البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

سارتر.. تاريخ من النضال والحرية

 سارتر
سارتر

لم يكن جان بول سارتر فيلسوفا فقط، بل كان كاتبا مسرحيا وفيلسوفًا وناشطا سياسيا فرنسيا مشهورا، أثر في بعض المجالات المعرفية مثل علم الاجتماع والدراسات الأدبية، كان شخصية بارزة في كل من الفلسفة الوجودية والفلسفة الظاهراتية، واعتبر واحدا من أبرز الشخصيات الفرنسية في القرن العشرين، بالرغم من أنه حاز جائزة نوبل في الأدب عام 1964 إلا أنه رفضها، وعلل سبب رفضه الجائزة قائلًا: "هؤلاء الذين يقدمون التشريفات سواء كانت وسام شرف أو جائزة نوبل لا يملكون في الحقيقة تقديمها"، ووصف سارتر الجائزة بأنها "سياسية، مثلها مثل جائزة لينين - جائزة عالمية استحدثها السوفيت لتكريم المفكرين - ولو عرضت علي جائزة لينين أيضا سأرفضها"..
ولد جان بول سارتر في باريس 21 يونيو 1905، وكانت من أهم مقولاته من كتاب دفاتر طرائف الحرب "أنا لا أحاول الحفاظ على حياتى من خلال فلسفتى فهذا شيء حقير، ولا أحاول إخضاع حياتى لفلسفتى فهذا شيء متحذلق، لكن في الحقيقة الحياة والفلسفة شيء واحد".
وعن الحرية التي تعد ركيزة أساسية في فلسفة ماركس وكتاباته قال: "إننا مقضيٌ علينا بأن نكون أحرارًا"، وهذا ما عبر عنه في مسرحياته؛ فالحرية عنده متساوية سواء عند السجين أو غيره، فحريتنا تظل قائمة لا تمس حتى حين نكون عبيدًا، وليس للحرية عنده درجة فهي دائما فينا وعلى ذات الدرجة. وذلك من منطلق أن "الإنسان حر لأن وجوده أسبق من ماهيته"، فالإنسان حر لأنه يختار لنفسه ماهيته الخاصة به، ويوجد في العالم أولًا وبعد ذلك يفعل بنفسه ما يشاء، ويصنع لنفسه الماهية التي يختارها بكامل حريته. ويؤكد سارتر ذلك من خلال قضية أخرى وهي "الإنسان مسؤول عن ماهيته ويتحمل نتائج اختياره"؛ فبالمسئولية يتم تنظيم المجتمع وحمايته من الفوضى والدمار، وبما أن المسئولية نتيجة طبيعية ومنطقية للحرية؛ فهي إذن تحمل الإنسان على الخوف، فالاختيار يحتمل النجاح والفشل. 
وبهذا تكون الحرية عند سارتر ليست صفة مضافة، بل هي نسيج وجودي. وقد جسد نظريته في الحرية في كتابه (الوجود والعدم) الذي ذهب فيه إلى أن حرية الاختيار مطلقة، وهناك فكرة سائدة في الوجودية مفادها أنه "بما أنني أريد الحرية لذاتي فلا بد أن أعطيها لغيري أولًا". وهذا الفهم للحرية الذاتية والغيرية هو الذي سيؤلف الخير الأسمى أساس الأخلاق، وهذا يتعارض مع الفكر الماركسي الذي ينفي الحرية وينادي بالجبرية.‏ 
خدم سارتر في الجيش الفرنسي بوحدة الأرصاد الجوية عام 1939. أسره الجيش الألماني عام 1940 وأمضى تسعة أشهر كأسير حرب، نال بعدها الحرية وعاد إلى الحياة المدينة، تمكن حينها من الحصول على عمل كمدرس في ليسيه باستيور خارج باريس.
