البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

"داعش" يعود عبر "عشيرة شمر"

البوابة نيوز

رغم إعلان العراق النصر على تنظيم داعش في ديسمبر من العام الماضي، واستعادته ثلث مساحة البلاد، التي سيطر عليها التنظيم في 2014، إلا أن تحذيرات صدرت الثلاثاء الموافق 19 يونيو، من أن الإرهابيين، الذين فقدوا السيطرة على المدن، وبينها الموصل، انسحبوا إلى المناطق الصحراوية، مستغلين الجغرافية الصعبة لهذه المناطق، للعودة من جديد.


ونقلت "فرانس برس" عن رئيس مجلس قضاء الدور بمحافظة صلاح الدين في شمال العراق علي نواف، قوله إن "قوى داعش الإرهابية هاجمت عدة قرى متفرقة منذ الأحد الموافق 17 يونيو، وقاموا بخطف 30 شخصا من رعاة الأغنام من عشيرة شمر".

وأضاف نواف أن عمليات الخطف وقعت في مناطق صحراوية مشتركة إداريا بين محافظتي صلاح الدين ونينوى في شمال العراق.

وتابع "هذه المناطق كانت آهلة بالسكان، لكنها الآن شبه خالية بسبب تهديدات الارهابيين، باسثناء أعداد قليلة من عشائر شمر من رعاة الأغنام، إنهم اناس عزل لا يملكون قطعة سلاح واحدة، تعاقبت عليهم قوات وكل قوة تصادر أسلحتهم، إذ صادرت القوات الأمريكية أسلحتهم في البداية، ولاحقا داعش، وبعدها الحشد والجيش، كل قوة تأتيهم تصادر سلاحهم".

وأضاف "عثرنا على جثث سبعة من المختطفين، والقوات الأمنية لا تزال تبحث عن الباقين"، فيما نشر ناشطون صورا للضحايا المغدورين، وجميعهم يرتدون الدشاشة "الزي العربي"، ومعصوبي الأعين بكفيات حمراء ومقيدي الأيدي وقد جثيت جثثهم على وجوهها والدماء تحيط بها.

ورجح نواف سبب استهداف القرى التي تضم قبائل شمر، إلى أن هذه القبائل موالية للحكومة، وساعدت في الحرب على الإرهابيين على مدى السنوات الثلاث الماضية.

وناشد نواف، رئيس الوزراء والقيادات العسكرية وضع حد للخروقات في مناطق الحضر وجزيرة سامراء والطريق المثلث بين كركوك وصلاح الدين، التي قال إن "داعش بدأ يتجول فيها في وضح النهار، بعد أن كان لا يجرؤ على الخروج سوى في الليل". وأضاف أن "السكان هناك يشاهدونهم يجوبون المنطقة أحيانًا بسيارة أو سيارتين، وأحيانًا بواسطة رتل يتكون من عشر سيارات".

وبدوره، حذر الشيخ هيثم الشمري، أحد وجهاء قبيلة شمر، من "ظهور مكثف لخلايا داعش من جديد في مناطق الحضر وجزيرة سامراء والطريق المثلث بين كركوك وصلاح الدين".

وأكد الشمري تزايد الخروقات التي حدثت على الحدود من جهة مدينة البوكمال السورية، مشيرا إلى معلومات عن دخول عناصر داعش الفارين من البوكمال إلى الأراضي العراقية.

وبجانب العثور على جثث سبعة من رعاة الأغنام من بين 30 شخصا خطفوا من عشيرة شمر، قام عناصر داعش أيضا الثلاثاء الموافق 19 يونيو بخطف ثلاثة سائقي شاحنات على الطريق السريع جنوب محافظة كركوك في شمال العراق المجاورة لمحافظة صلاح الدين.

ويزيد من المخاوف في العراق، أن التنظيم، الذي لا يزال يحتفظ بخلايا نائمة موزعة في أرجاء البلاد، بدأ يعود تدريجيا لأسلوبه القديم في شن هجمات خاطفة على طريقة حرب العصابات، التي كان يتبعها قبل سيطرته على ثلث مساحة البلاد عام 2014.

ورغم أن التنظيم يعانى من تراجع حاد في سوريا والعراق، حيث فقد ما يقرب من 98 في المائة من الأراضي التي كان يسيطر عليها، ولم يعد يوجد سوى في مناطق متفرقة داخل الدولتين، إلا أنه لا يزال ينفذ هجمات بشكل شبه يومي، وزاد أيضا في الأسابيع الأخيرة من عمليات اختطاف المدنيين، لتمويل هجماته.


ففي 10 يونيو، أفاد مصدر أمني في محافظة الأنبار غرب العراق، بأن بعض خلايا تنظيم "داعش"، عادت لترتيب صفوفها داخل مدينة الفلوجة.

وأضاف المصدر، في تصريحات نشرتها وسائل الإعلام العراقية، أن التنظيم الإرهابي قام في الأسابيع الأخيرة بفرض إتاوات على ميسوري الحال في المدينة، وأقدم على عمليات خطف، لتمويل هجماته.

