البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

لماذا تستثمر عائلة تميم في الرياضة؟ "2 ـ 2"


إريك شامبيل.. صحفي بـ«فرانس فوتبول» ومؤلف كتاب «فيفا كات»

«الخليفى» عقد صفقة «نيمار» للتشويش على اتهام قطر بدعمها للإرهاب
«بلاتينى» و«ساركوزى» كان لهما دور كبير فى إسناد ملف تنظيم كأس العالم 2022 لـ«الدوحة»
الإمارة الصغيرة تغلغلت فى منظومة الرياضة الفرنسية وسيطرت على عدة نوادٍ وقنوات


إن قناتى «Canal» و«Beinvont» ستكونان على استعداد كامل لتلبية جميع رغبات الدورى «١»، وهو ما يعد بالنسبة للناشرين مسألة بقاء، وبالنسبة لكرة القدم الفرنسية وجهة نظر فريدة من نوعها للحاق بركب المنافسين الأوروبيين الرئيسيين.
استطاعت قطر جذب النعم الطيبة لكرة القدم الفرنسية -من خلال إنفاق الكثير من المال على بنك كرة القدم- وكذلك جذب الزعماء السياسيين الرئيسيين لفرنسا.
وقد ورد فى الأخبار أن سوق التحويلات كان فى بداية الأمر يمثل رغبة الأمير المنزعج من منافسيه الإقليميين المتفوقين عليه، هذا الانزعاج النابع من عجزه عن تخليص كل شيء رغم كل ما يملكه من مال، لكن يجب تجاوز الجانب المأسوى والمختزل لمثل هذا التفسير. قامت المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر بقطع علاقتها مع قطر، فارضة تلك الدول عقوبات اقتصادية عليها، متهمة إياها بدعمها للجماعات الإسلامية المتطرفة والإخوان المسلمين. وكان مجىء «نيمار» لاعب كرة القدم البرازيلي جزءا من الحرب الباردة التي تشنها قطر ضد جيرانها، حاملا فى المستقبل آمال التتويج بالـ«البالون دور» لكرة القدم فى فرنسا، وهو ما يعد نوعًا من الشرف الناشئ وسط منطقة الخليج، فأظهرت قطر أنها لا تزال تتحرك، ويمكنها نقل واحد من أعظم اللاعبين على هذا الكوكب.
على المستوى الجيوسياسى للعالم، وصول «نيمار» كان حدثًا قويًا للغاية، وأكثر فاعلية من جميع المعاهدات واتفاقات الشراكة الاقتصادية وحملات الدعاية.
بمجيء «نيمار»، استطاعت قطر شن هجوم مضاد دون وقوع ضحية واحدة، وذلك بتوقيع صك دخول يومي هائل فيما يخص إنتاج الغاز، حتى إن وجود جيش فائق القوة ومجهز بشكل مفرط لن يكون له أى تأثير رادع مثل ذلك الأمر، وبوصول «نيمار» أصبحت مشكلة دعم قطر للإرهاب طى النسيان، وهو ما يمكن ربطه بظاهرة فقدان الذاكرة السياسية الذى يضربنا جميعا بمجرد الحديث عن الرياضة وخاصة كرة القدم.
وهو ما يضع مفهوم القوة الرياضية الذى أوجدته قطر منذ سنوات عدة. وأذكر أن قطر استقبلت سابقا الألعاب الأسيوية فى ٢٠٠٦، والدورى النسائى للتنس فى ٢٠٠٩، ودورى كرة اليد فى ٢٠٠٤، كما أكدت قدرتها على تنظيم كأس العالم لكرة القدم فى ٢٠٢٢. فى هذا السياق، أسهم «نيمار» فى إسكات المشككين حول قدرة ورغبة قطر فى استضافتها لأكبر مسابقة بعد الألعاب الأوليمبية، وهذه القوة الرياضية أسهمت فى رفع الشكوك تجاه طموحها لمواصلة الاستثمار فى الرياضة، فاستطاعت قطر أن تصدر رسائل قوية ومباشرة من خلال الرياضة، مثل دفن شائعات عن انقلاب محتمل فى قطر، وتبديد علامات ضعف السلطة.

