البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

التراث الثقافي لعفرين السورية ضحية العدوان التركي

البوابة نيوز

على حد انتصاف الويل تقف مدينة عفرين الواقعة شمال غرب سوريا فيما بات تراثها الثقافي العريق نهبا لدمار جاءت به قوات الغزو التركي ولتتحول آثارها لأشلاء تبكي تاريخا تليدا وحضارة عظيمة وتسامحا بناء.
ومدينة عفرين هي احدى مدن محافظة حلب السورية وتجمع تضاريسها مابين السهول والجبال فيما يتآخى فيها العرب والأكراد جنبا الى جنب مع الايزيديين والأرمن ليشكلوا نموذجا للتنوع البناء الذي يتعرض الآن لعدوان تركي ضمن العدوان على أراضي وثقافة هذا القطر العربي. 
وأكدت وسائل اعلام عالمية أن قوات الغزو التركي قامت بهدم وتدمير مواقع اثرية وتاريخية في "عفرين" من بينها معبد "ديرعين" الذي يعود تاريخه الى ثلاثة آلاف عام بما يشكل "عدوانا ثقافيا صارخا وطعنة جديدة لثقافة وتاريخ هذا البلد العربي". 
وإذ تؤكد تقارير إخبارية أن عشرات الآلاف من أبناء عفرين السورية شردوا وباتوا في عداد النازحين بعد الغزو التركي فان معلقين ابدوا مخاوف من تعرض هذه البلدة وغيرها من البلدات في الشمال السوري لعمليات "تطهير عرقي" من جانب المحتل التركي وتغيير التركيبة السكانية "الديموجرافية" لهذه المنطقة التي عاشت فيها مكونات عرقية مختلفة بسلام على مدى قرون.
وفي سياق ادعاءات النظام التركي بملاحقة المسلحين الأكراد المناهضين لهذا النظام شنت تركيا عملية غزو عسكري لشمال سوريا تحت اسم "غصن الزيتون" في عدوان صارخ على سيادة بلد عربي ووحدة أراضيه فيما يتجاوز عدد أشجار الزيتون في عفرين السورية ال13 مليون شجرة حسب بيانات معلنة.
واللغة المتعالية لرأس النظام التركي رجب طيب اردوغان وتلويحه "بالصفعات العثمانية" لأي طرف يتصدى للغزو التركي في شمال سوريا تعبرعن خطاب يجمع مابين الهيمنة والشعبوية ولن يخيف المدافعين عن بلادهم وهويتهم وثقافتهم.
ومن بين الآثار الشهيرة في عفرين التي يتجاوز عدد سكانها النصف مليون نسمة: "قلعة سمعان" و"قلعة النبي و"تل عين دارة" فضلا عن الجسور الرومانية على نهر عفرين و"جسر هرة درة" الذي شيده الألمان قبل الحرب العالمية الأولى.
والعدوان الثقافي التركي في عفرين التي تنتشر فيها المواقع الآثرية يشكل نموذجا "لما يفعله نظام اردوغان في تركيا التي لم تعد في ظل هذا النظام تعيش في سلام مع نفسها ومع جيرانها ومع العالم" واذا كانت التنظيمات السورية الكردية التي تستهدفها قوات الغزو التركي طرفا في محاربة عناصر تنظيم داعش الإرهابي وتحجيمه في سوريا فان هذه الحقيقة تلقي بمزيد من الضوء على العلاقة التي تحدث عنها معلقون ومحللون بين تظام اردوغان والدواعش والتعاون شبه المعلن بين الجانبين.
وتنظيم داعش الظلامي الإرهابي الذي تحدث محللون عن تلقيه دعما تركيا عاث فسادا وتدميرا في آثار العراق، كما انهمك في عمليات لتدمير الآثار في مدينة تدمر السورية بينما تقوم الآن قوات الغزو التركي في عدوانها السافر على مدينة عفرين بتدمير التاريخ في تلك المدينة ومحيطها.
ويشكل هذا العدوان التركي في عفرين "هجمة جديدة على التراث الثقافي المتنوع في المشرق العربي الذي عرف تاريخيا بتنوعه الحضاري وتعدد مكوناته الثقافية".
ولن يختلف الأمر في دلالاته ورموزه مابين تنظيم داعش الذي نشر من قبل صورا لمقاتليه وهم يرفعون الأعلام الداعشية السوداء فوق قلعة تدمر التاريخية عندما سيطر هذا التنظيم الارهابي على المدينة الأثرية الواقعة في ريف محافظة حمص وبين صور تدمير قوات الغزو التركي للتراث الثقافي في "عفرين" بما تشكله من "انتهاك صارخ لحرمة التراث الانساني ومحاولة لمحو ذاكرة البشرية".
وكان مارتين روث مدير متحف "فيكتوريا والبرت" البريطاني قد دعا العالم بألا يقف مكتوف اليدين حيال مايحدث على ارض الواقع من تدمير وعدوان على تاريخ البشرية" موضحا ان المعتدين لايدمرون الماضي فحسب "وانما يعملون لتفريغ مستقبل الانسانية من كل المعاني والقيم والانجازات".
