البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

رئيس "دار الكلمة الجامعية الفلسطينية" لـ"البوابة نيوز": "بخاف على مصر زي بلدي".. بعض قيادات الروم الأرثوذكس باعوا الأراضي للإسرائيليين.. ونُصلى لـ"لسيسي" لينصره الله على الإرهاب

القس د.مترى الراهب
القس د.مترى الراهب

يعتبر القس د. مترى الراهب، من العلماء الفلسطينيين، الذين استطاعوا أن يكوّنوا جسرًا بين فلسطين والعالم. فقد حاضر فى أكثر من ثلاثين دولة، وفى العديد من الجامعات والمحافل الدينية والثقافية والسياسية، كما أنه التقى العديد من رؤساء الدول وأعضاء البرلمانات ورؤساء مراكز الأبحاث الدولية، وذلك فى مسعى منه لنقل رسالة بيت لحم، والتى هى مجد لله وسلام على الأرض ومسرة للناس.
وكما يعرف عنه رفضه للهجرة رغم الإغراءات الكثيرة التى تعرض عليه، ولكنه يؤمن أن الله يدعونا كى نكون كشجرة الزيتون الأصلية التى تغرس بجذورها عميقًا فى الأرض البيت لحمية، لتمتد أغصانها عاليًا فى السماء وكانت «البوابة» أول محاور فى مصر حول الإصلاح الدينى، والوضع السياسى وأمور تخص الشأن العام وإلى نص الحوار:

■ فى البداية نريد أن نتعرف على كلية دار الكلمة الجامعية للفنون التى قمت بإنشائها؟
فى عام ١٩٩٥ تم إنشاء وتأسيس أول مركز تطور، لكى يصبح كلية جامعية تهتم بشئون الفنون والثقافة، تطرح ٧ برامج فى البكالوريوس وتسعة برامج فى الدبلوم ودبلوم متخصص فى مجالات أخرى، وتعتبر أول كلية فى فلسطين التى تهتم بالفنون ومازالت الوحيدة. وبها حوالى ٥٠٠ طالب وهناك أكثر من ١٠٠ شخص يعملون فى هذه المؤسسة فى التعليم أو فى الإدارة إلى ما أشبه.
■ ما الأهداف التى قامت عليها الجامعة؟
فى البداية، كان لدينا عدة أهداف، منها: تفعيل الحياة الثقافية فى فلسطين، وتوفير حيز للإبداع والتعبير عن الذات والتبادل الثقافى على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، من خلال برامج ديار وخططها الاستراتيجية، تمكين الشباب الفلسطينى والنساء والمعلمين وقادة المستقبل وتفعيل دورهم فى المجتمع، من خلال برامج تربية ومشاركة مدنية نوعية تسعى لتحفيز وصقل وتطوير إمكاناتهم وقدراتهم. 
بالإضافة لخلق فرص تعليمية جديدة فى فلسطين تتناسب مع القرن الحادى والعشرين وتكون قادرة على توفير المتطلبات التنموية للمجتمع الفلسطينى،عن طريق خلق فرص تعليمية بديلة عن المتعارف عليها والتقليدية منها، ودعم وتشجيع الطلبة على تطوير مستقبلهم من خلال أعمالهم وتوفير التدريبات المختلفة ذات المعايير الدولية فى مواضيع مختلفة مثل الفنون المرئية والأدائية والاتصالات والسياحة وصناعة الأفلام الوثائقية، وتطوير صحة الفرد والمجتمع من خلال تقديم خدمات رعاية صحية أولية تعتمد مبدأ الوقاية والتوعية المجتمعية وتوفير مرافق وبرامج متميزة باعتمادها على مبدأ التكاملية بين الجسد والعقل والروح. وتقديم خدمات وبرامج لفئات عمرية مختلفة بدءا من الأطفال إلى الشباب ووصولا إلى المسنين بهدف سد الاحتياجات التوعوية والاجتماعية والروحية والترفيهية.
■ ما التحديات التى واجهت الراهب فى هذا المشروع؟
- تحديات كثيرة بداية من تحدى الاحتلال الذى ينغص علينا العيش بالجدران التى تحيط بمدننا إلى المستوطنات الإسرائيلية التى تسرق الأرض إلى معوقات فى الحركة والتنقل، وصولًا لتحدٍ آخر هو نقص الأعداد فى الأشخاص الذين حصلوا على الدكتوراه فى هذه المواد، مثل الإخراج السينمائى والفنون المعاصرة والمسرح، والمتخصصون فى هذه المجالات قليلون جدًا فى فلسطين، لأن فلسطين بلد صغير مقارنة مع مصر مثلًا.