أثار هذا الانتقال شروط التخصيص العالمى لدورى ٢٠٢٢، هذه هى نقطة البداية وإستراتيجية قطر فى الإصرار على الرياضة كإحدى قطع الشطرنج التى يجب الاستفادة منها. فى ٢ ديسمبر ٢٠١٠، عينت اللجنة التنفيذية قطر لاستضافة كأس العالم ٢٠٢٢ بأربعة عشر صوتا فقط لصالح الولايات المتحدة، وهو ما يمكن اعتباره اختيارًا غير موفق بسبب الحرارة القاسية فى قطر وقت الصيف، لذلك سيعقد كأس العالم لأول مرة منذ عام ١٩٣٠ فى فصل الشتاء، بدءا من ٢١ نوفمبر إلى ١٨ ديسمبر ٢٠٢٢، وهو ما يعد إنجازًا يرجع الفضل فيه إلى نيكولا ساركوزى وميشيل بلاتينى اللذين عملا بجدٍ خلف الكواليس حتى تتمكن قطر من الفوز بالقضية. يتزامن كل هذا بشراء باريس سان جيرمان لـ«نيمار» وعودة قناة «BeIn» إلى السوق الفرنسية.
وهو ما تسبب فى إحباط الأمريكيين الذين قاموا بالانتقام بعد خمس سنوات -يوم ٢٧ مايو ٢٠١٥- حينما تم اعتقال سبعة من كبار مسئولى الفيفا، منهم نائب الرئيس وعضو اللجنة التنفيذية لـ«جيفرى ويب Jeffery Webb» من قبل الشرطة السويسرية، بناءً على طلب المحاكم الأمريكية، وقد أوضح «روبرت ديرى Robert Derry» -قاضى نيويورك الاتحادى المسئول عن هذه القضية- أن محاكمة المتهمين ستجرى فى ٥ نوفمبر من الشهر المقبل.

فى يوليو ٢٠١١، هبطت الشركة الجديدة المصنعة للمعدات فى فرنسا، «بوردا سبورت BURRDA Sport»، علامة تجارية تم إطلاقها فى ٢٠٠٦ من قبل شركة «Pilatus sports management» مقرها سويسرا وممولة من قطر، وتُباع هذه العلامة التجارية فى دول الخليج، وقد تم تسويقها فى فرنسا ثم بلجيكا، وإسبانيا، والبرتغال وإيطاليا فى ٢٠١٢.
إن عالم الرياضة هو بالتأكيد عالم صغير جدا، منذ ٢٠٠٤ وضع هذا البلد الصغير من منطقة الخليج يده على تدريب الشباب، علاوة على ذلك، أنشأت قطر أكاديمية «أسباير Aspire Academy» وهى مركز رياضي متطور بلغت مساحته ٢٥٠ هكتارا، واتخذ من الدوحة مقرا له، لتساهم فى تطوير أفضل الرياضيين.
بعد أربع سنوات، أطلق القطريون مشروعا ثانيا أكثر حماقة من أحلام أسباير لكرة القدم، وتم الكشف عنه فى ثلاث قارات، أهمهما إفريقيا من خلال ثمانية عشر بلدًا للإشراف على حوالى ٢٥٠ ألف شاب سنويا.
من الجدير بالذكر، أن نادى «يوبن» كان على شفا الإفلاس حتى إن أحد رؤسائه السابقين تم سجنه، وكانت معجزة استقرار النادى قد تحققت بوصول القطريين، حيث عمل فى النادى مئات الموظفين سواء بدوام كامل أو جزئي، وتم تحديث أرض التدريب الاصطناعية، والدليل على ذلك أيضا صعود النادى لدورى «جوبيلر برو Jupiler Pro League»، أول تقسيم بلجيكي، حتى ولو أنه يحتل المركز الأخير حاليا.
سمحت بلجيكا ويوبن لأسباير بأن تكون فرصة اللعب للاعبين من خارج المجتمع الأوروبى علما بأن عدد اللاعبين من خارج المنطقة لكل نادِ محدود جدا فى بعض البطولات، كما أن تصاريح عملهم معقدة للغاية، مما يصعب الحصول عليها، لكن بدت الأمور أبسط من ذلك بكثير فى بلجيكا، حيث إن التشريع يسمح عمليا بوجود ثلثى اللاعبين من الأجانب على ورقة المباراة.
هذه السهولة فى استخدام عمالة خارجية تشكل فرصة لقطر فى آفاق كأس العالم ٢٠٢٠، فأثناء المباراة الرسمية الأخيرة للفريق القومى القطرى ضد الصين، فى نوفمبر الماضي، اصطف فريق قطر سبعة لاعبين مجنسين فى فريق البداية.