وبعد أن عاد إلى باريس اشترك مع مجموعة من الكتاب في تأسيس مجموعة سرية عرفت باسم الاشتراكية والحرية، لكن تم حل المجموعة بعد فترة قصيرة، قرر عندها أن يتجه إلى الكتابة بدلًا من تأسيس الجمعيات ذات الأنشطة السياسية المقاومة، وخلال فترة قصيرة نشر بعض المقالات، جعلت منه اسما مألوفا حينها، واستفاد سارتر في أعماله من تجاربه الخاصة زمن الحرب، وبعد تحرير باريس كتب "معاداة السامية واليهود"، وفي سنة 1944م كتب سارتر مقالا بعنوان "حول المسألة اليهودية"، تناول فيه أوضاع اليهود في فرنسا؛ فأنكر ابتداءً وجود مسألة يهودية في فرنسا، استنادًا إلى أن اليهود أظهروا رغبتهم في الاندماج في المجتمع الفرنسي. وفي المقابل ذهب إلى وجود "مسألة فرنسية"، لأن المجتمع الفرنسي هو الذي يرفض اندماج اليهود، وهذا الرفض تعبير عن الاضطهاد التاريخي المتأصل، الذي لا يقتصر على المجتمعات الغربية الحديثة، وإنما يضرب بجذوره في عمق التاريخ، وهو الذي ألجأ اليهود لاحتراف مهن بغيضة كالربا. وقد حاول من خلالها أن يوضح مفهوم الكراهية من خلال تحليل معاداة السامية.
وانخرط في النشاط السياسي مرة أخرى بعد الحرب العالمية الثانية، وقد كان يعبر بصراحة عن معارضته للحكم الفرنسي في الجزائر في العديد من مقالاته ومسرحياته، والتي عبر فيها عن السخط الأخلاقي ضد اضطهاد السكان المسلمين، وتعذيب الأسرى منهم على يد الجيش الفرنسي، وعن رفضه للفظائع التي ارتكبها النازيون في الجبهة الشرقية. اعتنق الماركسية وزار كوبا حيث التقى فيديل كاسترو وتشي جيفارا، عارض الحرب الفيتنامية وشارك في محكمة تهدف إلى فضح جرائم الولايات المتحدة عام 1967، استمر سارتر بالكتابة وقد كانت منشوراته الرئيسية بعد عام 1955، ظهر كتابه "نقد السبب الجدلي" عام 1960، وبعد نشر الكتاب بدأ سارتر التحضير للجزء الثاني من نفس الكتاب، وشارك بقوة في أحداث مايو 1968. ومهد لهذه الأحداث في 1967، حينما صعد إلى رأس المشهد عندما رأس محكمة راسل مع بيرتراند راسل وهي محكمة معلنة وجمعية عالمية للمثقفين والنشطاء والشهود المكلفين بالحكم على الحروب أو إدانتها وبالأخص حرب الأمريكان في فيتنام.
وقام سارتر بصنع أصداء الثورة في الشارع وعلى المنابر وفي الجرائد وعلى أبواب المصانع المضربة. 
استمر سارتر في المقاومة "اليسارية" بالرغم من تدهور صحته اثر أزمة قلبية، متبنيا أفكار الحركة الماوية ضد القمع. وفي 1971، قرر سارتر أن يشغل منصب رئيس الجريدة الثورية "قضية الشعب" المهددة بالمصادرة بضغط من السلطات البومبيدية فنزل الشارع مع مشاهير مثل سيمون دي بوفوار وغيرها لبيع الجريدة وقد فعل كذلك مع جريدتين ماويتين "الكل" و"أنا أتهم". وفي 1973، أسس سارتر جريدة "التحرير" مع سيرج جولى وفيليب جافى وبرنار لالمون وجان كلود فيرنيي وظهرت الجريدة ربيع هذا العام. بعد مرضه بالخرف الوعائى، قدم سارتر استقالته من رئاسة الجريدة في 24 مايو 1974. لقد ارتبط خلال كل هذه الفترة بالحركات اليسارية والنسائية مع إعطائها اسمه بارادته لمساعدتها.
توفى سارتر في 15 أبريل عام 1980، عن عمر يناهز 75 عاما في مستشفى بروسية بباريس بعد إصابته بأزمة بالرئة.