البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

أنا حرة المشهد السياسي العراقي.. تحالفات الشد والجذب


كل المؤشرات كانت تُنذِر بتصاعد صراعات المصالح والمحاصصات فى المشهد السياسى العراقى بعد الانتصار العسكرى وتحرير مدن العراق من تنظيم داعش، وكان آخر مظاهرها تفجير مستودع أسلحة لسرايا السلام التابعة لرجل الدين مقتدى الصدر فى رسالة تهديد مباشرة، ثم الحريق المتعمد لصناديق الاقتراع فى مخازن المفوضية العليا للانتخابات. فى ظل خلط الأوراق وتقاطع مسارات الطموح السياسي، تُعلن تحالفات بالتزامن مع تصريحات مناقضة لها تماما! إعلان تحالف القائمتين اللتين تصدرتا نتائج الانتخابات، تحالف «سائرون» بقيادة مقتدى الصدرو تحالف «الفتح» الأكثر موالاة لإيران برئاسة هادى العامري، بعدما سبق للأول إعلان رفضه التحالف مع الثاني، ثم زيارة قائد فيلق القدس فى الحرس الثورى الإيرانى قاسم سليمانى إلى بغداد يوم إعلان النتائج ودعوته القوى الشيعية بما فيها «الفتح» إلى عدم التحالف مع الصدر الذى طالما أدانت تصريحاته التدخل الإيرانى فى العراق. هذا التحرك الإيرانى لتحديد ملامح الكتلة الأكبر فى البرلمان القادم، يأتى بالتزامن والتنسيق مع لقاءات السفير الأمريكى بقادة الكتل السياسية والدينية المختلفة، ما يؤكد أن الخلاف «العلني» بينهما لا يُفسِد لود «تقاسم المصالح» قضية.
هذا «الإعلان» أبعد فرص رئيس الوزراء حيدر العبادى من الاستمرار فى منصبه بعدما حلت قائمته فى المرتبة الثالثة.. أهم وأخطر ما يثير القلق حول هذه التوافقات الهشة افتقادها أى مواءمات أو أرضية سياسية سابقة تعزز مصداقيتها، إعلان الصدر، الذى طالما أكد رفضه هيمنة إيران على القرار السياسى العراقى ويملك قدرة التحشيد الشعبي، منذ أسبوع تشكيل تحالف مع قوى سياسية مختلفة لم يضمن له حصد نصف مقاعد البرلمان وتسمية رئيس الوزراء المقبل، وما ينسف مصداقية العنوان الرئيسى لتحالفه مع كتلة «الفتح» عن رفض المحاصصة السياسية والطائفية، خصوصا أن ضمان هذا التوافق لا تكفله سابقة المواقف والتصريحات العدائية بين الطرفين. انضمام «الفتح» ثم توالى أنباء عن مساعى ائتلاف «دولة القانون» بقيادة رئيس الوزراء السابق نورى المالكى اللحاق بركب هذا التحالف، هى محاولات من هذه القوى للاستنجاد بشعبية الصدر الذى بدوره يبحث عن الأغلبية التى تضمن له الكتلة الأكبر فى البرلمان وتسمية رئيس الوزراء المقبل.
قرار مقتدى الصدر التضحية بالتيارات المدنية والشيوعية التى تحالفت معه أثار صدمة بين هذه القوى، بالتالى هذه التحالف الأخير لا يمثل طوق النجاة للشارع العراقى بقدر ما سيزيد من تعقيد وتخبط المشهد السياسى حتى إن تم إعلان تشكيل الحكومة مع تكرار نمط ترتيبات المحاصصات الطائفية والسياسية التى لم تنجح الانتخابات فى إزالة ظلالها، ليبقى العراق أسيرا للنهج الذى أفشل سابقا أى محاولة بناء عملية سياسية جادة.. أيا كان حجم الضغوط أو التهديدات التى تعرض لها الصدر، ما لم تتم إعادة نظر من طرفه فى تبعات هذه الخطوة، عليه مستقبلا مواجهة تصاعد حدة الشد والجذب على المصالح واقتناص المكاسب السياسية التى تحكم هذه القوى، ما سيعقد سبل الوصول إلى مخرج سياسى حقيقى إلى درجة تُنذِر بعودة الاضطراب الأمنى والاقتتال رغم كل المناشدات بأن يتم حصر السلاح فى يد الدولة، وهو الأمر الذى تجد السلطات الأمنية صعوبة فى السيطرة عليه.
خلط الأوراق السياسية لم يكن مفاجأة بالعودة إلى عدة عثرات شكلت تحديا أمام العملية الانتخابية، على مدى الأعوام الماضية لم تحظ دعوات الحراك الشعبى أو الأطراف السياسية إلى إعادة تشكيل المفوضية العليا للانتخابات بأى استجابة رغم كل الانتقادات الموجهة لها بعدم الاستقلالية واعتماد نهج المحاصصة بسبب انتماء بعض أعضائها إلى تيارات مشاركة فى الانتخابات، ومالها من سوابق فى التلاعب والتزوير بأصوات الناخبين ما يستدعى مراقبة القضاء لإجراءات المفوضية.. وهو ما أكدته شهادة ممثل الأمم المتحدة عن رصد عمليات ترهيب وتزوير من قبل جماعات مسلحة، الخروق الانتخابية فى الفرز طالت أيضا أزمة إنسانية ما زال أغلب ملفاتها يتضمن مئات الآلاف من النازحين داخل مخيمات فى ظروف غير إنسانية وحرمان عدد كبير منهم من التصويت رغم كل المناشدات السابقة بضرورة تقنين ظروف النازحين التى لا تسمح بمشاركتهم فى الانتخابات.
تسمية رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة من المنتظر أن يطول فى غياب المساحات المشتركة والتقارب بين مختلف الكتل.. تحديدا فى إطار التوجه الإيرانى إلى احتواء مقتدى الصدر. المؤكد أن هذه التحالفات لن تصمد كثيرا بحكم افتقادها القواعد الأساسية التى تشترط بناء أى تحالف.. أبرزها البرنامج المشترك والتزام الأطراف المتحالفة به. مقتدى الصدر خرج على البرنامج المشترك لائتلافه الانتخابى مع الأحزاب الشيوعية والمدنية.. فى المقابل أصبح من حق هذه القوى أن تكون فى حل من ائتلافها السابق مع الزعيم الدينى بعد بقاء الوجه القبيح للمحاصصة والأطماع السياسية مسيطرا على المشهد السياسى العراقى المقبل.