وتابع " التنظيم يقوم بابتزاز سكان الفلوجة في الأنبار، إما من خلال رسالة نصية تصل عبر الهاتف الجوال، أو عبر خطف أشخاص".

ويبدو أن استمرار زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، وهو عراقي الجنسية، على قيد الحياة، يعطي دافعا لعناصر التنظيم لمواصلة هجماتهم الإرهابية، حيث يرجح البعض أنه يختبئ في الصحراء الشاسعة على الحدود العراقية -السورية.

ويعود آخر تسجيل صوتي للبغدادي " 46 عاما" إلى نوفمبر عام 2016، أما الظهور العلني الوحيد له يعود لشهر يوليو عام 2014 عند تأديته الصلاة في جامع النوري الكبير بغرب الموصل، حيث أعلن إقامة "خلافته المزعومة" في مناطق بالعراق وسوريا.

ورغم أن ضربات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في سوريا والعراق أدت إلى مقتل معظم مساعدي البغدادي، ومنهم، أبو عمر الشيشاني وزير الحرب السابق وقائد القوات المسلحة في التنظيم، وحاكم العراق في التنظيم أبو مسلم التركماني، والمتحدث باسم التنظيم أبو محمد العدناني، وحاكم سوريا في التنظيم أبو علي الأنباري، إلا أن البغدادي لا يزال على قيد الحياة، وقد ينجح في إعادة التنظيم من جديد، وهذا ما حذرت منه صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية في 21 مايو الماضي.


وقالت الصحيفة حينها، استنادا إلى معلومات مخابراتية، وتحقيقات أجريت مع معتقلين من داعش، أن البغدادي يدبر مخططا إرهابيا جهنميا جديدا، حيث أنه في ذروة خسائره بالعراق وسوريا، كان منشغلا بمسألة "استقطاب الجيل الجديد وبث الأفكار المتشددة في عقولهم".

وأضافت الصحيفة أن البغدادي يعتزم الانتقال من حالة "الخلافة"، التي تبسط سيطرتها على أراض معروفة، إلى جماعات من المتشددين تنتشر في أماكن متفرقة، وتشن عمليات مباغتة، وتواصل نشاطها في استقطاب عناصر جديدة.

وتابعت"واشنطن بوست"، أن البغدادي وكبار معاونيه قرروا أيضا إعطاء الأولوية لغسيل دماغ الأطفال، سواء في العراق وسوريا أو في الخارج عن طريق الإنترنت، والتركيز على غرس الأفكار المتطرفة في عقول الجيل الجديد.

وأوضحت الصحيفة أن البغدادي وجه دعوة بشكل شخصي لعقد اجتماع بالقرب من مدينة دير الزور شرقي سوريا، لمناقشة إعادة كتابة المنهج التعليمي للتنظيم.

وأشارت إلى أن البغدادي وكبار القادة قرروا إعطاء الأولوية لتلقين الأطفال الأفكار المتطرفة عبر الإنترنت، مضيفة أن "قيادة داعش مقتنعة بأنه طالما في الإمكان التأثير على الجيل القادم من خلال التعليم، ستستمر فكرة الخلافة حتى لو اختفت دولة الخلافة".

وبصفة عامة، فإن بقاء البغدادي طليقا، قد يعني استمرار هذا التنظيم الإرهابي لسنوات، وحتى عقود، بسبب دهائه وقدرته على الاختباء، فقد ذكرت وسائل الإعلام على الأقل ست مرات منذ 2014 أن البغدادي قتل أو أصيب إصابة خطيرة، فقد قيل ثلاث مرات إنه قتل في غارات للطائرات الروسية أو الأمريكية، وروجت تقارير أخرى عديدة أنه اُعتقل في هجوم بالمدافع شنته القوات السورية، حيث أصيب ثم توفي مسموما.

وتسبب رفع الجائزة الأمريكية أواخر 2016 للقبض على البغدادي من عشرة ملايين دولار إلى 25 مليونا في ورود سيل من البلاغات المزعومة برؤيته.

وبالإضافة إلى ما سبق، فإن السيرة الذاتية للبغدادي تكشف أن الأفكار المتطرفة سيطرت عليه بشكل كامل، وهذا ظهر مبكرا في فترة سجنه.

ولد البغدادي، واسمه الحقيقي، عواد إبراهيم البدري، في مدينة سامراء بمحافظة صلاح الدين في شمال العراق عام 1971 لأسرة بسيطة وسنية، وعُرفت عائلته بتدينها، خاصة أنها تدعي أنها من نسل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

ودخل البغدادي جامعة بغداد ودرس العلوم الإسلامية، وحصل على شهادة البكالوريوس في الدراسات الإسلامية من الجامعة عام 1996، ثم حصل علي شهادتي الماجستير والدكتوراه في الدراسات القرآنية من جامعة صدام حسين للدراسات الإسلامية عام 1999، وقضى البغدادي سنوات دراساته العليا في حي الطوبجي المتواجد في بغداد، مع زوجتين له، وستة من الأبناء.