والتحدى الثالث كان من داخل الكنيسة، لأن الكنيسة أحيانًا كثيرة لا تفهم أهمية الفنون فى حياة الأمة. وتحديات أخرى لها دخل فى محاولة بعض الأشخاص تعطيل العمل من الداخل، فالمعوقات لا تعد ولا تحصى، ولكن نشكر الله نحن دائمًا نقول إن وراء كل تحدٍ توجد إمكانيات هائلة، فنحن ننظر إلى الإمكانات لا التحديات.
■ ما تعليقك على بيع الأراضى المملوكة لبعض الكنائس للمستوطنات الإسرائيلية؟
- إسرائيل تحاول الاستيلاء على الأراضى الفلسطينية بكل الوسائل والطرق، أى بالقوة أو المصادرة أو بالشراء، وهناك نفوس ضعيفة بحاجة إلى المال تبيع أراضيها، ونحن نرفض البيع، لأنها أراضٍ فلسطينية وبحاجة إليها لأبنائنا وأحفادنا، ولكن نحن أيضًا بحاجة إلى الأراضى المملوكة للكنيسة لكى نستثمرها للكنيسة ولأبنائها، وكانت هناك إغراءات لبعض القيادات فى كنيسة الروم الأرثوذكسية التى قامت ببيع بعض الأراضى فى مراكز حساسة جدًا، ولكن الشعب الفلسطينى هو ضد البيع بشكل عام.
■ فى عام الاحتفالات بالإصلاح الإنجيلى نجد تيارات مع رسامة المرأة قسًا، وكنائس أخرى رافضة الرسامة.. فما وجهة نظرك حول المرأة والكتاب المقدس؟ وهل يجوز رسامتها؟ 
- رابطة الكنائس الإنجيلية فى الشرق الأوسط فى عام ٢٠١٢، وكنت حينئذ موجود باللجنة اللاهوتية، وقمنا بدراسة رسامة المرأة قسًا، وقلنا إنه لا يوجد مانع كتابي لعدم رسامة المرأة، بل بالعكس شجعنا الكنائس على رسامة المرأة، ولكن تركنا الاختيار للوقت ولكل كنيسة أن تقرر. وبالتالى كانت الكنيسة والسنودس الإنجيلى فى لبنان وسوريا أول كنيسة بالشرق الأوسط ترسم نساء، ومن كنيسة بيت لحم أربع نساء قمن بدراسة اللاهوت، ولكن ثلاث منهن اخترن مجالات خدمية أخرى غير العمل بالرعاية، ولكن واحدة من العاملات معى فى بيت لحم تمت رسامتها قسيسة فى الولايات المتحدة الأمريكية قبل عام مضى فى الكنيسة اللوثرية، ولكن هى تخدم كنيسة ناطقة باللغة الإنجليزية وليس باللغة العربية.
وأنا من المناصرين جدًا لرسامة المرأة، لأننا نحتفل بمرور ٥٠٠ عام على الإصلاح، كان الحديث عن الكنيسة فى حاجة لتجديد، والكنيسة تتطور مع كل زمان وكل مكان، وبالتالى أعتقد أن الله عندما خلق الرجل والمرأة خلقهما متكافئين، وهو دعا الرجل كما دعا المرأة لخدمته فى كل المجالات، ولا يجوز لأننا فى مجتمع ذكورى أن نحرم هذا الحق عن النساء وهذا رأيى الشخصى، أحيانا فى سياقات مختلفة وفى تيارات مختلفة داخل كل كنيسة أما مع أو ضد، وبالتالى أحيانًا العملية تكون طويلة ومعقدة، ولكن أنا أقول لا نستطيع أن ننتظر حتى يتقبل المجتمع كل شىء وإلا لم نفعل شيئًا.
عندما بدأت الكنائس الإنجيلية فى افتتاح مدارس للبنات فى الشرق الأوسط قبل ١٥٠ سنة، كانت هناك معارضة شديدة، ولكن الكنيسة قالت إن تعليم المرأة هو جزء مهم من رسالة الكنيسة، ولا يمكن أن نستغنى عنه، لأنه فى بعض الجهات التى تعارضه فى الكثير من الأشياء التى بدأناها نحن كإنجيليين فى الشرق كان معارضة، ولكن فى النهاية لا يصح إلا الصحيح.