وشكلت الأراضي التركية معبرا لعمليات لتهريب الآثار المهربة من الموصل قبل تحريره من قبضة الدواعش الذين قام بعضهم ببيع هذه الآثارفي السوق السوداء وذكرت دورية "نيويورك ريفيو" انه حقق مكاسب تقدر بمئات الملايين من الدولارات جراء انخراطه في عمليات تهريب الآثار الأشورية والاتجار بها.
وقال الدكتور ايكارت فرام استاذ الآشوريات والمتخصص في تاريخ بلاد الرافدين بجامعة ييل الأمريكية ان هناك حاجة لتوثيق المسروقات من الآثار وطالب الحكومة التركية بالتعاون لمنع تهريب الآثار العراقية المنهوبة عبر اراضي تركيا.
ومع العدوان التركي السافر على أراض في سوريا فان التراث الثقافى التاريخى السوري بات على المحك فى ظل تطورات مخيفة تهدد الثقافة والمكان والذاكرة والهوية وتشكل عدوانا على الانسانية كلها بقدر ماتثير هذه التطورات خوف كل المثقفين الحقيقيين في هذا العالم.
وتعد سوريا من الدول الغنية حقا بالآثار حتى ان المقولة الشائعة هناك:"يمكن للمرء ان يحفر فى اى مكان ويجد آثارا" فيما توضح اشرطة فيديو ومقاطع على موقع "يوتيوب" الالكترونى عمليات نهب الآثار فى خضم المواجهات الدموية الراهنة.
وكان مارك جريشماير رئيس قسم الآثار فى المعهد الفرنسى للشرق الأدنى فى بيروت قد اوضح ان "الآثار السورية تكتسب اهمية استثنائية كونها شاهدة على التطور البشرى وتشهد على نشوء البلدات الأولى فى التاريخ".
واعتبر معلقون في وسائل الاعلام والصحافة الغربية أن تاريخ سوريا عرضة لمخاطر يومية مؤكدين على ان بعض المعالم الآثرية السورية تعرضت لأضرار مدمرة لايمكن اصلاحها فيما طال الدمار مناطق اثرية رومانية ولايتردد المتحاربون فى تفجير القلاع التاريخية. 
وكانت منظمة التربية والعلوم والثقافة التابعة للأمم المتحدة "اليونسكو" قد اعربت عن قلقها البالغ حيال مصير المعالم التاريخية فى سوريا ولفتت للأوضاع في محافظة حلب التي تتبعها مدينة عفرين فيما ادرج الجزء القديم من حلب ضمن قائمة التراث العالمى منذ عام 1986".
والى جانب حلب-تضم هذه القائمة لمنظمة اليونسكو الجزء القديم من العاصمة السورية دمشق والتى توصف بأنها اقدم مدينة فى العالم فضلا عن المعالم التاريخية لتدمر وبصرى والبلدات القديمة فى شمال سوريا ومن بينها عفرين فيما اعربت اليونسكو عن مخاوف بشأن عمليات سرقة للتراث السورى. 
ومنذ بداية الاحتراب في سوريا تعرض متحف حماه للسرقة واختفى تمثال مكسو بالذهب يحمل اسم "بعل" ويرجع للقرن السادس الميلادى ونهب متحف حمص كما تعرض متاحف "افاميا ودير الزور ومعرة النعمان " للسلب والنهب وسرقت لوحات ذات قيمة عالية فى وضح النهار.
كما تعرض " مسجد عمر" فى مدينة درعا للقصف الى جانب قلعة افاميا ونهبت مدينة "ايبلا" الأثرية فى محافظة ادلب فضلا عن قلعة "شيزر" المطلة على نهر العاصى وكانت قلعة تدمر التاريخية من بين الأماكن التي تعرضت لأضرار فضلا عن "قوس النصر" الذي تحول "لأثر بعد عين" وكان تاريخه يرجع الى 1800 عام منذ ان ابتليت المدينة بعناصر داعش في شهر مايو عام 2015 لتقوم ايضا بتدمير "التترابيلون الآثري" المؤلف من 16 عامودا كما الحقت اضرارا فادحة بواجهة المسرح الروماني الأمر الذي وصفته الأمم المتحدة حينئذ "بجريمة حرب جديدة".
وعملية التواصل الانساني الحضاري بين مصر وسوريا عبر التاريخ المديد تتجلى ضمن تجليات عديدة في "التترابليون" الذي يتكون من اربع قواعد حجرية تعلو كل منها اربعة اعمدة على شكل متقاطع وهي مصنوعة من جرانيت جلب من مصر، فيما اكد الأزهر الشريف على ان الدفاع عن المناطق الأثرية في مواجهة النهب والسلب والدمار "معركة الانسانية بأكملها".
واذا كان الأضرار بتراث بلد هو "اضرار بروح الشعب وهويته" كما اعلنت منظمة اليونسكو فى سياق تناولها للأوضاع فى سوريا فان القصف المروع لمدن عريقة تختزن التاريخ فى فضاءاتها مثل مدينة عفرين يشكل جريمة لايمكن ان تمر بلا عقاب..فمتى يتحرك العالم بجدية للتصدي لهذا الععدوان السافر ؟.