وعرف عنه أنه كان محبا للغاية لكرة القدم، إذ أصبح نجما لفريق مسجد مديمة الطوبجي المتواجد في منطقته، إلا أنه سرعان ما انجذب إلى الأشخاص المتشددين، الذين يتبنون نهج العنف والقتل والخراب، وانضم إلى جماعات السلفية الجهادية، وأصبح تحت وصايتهم.

وفي 2003، وبعد الغزو الأمريكي للعراق، ساعد البغدادي في تأسيس جماعة باسم "جيش أهل السنة والجماعة"، وفي فبراير 2004، ألقت القوات الأمريكية القبض عليه، في مدينة الفلوجة، وظل بالسجن عشرة أشهر.

وحسب رواية أحد رفاقه في السجن، كان البغدادي قليل الكلام، لكنه كان ماهرا جدا في التنقل بين الفصائل المتنافسة داخل السجن، الذي كان يضم مزيجا من عناصر سابقة مقربة من الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وجهاديين.

واستغل البغدادي فترة سجنه في تحقيق أهدافه الإرهابية، إذ شكل تحالفات مع العديد من المعتقلين، وظل على اتصال بهم، حتى بعد الإفراج عنه.

واتصل البغدادي، بعد إطلاق سراحه، بأحد المتحدثين باسم تنظيم القاعدة الإرهابي في العراق، الذي كان يقوده حينها الأردني أبومصعب الزرقاوي، وحينها انضم للقاعدة.

لكن سرعان ما تغيرت الأمور، إذ قتل الزرقاوي عام 2006 في غارة جوية أمريكية، وحينها، خلفه أبو أيوب المصري.


وفي أكتوبر من نفس العام، قرر أبو أيوب المصري حل تنظيم القاعدة الإرهابي في العراق، وأسس تنظيما يُسمي بـ"الدولة الإسلامية "في العراق، وكان معهم في هذا التنظيم أبو بكر البغدادي وقام بالعديد من العمليات الإرهابية حينها، خاصة أنه كان لديه ميول إرهابية، كما تم تعيين البغدادي رئيسا للجنة الشريعة، وتم اختياره عضوا في مجلس الشورى للتنظيم، والذي كان يضم 11 عضوا.

وعام 2010، حدث تحول إرهابي كبير في تاريخ أبو بكر البغدادي، إذ تم تنصيبه قائدا لتنظيم القاعدة في العراق وأصبح أمير التنظيم، كما يقولون الإرهابيون، وحينها استطاع البغدادي بعقله الإرهابي أن يعيد بناء التنظيم.وعام 2011، استغل البغدادي الاضطرابات المتزايدة في سوريا، وأصدر أوامره لأحد النشطاء التابعين له بسوريا ليؤسس فرعا لتنظيم القاعدة في سوريا، والذي عُرف بـ" جبهة النصرة"، وحينها حدثت خلافات كبيرة بينه، وبين أبو محمد الجولاني زعيم الجبهة.

وعام 2013، أعلن البغدادي أن جبهة النصرة هي جزء من تنظيم القاعدة في العراق، وحينها طلب أيمن الظواهري، زعيم التنظيم الأم، من البغدادي منح جبهة النصرة استقلالها وإعطائها الحرية الكاملة في قراراتها، لكن البغدادي رفض هذا الأمر، ودخل في صدام مع الظواهري، إذ أعلن انفصال تنظيمه عن التنظيم الأم.

وعقب ذلك، قام رجال البغدادي في العراق وسوريا بقتال عناصر جبهة النصرة، وحينها فرض البغدادي سيطرته وقبضته على شرق سوريا، ووضع مجموعة من القوانين والتشريعات الخاصة به.

وبعد أن عزز البغدادي مقاتليه في شرق سوريا، أمرهم بالتوسع في غرب البلاد، وفي يونيو 2014، أعلن البغدادي بشكل رسمي عن ولادة تنظيم "داعش" الإرهابي، وحينها سيطر بشكل كامل على مدينة الموصل في العراق، وعلى ما يقارب من ثلث مساحة بلاد الرافدين، كما أعلن سيطرته على أراض في سوريا، واتخذ الرقة معقلا له، إلا أنه في 2017، تعرض التنظيم لهزائم قاسية في العراق وسوريا، وقتل أيضا قادة كبار في صفوفه، بينهم الناطق باسمه، أبو محمد العدناني، الذي قتل في 30 أغسطس 2016 في حلب شمالي سوريا، وتضاربت الروايات حول كيفية مقتله، إذ أعلن التحالف الدولي لمحاربة داعش، مصرعه في غارة جوية، فيما زعمت وكالة أعماق التابعة للتنظيم، أنه قتل خلال متابعته لما سمتها العمليات العسكرية في حلب.