة فيما يتعلق بهيمنة «بوتين» على الطاقة كسلاح سياسى واقتصادى يتم استخدامه ضدهم فبالرغم من العقوبات المفروضة على موسكو إلا إنها استطاعت التحايل عليها وتعاملت معها بكفاءة وفعالية. وعليه فقد تجسد التباين الأوروبى بشكل واضح فى تعاطى الدول معها؛ حيث انتقدت بولندا الاستمرار فى الاستيراد الغاز من موسكو معربة عن توقفها عن استيراده بحلول عام ٢٠٢٢. كذلك أعربت أوكرانيا ودول البلطيق عن معارضتها للجسر الجديد الذى يربط بين القرم وموسكو، بجانب موقف فرنسا الداعم لاستمرار العقوبات. 
يأتى الموقف الإيطالى على الصعيد الآخر ليوضح رئيس الوزراء الإيطالى إبان لقائه مع الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» أن بلاده مهتمة بالحوار مع موسكو لضمان تحقيق نتائج إيجابية على المدى البعيد، معربًا عن موقفه من العقوبات ورافضًا أن يمتد تأثيرها إلى المجتمع المدنى فى روسيا واقتصاد المشاريع الصغيرة والمتوسطة. كما اعترضت ألمانيا على زيادة العقوبات لأنها ستنعكس على التعاون الاقتصادى مع موسكو.