البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

كواليس الدعم الإيراني للحليف القطري في اليونسكو

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

جاءت نتائج الجولة الأولى لانتخابات اليونسكو كاشفة للتربيطات والولاءات، والتكتلات التى سارت عليها بقية الجولات، حيث حافظت الدول الثلاث الأولى «مصر وفرنسا وقطر» على تقدمها، ما أدى إلى انسحابات متوالية للدول ذات الحظوظ الأقل.
أهم الحقائق التى كشفت عنها الانتخابات كانت تفتيت أصوات الكتلة الإفريقية لصالح دولة أخرى، وهو على خلاف الثقة التى أبدتها السفيرة مشيرة خطاب، المرشحة المصرية لمنصب مدير عام اليونسكو، والتى أكدت أنها تحظى بدعم بالإجماع من الدول الإفريقية الأعضاء فى منظمة الوحدة الإفريقية، منوهة بأنها أول مرشحة إفريقية يصدر لها قرار يوضح كيفية الحشد لتأييدها.
ثقة المرشحة المصرية دعمتها أيضا كيانات إفريقية متعددة، أبرزها مفوضية الاتحاد الإفريقي، حيث أكد موسى فقيه رئيس المفوضية، على أهمية احترام الموقف الإفريقى الموحد لدعم السفيرة مشيرة خطاب لمنصب مدير عام اليونسكو، وقال إنها لا تمثل مصر فقط بحضارتها وثقافتها وإنما القارة الإفريقية بأكملها، وإن مشيرة خطاب تتمتع بخبرات كبيرة تجعلها جديرة بالمنصب، والتشديد على أن هناك دعما إفريقيا كاملا للسفيرة بما تمثله من خليط ثقافى يجمع العرب وإفريقيا بما يجعلها جديرة حقا بالفوز.
الثقة التى أبداها رئيس المفوضية لم تقتصر فقط على التصريحات، ولكنه حرص على السفر خصيصا لباريس لدعم مرشحة القارة الإفريقية، من خلال حضور اجتماع المجموعة الإفريقية باليونسكو، وجدد تأكيده على أهمية اليونسكو للعالم والقارة الإفريقية، واعتباره أن التعليم والعلوم والثقافة تعد مجالات مهمة جدا للقارة.
نتائج الجولة الأولى التى تمثلت فى ١١ صوتًا للسفيرة مشيرة خطاب، ممثلة مصر، و١٣ صوتًا لأودريه أزولاى المرشحة الفرنسية، و١٩ صوتًا للقطرى حمد بن عبدالعزيز الكواري، أدى لتراجع الثقة المصرية فى الكتلة الإفريقية، خاصة أن أصوات الكتلة الإفريقية بما فيها مصر تصل إلى ١٧ صوتًا فى الوقت الذى حصلت فيه مصر على ١١ صوتًا بما فيها أصوات عربية، ما يعنى أن عدة دول إفريقية تخلت عن دعم مصر.
تراجع الثقة فى الكتلة الإفريقية أبدته السفيرة مشيرة خطاب، فور ظهور نتائج الجولة الأولى، حيث أكدت أن بعض الدول فى إفريقيا لم تعط صوتها لمصر، وأرجعت ذلك إلى أن المعركة لها شقان الأول يتعلق بكفاءة المرشح، والشق الثانى سياسي، مؤكدة أن الأمر يمكن تداركه عبر مفاوضات يقوم بها الوفد المصاحب لها.
الصدمة فى الموقف الإفريقى دفع البعض إلى وصفه بالخيانة، حيث أكد عالم المصريات الدكتور زاهى حواس، وزير الآثار الأسبق، أن هناك أموالا تدفع فى انتخابات اليونسكو، وأن هناك انحرافا عن المسار الطبيعى للانتخابات الدولية، خاصة أن السفيرة مشيرة خطاب تمتلك كل المقومات للنجاح، مشددًا على وجود خيانة داخل الكواليس، وأن المرشح القطرى يمكنه الفوز بالمنصب من خلال الأموال التى يتم دفعها، وهو ما سيكون فضيحة دولية.