■ ما مقومات الإصلاح الديني والتى تهم مجتمعاتنا..الشرق أوسطى والكنيسة؟
- الإصلاح موضوع كبير جدا وبحر واسع، ولكن بالنسبة لمقومات الإصلاح فى أربع كلمات مهمة جدًا..أول كلمة هى: "المسيح"، لأنه بالنسبة للإصلاح المسيح هو المحور والمركز، وبالتالي أهم أحد شعارات الإصلاح كان "المسيح وحده" أى الخلاص فقط بالمسيح وحده، طبعًا المسيح وحده كان حركة تحرر لأنه المسيح وحده،أى أننا لا نتبع التقاليد الكنسية بل نتبع المسيح، والتقاليد الكنسية فى تغير مستمر، إذا قلنا أننا نتبعها بالتالى الكنيسة اليوم تعبد كما عبدت فى القرن الثالث، وهذا لا يصح لما نقول المسيح أولا هو الحصانة ضد الأصولية المسيحية، لأن هناك أيضًا فهما خاطئًا للكتاب المقدس، وكأنه علينا أن نؤمن بالكتاب المقدس إيمانًا حرفيًا.
ولكن نحن كمسيحيين نؤمن بالكلمة التى تجسدت فى شخص المسيح، وبالتالى نحن نؤمن بهذا الشخص الذى يعطينا الحرية أن نفسر الكلمات على ضوء المسيح من ناحية، وعلى ضوء الواقع من ناحية أخرى، وبالتالى نحن طوال الوقت نفكر فى السياق والزمان والمكان، وفى الكلمة ماذا تعنى فى هذا السياق.
ثانيًا "الحرية"، لأن مارتن لوثر ثار على القيصر والإمبراطورية فى روما، وثار على البابا وكنيسة القرون الوسطى، وبالتالى الإصلاح هو حركة تحرر فى ذاته، ولكن "لوثر" قال إن المسيحى هو إنسان حر فوق كل شىء لا يخضع لأحد، ولكن أيضًا فى نفس الوقت الشخص المسيحى هو خادم يخدم الجميع بلا تمييز، إذن مفهوم الحرية هو ليس الفوضى، إنما "الخدمة"، أنا حر المسيح حررنى لذلك أنا أخدم، وبالتالى أنا أريد أن أحرر الأخرين وأخدمهم هذا شىء مهم جدا لمجتمعنا العربى اليوم الذي للأسف بعض الدول تعانى إما من نظام سياسي قمعي أو أصوليات دينية قمعية، وبالتالى الإصلاح يعطينا مساحة للحرية كى لا نقع فى فخ هذه الأدوات القمعية فى مجتمعاتنا العربية.
ثالثًا: "العالم" عندما نادى الإصلاح بكهنوت جميع المؤمنين أى كل انسان هو كاهن، بمعنى أن كل إنسان يستطيع أن يتقرب إلى الله بدون وسيط، ولكن هذه الكلمة تعنى أيضًا أننى فى عملى اليومى أنا كاهن أى إذا أنا كنت طبيبًا فعندما أعالج وأداوى الناس بإخلاص فهذه هى دعوتى، وهذا هو كهنوتى وهكذا، وبالتالى الإصلاح لغى هذا الجدار بين المقدس وغير المقدس، والحياة اليومية صارت مقدسة هذا مهم جدًا لمجتمعاتنا العربية، لأننى أعتقد أن الكثير من التدين، هو كذب على الله، وكذب على النفس والمجتمع أيضًا، أى أنه ليس بتدين حقيقى، وإنما هو تدين مزيف، أنا أتظاهر بأننى متدين بشعارات أو بتصرفات معينة، ولكن الله لا يريد منى كل هذه الأشياء ولكن الله يريد منى أن عملت شيئًا أن أتقنه وأن أعمل بإخلاص، هذا هو الدين الحقيقي بالنسبة لمارتن لوثر.
واليوم عندما أنظر هنا فى مصر إلى البيوت القديمة فى بناءات جميلة جدا، ولكن الجميل المهندسون الذين انشأوها، فهموا أن عملهم كان كهنوتًا، عملًا دينيًا رائعًا متقنًا، انظر إلى عمارات أخرى شيدت قبل عشر سنوات لا يوجد لها شكل ولا لون، يمكن إذا حدثت هزة أرضية أن تسقط هذه العمارات ويموت سكانها من جراء هذا الزلزال، وأعتقد عندما ننظر إلى الشرق الأوسط هذه الأيام ترى تدينا «سكر زيادة» كما نقول، ومع كل هذا التدين نرى التحرش بالفتيات لا سابق له، ونفتقد إلى الأخلاق والأساسيات فى التعامل مع بعضنا البعض، ترى تدينًا يزداد وترى العنف يزداد، هناك تناقض، وأعتقد أن هذا التدين اليوم ٩٠ ٪ منه هو تدين كذاب ولا يمت إلى الإيمان الحقيقى بصلة، ولذلك الإصلاح هو دعوة لإعادة تفسير ما هو الدين.
