البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

حركات المحافظين على مر السنين


شهدت حركات تعيين المحافظين فى بلادنا منذ صدور أول قانون للإدارة المحلية رقم ١٢٤ لسنه ١٩٦٠ حوالى ٧٢ حركة محافظين تمت خلال ٥٨ عامًا أى أن متوسط عمر عمل المحافظ داخل محافظته لا يزيد على ٨ شهور عمل بغض النظر عن استمرار بعض المحافظين إلى سنوات أو شهور أو أقل فى بعض المحافظات.
وللأسف فان حركات المحافظين فى بلادنا والقرارات الجمهورية بشأنها لم تأخذ إلا مسارًا وحيدًا هو «التعيين «باعتباره مسارًا مركزيًا إداريا وفنيًا الأسهل رغم عدم ديمقراطيته.
والمتابع أو الدارس لحركات المحافظين يدرك تمامًا أن القرارات الرئاسية لهذه الحركات كانت واحدة وبتعليمات عامة مع بدء عمل هؤلاء المحافظين حيث أصدر الرئيس جمال عبدالناصر ١٩ قرارًا وكان نصيب الرئيس السادات ٢٢ حركة محافظين أما الرئيس مبارك فقد أصدر ٢٣ حركة محافظين يلى ذلك من ناحية الترتيب الزمنى صدور حركتين للمجلس العسكرى بقيادة المشير طنطاوى ثم حركة واحدة للمحافظين من الإخوانى محمد مرسى وكانت حركة محافظين لها ردود أفعال مجلجلة وغاضبة فى كل محافظات الجمهورية لأن تعيينهم جاء من ضمن العشيرة والعناصر الإخوانية والإرهابية وقد تصدى لها أبناء المحافظات لمنع دخول هؤلاء المحافظين إلى دواوين المحافظات.
تلى ذلك صدور حركة واحدة للرئيس المحترم المستشار عدلى منصور، وأما الرئيس السيسى فقد أصدر حركتين للمحافظين إلى جانب الثالثة التى تصدر هذه الأيام وللأسف فإن حركات المحافظين عبر رؤساء الجمهورية السبع من بينهم المجلس العسكرى كانت تعتمد على اختيار المحافظين من أوعية ثابتة أو مؤسسات محددة «القوات المسلحة – الشرطة – القضاء وأعضاء هيئة التدريس التعليم العالي» كما كانت تلك التعيينات جميعا تعتمد على الثقة والولاء والمعارف الشخصية وكانت تتم دون معايير أو شروط محددة قانونًا، حيث خلا قانون الإدارة المحلية من أى شروط عند تعيين المحافظين لشغل تلك الوظيفة الهامة «محافظ إقليم».
وللأسف أيضا فإن تلك الوظيفة بلا سقف زمنى أو مدة محددة بدورة عمل لسنوات محددة ومن هنا ظهر متوسط عمر المحافظ الذى كان يعمل فى محافظته دون تدريب أو دراية أو قراءة متأنية لمفردات محافظته حيث إن الجميع من خبرات ثقافية وعملية تبتعد عن فهم العمل بالمحليات.
ولعله من المفيد هنا أن نؤكد على أهم الدروس والاستخلاصات عن حركات المحافظين وعملهم فى بلادنا.
- التعيين هو الأسلوب الوحيد دون دورة عمل محددة خاضعة للتقييم والقياس أو حتى المتابعة الحقيقية.
- ظل ولاء المحافظين لمن أصدر قرارات تعيينهم حيث كان المحافظون ينسبون الأعمال بناء على توجيهات الرئيس أيا كان.
- ظلت التعليمات للمحافظين عقب أداء اليمين الدستورية مع بدء عملهم كلها تعليمات عامة لا تراعى خصوصية أو أولويات أو مشاكل وهموم كل محافظة على حدة.
- إعلان حركات المحافظين تتم دون معرفة الرأى العام لأبناء كل محافظة وكأن الأمر لايعنيهم ودون إعلان عن الأسباب الحقيقية لأبعاد هذا المحافظ أو تعيين ذاك الجديد وكثير من المحافظين كانوا يعلمون حركات المحافظين عبر وسائل الإعلام فقط.
