البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

الرجل الذي اُعدم بعد موته!

جون ويكليف
جون ويكليف

عقوبة الإعدام هي قتل شخص بإجراء من أجل العقاب أو الردع العام أو المنع، ومصطلح الإعدام هي إحالة وجود موجود إلى العدم أي إبطال وجوده بإزهاق روحـه عن طريق وسائل مختلفة باختلاف القوانين والأعراف، فالقاعدة هي إنهاء الحياة والاختلاف هو في طريقة التنفيذ، لكن أن تسمع أن تصدر العقوبة على شخص متوفى فهذا أمر مثير للدهشة، وأن يتم تنفيذ العقوبة فهذا الأكثر إثارة واستياء، وأن يصدر الحكم من البابا والكنيسة ربما يقشعر بدنك أو تقول هذا افتراء أو أنك تتحدث عن رواية خيالية فهذا أمر لا يصدق، لكن أقول لك هذا ما حدث بالفعل!
تبدأ القصة في إنجلترا عام 1338 عندما ولد ذلك الرجل الذي تخرج من جامعة أكسفورد وعرف أنه كان كاهنًا لبلدة "لترورز" فكان مهتمًا بالفقراء، وسرعان ما اُكتشفت قدراته العلمية وعُين أستاذًا في جامعة أكسفورد، واكتسب ثقة الملك وطُلب اليه أن يكون مستشارًا لاهوتيًا للملك، وقد جلب على نفسه نظرة عدائية من الكنيسة عندما بدأ يحقق في حياة الترف التي يحياها الاكليروس "رجال الكنيسة" وتورطهم في الشئون السياسية، فكان يحاضر عن السيادة المدنية فتحدث عن الوكالة فنادى بأن الله يعطي البشر سلطة الاستخدام لا التملك فالبشر وكلاء لا مُلاك، وكان ذلك في فترة بابوية " أفنينو" المشهورة بالثراء وسياسة فرض الضرائب الفاحشة، وقد تم استدعاؤه سنة 1377 ليمثل أمام أسقف لندن، إلا أن القائد المدني المرموق أنهى أي قرارات ضده، إلا أنه في نفس السنة أصدر البابا غريغورس الحادي عشر خمسة قرارات لإلقاء القبض عليه واستجوابه، إلا أن حزبًا قويًا وقف إلى جواره، مما أوقف أي استدعاءات من رئيس أساقفة كنتربري أو أسقف لندن 1378.
وقد ذهب ذلك الرجل إلى أبعد من مهاجمة البابوية بشكل مباشر، فقال: إن الكنيسة ليست متمركزة في البابا والكرادلة لكن في شركة المختارين يكون المسيح بالتأكيد رأسها الوحيد وقد ألف كتابًا في ذلك الصدد عنوانه "سلطة البابا"، كذلك اختلف في "سر الافخارستيا" فقد اَمن بأن الجسد والدم كانا حاضرين حقًا، لكن لم يكن هنا تحويل وتغيير في الخبز والخمر.
وبهذه الآراء اشتدت المعارضة البابوية ضده، ففي سنة 1382 أدان كبير أساقفة كنتربري أربع وعشرين فكرة له وتم منعه من إلقاء المحاضرات في جامعة أكسفورد.
وكان أهم إنجازاته أنه قام بترجمة الكتاب المقدس من " الفولجاتا" اللاتينية إلى اللغة الإنجليزية الدارجة.... وقد رحلنا عن عالمنا في عام 1384، وقد عرف ذلك الرجل في كُتب تاريخ الكنيسة باسم " نجم الصبح لحركة الإصلاح" إنه العظيم " جون ويكليف".
لكن القصة لم تنته بعد فعلى أثر مخاوف الكنيسة من المبشرين المتجولين صدر قرار " الحرمان" ضد " جون ويكليف" سنة 1408 وما أن انعقد مجمع كونستانس سنة 1414- 1418حتى حُكم ضد ما أطلقوا عليه ضلالات " جون ويكليف" وحيث أنه مات ودفن في عام 1384 صدر قرار بنبش قبره وإخراج عظامه وحرقها سنة 1428 أي بعد أكثر من أربع عقود من موته!
هذه ورقة من أوراق التاريخ حدثت بالفعل، واليوم مع التقدم والتطور الحضاري والفكري ربما لم يحدث مثل ما حدث مع "جون ويكليف " حرفيًا، لكن يحدث بصور مختلفة كم من ثوابت إيمانية تتم محاولات لحرقها وإعدامها بطرق متنوعة، فإن كنا ننادي بالإصلاح علينا التمييز بين الثابت والمتحول فالنصوص الكتابية المقدسة ثابتة، لكن التفسير هو المتحول كما قال د/ غسان خلف في محاضرة ألقاها بمناسبة احتفال سنودس النيل الإنجيلي بمرور 500 عام على الإصلاح الإنجيلي وقال أيضا إذا شئنا أن حركة الإصلاح تستمر بقوة واندفاع علينا أن نواجه المستقبل بما يقتضيه هذا العصر المتغير من تكيف وإعادة صياغة للمصطلحات الإيمانية المتوارثة لكي تبقى رسالة الإنجيل حية وملائمة لكل دهر وعصر.