رابعًا "التطور" الإصلاح نادى بمبدأ مهم جدا، وهو أن الكنيسة فى تطور مستمر، أى فهمنا للعالم يتغير يوميا،ً فهمنا لذواتنا يتغير يوميًا، وفهمنا للآخر يتغير يوميًا، وبالتالى فهمنا لديننا لابد أن يتغير، وبالتالى نحن مطالبين دائمًا بتطوير لاهوت إنجيلى لكل سياق ولكل زمان ومكان، ونحن أيضا مطالبين أن الكنيسة مطالبة أن تكون مستعدة أن تتغير طوال الوقت كى لا تتجمد وتصبح قطعة أثرية من الماضى.
■ فى عام الإصلاح نرى صراعات بالكنيسة الإنجيلية والمجتمع العالمى.. فما سبب تلك الصراعات؟
- أري أن كل دولة عربية لها سياقها الخاص بها، ومختلف عن فلسطين ولبنان وسوريا، ولذا الاجتهادات تختلف، ولكن أستطيع أن أقول أنه في العالم العربى اليوم نحن فى أزمة فكرية عميقة، وهذه الأزمة إذا تتبعتها الأصولية بدأت فى العالم العربي تنتشر بقوة نتيجة عوامل رئيسية، فحرب ١٩٦٧ وكل الآمال التى علقت على عبد الناصر، وردت الفعل أنه الناس لم تعد تؤمن لا بالقومية ولا بالحلول السياسية، ولجأت إلى الدين، بفكره إسلاميًا ومسيحيًا، حتى حركة الأديرة فى الكنيسة القبطية اشتدت وكبرت على يد البابا شنودة وبعد ٦٧ كان اللجوء للدين لأنه فشل المشروع القومى.
■ الكنيسة تحاول منع الإلحاد والمثلية الجنسية.. فما تعليقك على هذا الأمر؟
- الإلحاد والمثلية أمور تعانى منها المجتمعات الغربية،لأنه إذا كان مفهوم الحرية هو مفهوم مطلق، فبالتالى لا يوجد شىء مستهجن، وكل مجموعة تستطيع أن تطالب بحقوقها، والمجتمعات الشرقية مازالت فيها ضوابط، وحتى أكون منصفًا فمجتمعنا الشرقي لا يخلو من وجود هذه الأمور، لكن الفرق بين المجتمعات الشرقية والغربية، أن الغرب به حرية، فيستطيع الإنسان أن يعلن عن نفسه دون خوف.
■ ما رؤيتك للوضع السياسى فى مصر تحت إدارة الرئيس السيسى؟ 
- من يرى ما حدث فى سوريا لا يمكن إلا أن يقول أن الله حمى مصر، لأنه من الممكن أن يكون وضع مصر مثل سوريا وأسوأ منها، وتصبح مصر ملعبًا للقوة الإقليمية والدولية، وأنا كفلسطينى وعربى أخاف على مصر كخوفى على فلسطين، وما يميز مصر أن الجيش هو العمود الفقرى للدولة، وكان دائمًا صمام الأمان، وهذا غير موجود بالدول العربية، لأنه مفهوم جيش مصر، منذ محمد على، يختلف عنه مفهوم الجيش فى الدول العربية الأخرى. 
أما مسألة اختيار الرئيس، فهو شأن داخلى مصرى، أى لا نستطيع أن ندلى بدلونا فيه، ولكن ما أسمعه وما سمعته هذه الأيام، أستطيع أن أقول إن الرئيس عبد الفتاح السيسي أعطى الشعب الشعور بالأمان الذى افتقدوه إبان الثورات المتعاقبة، وهو أيضًا يحاول أن يعطي للكنائس حقوقًا معينة.
ولكن يظل أكبر تحدٍ لمصر، هو تحدى التنمية، لأن مصر بها ١٠٠ مليون نسمة، هؤلاء هدفهم حياة كريمة، وهذا تحدٍ كبير جدًا، فلا يوجد حل سحرى له، لا عند الرئيس أو عند غيره، وفشل التنمية فى الدول العربية فى السنين أو فى العقود الأربعة الأخيرة قادنا إلى ما نحن عليه اليوم، وبالتالى نصلى لمصر لتحقق نموذج فى المستقبل القريب إلي الحرية وللتنمية وإلى الانفتاح. كما نصلى للرئيس المصرى ونسانده فى مكافحة الإرهاب والتصدى له.