أين ذهبت الأصوات الإفريقية؟
رأى مراقبون للشأن الإفريقى أن التوغل الإيرانى فى القارة الإفريقية قد انعكس سلبًا على المصالح العربية، خاصة إذا استخدمت إيران هذا النفوذ لدعم حليف لها فى المنطقة، مشيرين إلى أن هناك تحالفا علنيا فى الوقت الحالى بين إيران وقطر، وأنه من مصلحة إيران إحراج الرباعى العربى المقاطع للدوحة، فضلا عن أن النفوذ الإيرانى فى القارة السمراء وحصول قطر على أصوات عدد من الدول الإفريقية وتفتيت الكتلة التى تعتمد عليها مصر يؤكد استغلال إيران نفوذها لصالح الحليف القطرى الذى يعتمد على تفتيت وحدة الصف العربي.
إيران أعلنت صراحة عن تنامى نفوذها فى إفريقيا، حيث نقلت وكالة أنباء فارس الإيرانية عن نائب زعيم المسلمين فى نيجيريا الشيخ إسماعيل شعب، قوله إن نحو ٢٠ مليون نيجيرى اعتنقوا مذهب أهل البيت، مشيرًا إلى أن هذا الأمر جاء نتيجة جهود الشيخ إبراهيم الزكزاكي.
فى هذا السياق يقول، محمد بناية، الباحث فى الشأن الإيرانى، إن الاستراتيجية الإيرانية لاختراق القارة الإفريقية تعتمد على ثلاثة محاور هى المد الشيعى والمصالح السياسية والاقتصادية، وإذا كان السودان من الدول الإفريقية الأولى التى تستقبل رئيساً إيرانياً، إلا أن شبكة إيران الإفريقية أخذت تتوسع فشملت كلا من جنوب إفريقيا، كينيا، تنزانيا، زيمبابوي، أوغندا، نيجيريا، النيجر، الكاميرون، السنغال، جزر القمر، الصومال، جيبوتي، غانا.
وأضاف بناية أن النظام الإيرانى يتبنى سياسات ممنهجة فى نشر المذهب الشيعى تقوم فى الغالب على تقديم الدعم المادى مع اختلاف طبيعته وشكله من مكان لآخر، وبالنسبة للحالة الإفريقية يعتمد النظام بشكل أساسى على شراء الأصوات، فضلًا عن المشاركة فى المشاريع الخيرية التى تقدم خدمات اجتماعية للبسطاء خاصة فى مجالات التعليم والصحة.
وأوضح الباحث فى الشأن الإيرانى أنه سياسيًا لعبت إيران على دغدغة مشاعر الشعوب الإفريقية بالترويج لفكرة محور المقاومة (الشيعي) ضد الهيمنة الغربية وتحرير الشعوب التى تعانى وطأة هذه الهيمنة وبالتالى تأسيس جبهة موحدة تكون إيران طرفًا أساسيًا فيها لمواجهة نفوذ دول الاستكبار، وهذا ما دأب المسئولون الإيرانيون على تكراره خلال زياراتهم المتكررة لدول إفريقيا، منذ أول زيارة قام بها رفسنجانى فى عام ١٩٩١ إلى السودان وصولًا إلى عهد روحاني، وهو ما يمكن وصفه بالمحاولات الإيرانية لاستنساخ تجربة حزب الله فى إفريقيا.
الباحث فى الشأن الإيراني، أكد أنه على صعيد المحور الاقتصادى استغلت إيران ضعف الاستثمارات العربية بالقارة الإفريقية فى زيادة نفوذها، وأصبحت تروّج لنفسها كقوة اقتصادية مسلمة فى محاولة لاجتذاب الدول الإفريقية، كما قامت بدعم بعض دول الشرق الإفريقى ماديًا ومعنويًا لكسب مكانة استراتيجية داخل هذه الدول كما هو الحال مع إريتريا التى منحتها إيران قرضًا بقيمة ٢٥ مليون يورو فى عام ٢٠٠٩ بعد زيارة قام بها الرئيس الإريتري، وهو الأمر الذى أتاح لها تأسيس قاعدة عسكرية فى إريتريا، هذا فضلًا عن المشاريع الاقتصادية التى تنوعت بين قطاع الاتصالات وقطاع البترول واستخراج اليورانيوم والبتروكيماويات وغيرها من المشروعات الأخرى، وعليه فقد استطاعت إيران أن تؤسس لنفسها مكانة اقتصادية وسياسية وثقافية قوية فى إفريقيا.