من الجدير بالإشارة، أن القطريين قد وصلوا إلى نهائيات كرة اليد المنظَم فى قطر، بخمسة لاعبين فقط من قطر من أصل ستة عشر لاعبًا. كيف يمكننا ألا نتصور مثل هذه البراعة تتألق خلال كأس العالم ٢٠٢٢؟ كيف يمكننا عدم تخيل هذه الموجة من تجنيس اللاعبين الأجانب المدربين كجزء من أحلام أسباير؟ هذه الافتراضات تنطوى على مخاطر من شأنها التعارض مع خصوصيات كل اتحاد دولي.
فى كرة اليد، اللاعب الذى لم يعد يرتدى الفنلة لمدة ثلاث أعوام، له الحق فى التطور لأمة أخرى، أما بالنسبة لكرة القدم، اللاعب الذى يتم اختياره مرة واحدة على الأقل فى اختيار «أ» لا يستطيع التطور لبلد آخر إلا من خلال تقديم اللاعب نفسه لفريق أقوى. تمكنت قطر من الغرق فى خروقات أخرى وجعل نفسها لا غنى عنها فى مناطق النفوذ والتأثير، ربما تكون تلك المناطق غير مرئية، ولكنها حاسمة، وهذا هو الحال بالنسبة للمركز الدولى للأمن الرياضى، وهو منظمة دولية غير هادفة للربح تم إنشاؤها فى ٢٠١٠ ومقرها الدوحة، يقوم هذا المركز بمهمة عالمية تهدف لتعزيز وحماية سلامة الرياضة، وتشمل أنشطة المركز الرئيسية والاستشارة، والتدريب والبحث، ويعمل أساسا مع لجان تنظيمية، وحكومات، البلدان الداعية للمناقصات، وأصحاب البنى التحتية، والجمعيات الرياضية والبطولات والنوادي، ووصل المركز الدولى للأمن الرياضى للعالم الأكاديمى بفرنسا.
فى مارس ٢٠١٢، أطلقت جامعة «باريس ١ بونتيون سوربون Paris I Panthéon-Sorbonne» مع المركز برنامجًا للبحوث التطبيقية تحت عنوان «الأخلاقيات والسلامة فى الرياضة»، يركز هذا البرنامج بشكل خاص على الروابط الموجودة بين المقامرة على المستوى الدولى وتزوير النتائج الرياضية التى يتم الحصول عليها بالغش فى الرهان.

امتدت هذه المباردة لمجال التدريس من خلال تدريس جمعية المركز الدولى للأمن الرياضى فى الدراسات العليا بجامعة باريس، وذلك فى إطار قانون الرياضة ودبلومة القانون، نجحت قطر فى الحصول على مكان لها فى دورة وحوكمة الرياضة من خلال اهتمامها بها وجعلها ملعبها المفضل. ويتمتع ناصر الخليفى بوظائف عدة، من بينها رئيس ومدير عام مجموعة «BeIn»، رئيس باريس سان جيرمان وعضو مجلس إدارة الدورى المهنى الفرنسى، وكذلك عضو رابطة الأندية الأوروبية الأقوى.
هذا الوضع يجعله مفيدًا للغاية له عند التفاوض بشأن حقوق مختلفة، كما يسمح له بمعرفة ما فى الداخل، وكذلك معرفة جميع الاتجاهات الممكنة والخيارات الاستراتيجية فى التسويق وتطوير هيئاتها المختلفة.
يظل تضارب المصالح هنا غير مزعج لأحد، ربما لأن استثمارات قطر تأتى أكثر هنا، كما أن لقناة «BeIn» وغيرها آثارًا مخدرة.
وفى الختام يمكننا القول إن قطر توجه استثماراتها الرياضية من أجل أن تصبح علامة تجارية عالمية، مما يجعلها فاعلا لا غنى عنه على المشهد الجيوسياسي، فإن حجمها الجغرافى والسكانى لا يسمح لها باللعب بطريقة طبيعية وضمنية، وهو ما لا يجب إنكاره، ولكن ممكن اعتبار ذلك كوسيلة لإخفاء أوجه القصور فيها، وتناقضاتها، وجمودها الداخلي، فلا يمكننا أن نصمت حينما نتذكر ذلك العامل النيبالى الذى عمل على مواقع البناء لكأس العالم ٢٠٢٢، وتم فصله فى مارس ٢٠١٦ بعد تقديمه لشكوى لدى منظمة الأمم المتحدة حول ظروف العمل، ونتيجة لذلك أدركت الأمم المتحدة ضرورة التحرك، فقامت بتأسيس منظمة العمل الدولية للرد على هذه القضية.
ومن المقرر عقد اجتماع بشأن هذه القضية فى نوفمبر المقبل لدراسة ظروف العمل، ثم دراسة فصل هذا العامل الذى من المحتمل أن يكون قد خضع لعمل انتقامى من جانب صاحب العمل، فوفقا للعديد من المصادر، فإن العامل قد قضى حكما بالسجن لمدة ١٥ يوما بعد فصله، وأن كل ما قيل يوضح ما إذا كانت قطر تضع الكثير من العمل البدنى لكى يكون لها تأثير حقيقى ومساحة تسمح لها بحماية نفسها والحد من ضعفها، وبالتالى تجنب قلقها، وهذه ليست أقل المفارقات إرباكا فى الإمارة.