- إن المحافظين فى بلادنا صلاحيتهم كلها بالتفويض مركزيا ومحافظاتهم تعانى ماليًا فى ظل إمكانيات ضعيفة.
- لا يوجد فى بلادنا تشريع أو قانون خاص بشروط عمل المحافظين أو حتى قانون الوظائف العامة لا يوجد تحديد أو معايير لتعيين أو اختيار المحافظين رغم أهمية الوظيفة وتأثيرها على حياة المواطنين بطول البلاد وعرضها.
- لا يوجد إعلان عن أى برامج محددة أو خطط وفق خطة أو رؤية تلزم المحافظ بإعلانها لتكون محل تقييم ومتابعة وقياس للأداء.
- العمل يتم دون تدريب عملى حول خبرات العمل بالمحليات.
ويتم تعيين المحافظين كل حسب خبراته الشخصية وقدراته وثقافته وخلفيته العملية سواء كان لواء بالجيش – الشرطة أو قاضيًا وحتى عضو هيئة تدريس وكلها خبرات بعيدة عن عمل المحليات.
ولعل التجربة قد أثبتت اختلافا واضحا لعمل كل محافظ فمنهم المنغلق مكتبيًا.. ومنهم الميداني.. وهناك المظهرى ومنهم من يكره النقد أو حتى النقاش «طاووسًا» كارها للحوار.. وأكثرهم من غير الراغبين فى التعاون مع نواب الشعب أو المجالس المحلية المنتخبة متعاليًا عليهم مما خلق الكثير من الصراعات العلنية والمكتومة مع المحافظين ومنهم الناجح بالطبع وبينهم الفاشل أيضًا.
وهناك المنحاز حزبيًا أو عقائديًا ومن هنا انحصرت تجارب المحافظين الناجحة كما قيل عن تجربتى محافظتى الإسكندرية وقنا فى الأولى كان اللواء عبدالسلام المحجوب قد أثبت نجاحا فى الإسكندرية بينما كان غير مؤثر فى الإسماعيلية.. أما الثانى اللواء عادل لبيب فقد حقق نجاحا فى محافظة قنا بينما فشل فى الإسكندرية، والتجربتان تحتاجان إعادة نظر وتقييما موضوعيا وعلميا حتى نستفيد منهما لصالح الجماهير والمواطنين فى المحافظات.
ولعل الملاحظة الأخطر فى عمل المحافظين هى الاعتماد على الأجهزة الرقابية والسيادية فى الترشيحات وقد أثبت الواقع أن هذه التقارير ليست الأفضل دائما والدليل القبض على محافظ المنوفية ونائبة محافظ الإسكندرية وحتى السكرتير العام لمحافظة السويس والعديد من رؤساء الأحياء والوحدات المحلية المتهمين بالرشاوى والفساد صوت وصورة.. فأين كانت تلك التقارير الذى رشحتهم لتلك المواقع الحساسة؟. إن العمل فى المحليات يتطلب نوعا خاصا من الأعمال الميدانية الخدمية والكثير من الإنجازات لإزالة شكاوى المواطنين فى الصحة والتعليم والبيئة.. الصرف الصحى ومياه الشرب وتراكم القمامة وسوء الطرق وارتفاع نسب الحوادث.. وغيرها من الأعمال اليومية. وأخيرا إن اختيار المحافظين فى بلادنا يحتاج إلى إعادة نظر ودراسة متأنية حيث ثبت فشل تجربة «التعيين» وعلى مدار سنوات طويلة وأصبحت تجربة انتخابات المحافظين «هى الأهم» والتى تتواكب مع المكسب الدستورى الذى حققه الشعب المصرى فى المادة ١٧٩ من الدستور الذى أكد على الانتخاب، «إن القانون ينظم شروط وطريقة تعيين أو انتخاب المحافظين... ويحدد اختصاصاتهم» وهو مكسب ديمقراطى يتناسب مع التوجه نحو اللامركزية والديمقراطية وتحقيق ما نصبوا إليه من أجل بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة ولأن الشعب المصرى يستحق حياة أفضل بعد كل تلك التضحيات.