إحراج الرباعى العربى
التحالف الإيرانى القطرى يهدف فى الأساس إلى تقوية شوكة الدوحة ضد الدول العربية واستمرارها فى تنفيذ سياستها التى تعتمد على عرقلة أى محاولة لتحقيق الوحدة العربية، وهو الأمر الذى بدا واضحا فور إعلان الرباعى العربى مقاطعته للدوحة، حيث أسرعت طهران بإبداء استعدادها لمساندة قطر، ومن الطبيعى أن تستغل إيران الفرصة فى المحافل الدولية، خاصة فى ظل التنافس على منصب مهم مثل اليونسكو، ومحاولة إظهار قطر بأنها تحظى بثقل وتأييد دولي.
الباحث هانى سليمان، نائب مدير المركز العربى للدراسات السياسية، أعرب عن اعتقاده بأن إيران تلعب دورًا كبيرًا فى مساندة قطر من خلال ضمان الأصوات الإفريقية من خلال الهيمنة الإيرانية فى العديد من دول القارة، بما يضمن السيطرة على الدوحة من خلال تعميق فكرة الشراكة الاستراتيجية، وهو الأمر الذى يضمن لإيران إصرار قطر على غلق المجال أمام العودة أو التراجع.
واعتبر سليمان أن أحد أهم محددات الاستراتيجية الإيرانية فى إفريقيا هى محاصرة الدور العربى والعلاقات العربية الإفريقية وتقزيمها، بحيث تقطع الخط التاريخى الواصل وتجد لنفسها موطأ قدم ونفوذ يمكنها من تحقيق أهدافها وحصار الأدوار العربية الخليجية متمثلة فى السعودية والإمارات، وفتح مجال للمد الشيعى فى مواجهة المد السني، وكسب أوراق ضغط جديدة فى مواجهة الطرف العربي، وأيضًا استخدام الدول الإفريقية كأوراق تصويتية فى معركتها مع أمريكا، وأيضًا ضد العرب وخاصة السعودية.
واشار نائب مدير المركز العربى للدراسات السياسية، إلى أن قطر أضحت فى فترة وجيزة تحتفظ بثقل ووزن نسبى داخل القارة الإفريقية، علاوة على التحول الأخير المهم فى الأزمة الخليجية القطرية، الذى أعطى طهران فرصة تاريخية للتواجد فى عمق الخليج باستدعاء قطر لها ومغازلتها، وفتح خطوط تواصل مباشر مع الحرس الثورى الإيراني، والقيادة فى طهران، والتنسيق المعلن والسرى فى الأزمة الخليجية الأخيرة.
واعتبر سليمان أن اتباع إيران استراتيجية للتوغل فى القارة الإفريقية وبشكل مكثف منذ مطلع الألفية، تعتمد على بناء شراكات استراتيجية مع الدول الكبرى المؤثرة فى القارة مثل جنوب إفريقيا، واعتمادها على تصدير الفكر الشيعى فى بعض الدول وبخاصة غانا، السنغال، وجزر القمر واعتمادها على أنشطة مشبوهة فى شرق إفريقيا.
واختتم سليمان تصريحاته بالقول: «كل تلك العوامل لا تنفصل عما يحدث فى أروقة انتخابات مدير اليونسكو، حيث كانت معركة مصيرية بالنسبة لقطر فى مواجهة الرباعية ممثلة فى مصر، وبالتالى فالجهود ضارية من أجل حشد وكسب الأصوات، بل وشرائها أيضًا من خلال وجود مؤشرات كثيرة على ذلك، لكن رغم كل تلك المواقف الواضحة، تظل هناك عوامل موضوعية متعلقة بالقدرات على التفاوض وكسب المواقف والتأثير داخل المؤسسات الدولية، علينا الاستفادة من الدروس ومعالجة مواطن الخلل.

النفوذ الإيرانى.. وتفتيت الكتلة الإفريقية
كشفت تقارير خليجية أن الدوحة لجأت إلى طهران لمساندتها فى معركتها ضد المرشحة المصرية السفيرة مشيرة خطاب التى تحظى بدعم عربي، مستشهدة بصور لزيارة المرشح القطرى حمد بن عبدالعزيز الكوارى إلى طهران والحوزات الشيعية، والتبرك بقبر قائد الثورة الإيرانية الإمام الخمينى.
وفى هذا السياق قال عاطف السعداوى، الخبير فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن الأصوات الإفريقية قابلة للشراء، خاصة أن التصويت يجرى بشكل سري، لافتًا إلى أن الأصوات الإفريقية كانت ستحسم المسألة لصالح السفيرة مشيرة خطاب ولكنها ذهبت لمرشحين آخرين بعد تدخل قوى إقليمية.
وأوضح الخبير فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن منظمة اليونسكو أكثر منظمة تشهد انتخاباتها استغلالا للمال السياسى وتعتمد فكرة شراء الأصوات للدول الفقيرة والدول الكبرى، لافتًا إلى أن إيران رسخت كل نفوذها فى القارة الإفريقية لصالح حليفها القطري، خاصة أن التحالف بين الدوحة وطهران فى الوقت الحالى أصبح علنيًا ولم يعد سريًا.
وأشار السعداوى إلى أن السفيرة مشيرة خطاب لم تكن مرشحة مصر فقط ولكن كانت مرشحة إفريقيا بشكل عام، وهو الأمر الذى أعلنه الاتحاد الإفريقي، لافتًا إلى أن نسبة الأصوات التى حصلت عليها المرشحة المصرية أكدت أنها تعرضت للخيانة من بعض الدول الإفريقية التى نجحت إيران فى شرائها لصالح الدوحة.