البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

هل تنجح فى مواجهة التطرف؟

الصوفية.. طرق مورّثة ومنهج يحتاج إلى التجديد

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

مرصد الإفتاء: التصوف الصحيح هو الحل.. والأزهر دعم منهجه بمؤتمر التصوف العالمي
الشيخ علاء أبوالعزائم: «صناديق النذور صوفية لأن المتبرع لها ليس سلفيا ولا إخوانيا»
مصطفى زهران: الطرق نفسها تجدد خطابها حتى تتمكن من تجديد الخطاب الدينى

فى المرة الأولى التى تطرق فيها الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى ضرورة إجراء تعديلات يحتاجها الخطاب الدينى كان فى يناير 2015، عندما تحدث خلال الاحتفال بالمولد النبوى عما سمّاه -آنذاك- بـ«تصويب» الخطاب الديني.
الملف الذى ظل مفتوحًا بعد أن أخذ ترتيبًا متقدمًا فى الأولويات، لكن بمسمى «تجديد» الخطاب الدينى، وليس «تصويب».
إلا أن المؤسسات الدينية استقبلت المطالبات بتحفظ مغلف بحماسة باردة، أعلن فيها مثلًا مرصد الفتاوى الشاذة والتكفيرية التابع لدار الإفتاء المصرية، عن موقفه عبر تقرير صدر فى سبتمبر 2015، تحدث فيه عن «التصوف الصحيح» حلًا لمواجهة التطرف. إلا أن المرصد لم يكن الجهة الدينية الأولى المعبرة عن ميلها إلى التصوف، إذ سبقه إليه الأزهر الذى نظم فى 2011 مؤتمرًا عالميًا للتصوف تحت رعاية الإمام الأكبر أحمد الطيب، وحضره ممثلون عن الصوفية فى مصر والعالم الإسلامي. وخلال كلمته أكد «الطيب» -الذى ينحدر عن طريقة صوفية أصلًا- على دور مقبل للصوفية.
عزز ذلك من موقف الطرق الصوفية التى أعربت بدورها عن جاهزيتها لهذا «الدور المنتظر»، مستندة فى حديثها عن جدارتها بهذه المهمة على تراث صوفى، تمكن من التصدى لفاشية المذاهب والفقهاء فى الحضارة الإسلامية.
فى السياق نفسه، جاءت المقالات الدافعة نحو التصوف كحل لمواجهة البشاعة «الداعشية»، ليكون السؤال: إلى أى مدى ستتمكن الحالة الصوفية بوضعها الراهن من مواجهة التطرف؟ أو بمعنى آخر ماذا لدى الصوفية لتقدمه فى ملف التجديد؟

فشل المتصوفة الأفارقة
تعرف الصوفية كاستغراق فى التدين الصحيح... وهى جيش إسلامى سلمى زاهد فى السلطة، وعلى هذا النحو، فهى الفراغ من الجدال الفقهى إلى حالة تعبد فردية، يكتشفها الشخص ليحب الله على طريقته. هذا الغناء الروحى لم يسعف مثلًا التجربة الصوفية فى قلب إفريقيا فى منع ظهور الجماعات السلفية، إذ لم تقم بشىء إلا تأجيل ظهورها ليس إلا.
وفى هذا الشأن، يقول الدكتور حمدى عبدالرحمن حسن، أستاذ العلوم السياسية فى جامعة القاهرة، والمتخصّص فى الشأن الإفريقي، فى كتابه «تحولات الخطاب الإسلامى فى إفريقيا.. من الصوفية الإصلاحية إلى بوكو حرام»: إنّ انتشار الإسلام فى إفريقيا من خلال التوجّه الصوفىّ المالكيّ والشافعيّ، كان أحد الأسباب التى أدّت إلى تأخّر وصول الدعوة السلفية إلى إفريقيا، وإنّ ذلك ظهر مع تأسيس «جماعة إزالة البدعة وإقامة السنّة» فى نيجيريا عام ١٩٧٨ على يد الشيخ إسماعيل إدريس».
هذا الإخفاق الذى وقعت فيه الحالة الصوفية فى إفريقيا يشير إلى صعوبة المواجهة بين الصوفية والتطرف مهما كانت قوة الأولى، فماذا عن الصوفية المصرية التى تعانى أصلا أزمات بشهادة أصوات من داخلها، هل هى فعلًا مستعدة لـ«التجديد»، وماذا لديها كى تقدمه؟

تجديد الخطاب الصوفى
«تمتلك الطرق الصوفية مكتبة ضخمة قادرة على سد الفجوات التى تستغلها الجماعات المتطرفة لكنها مكتبة تراثية»، وفقًا لمصطفى زهران، الباحث فى الشأن الصوفى، الذى استرسل قائلًا: «أغلب الطرق الصوفية فى مصر توقفت عن إصدار منتج فكرى جديد، واكتفت بما دوّنه مؤسسوها والرعيل الأول من المتصوفة، ما يعنى أن الطرق نفسها لم تجدد خطابها، حتى تتمكن من تجديد الخطاب الدينى بشكل عام».
وأضاف «الأزمة فى مؤلفات المؤسسين أنها ضخمة وكُتبت بصيغ لم تعد تلائم الوقت الراهن، وبالتالى كان على الطرق أن تعيد تقديم قراءات لهذه الكتب، بحيث تبرز الأجزاء المعنية بمحاربة التطرف، وتقدمها بصيغ تسهل وصولها إلى الفئات المستهدفة»، متابعًا «لن يقدم شاب حاليًا على تصفح كتاب من مئات الصفحات».

توريث الطريقة
وتطرق إلى منتج فكرى صوفى غزير على المستوى المغاربى والتركي، إذ «تشهد الطرق الصوفية هناك نهضة ملحوظة على خلاف الصوفية المصرية».
وأوضح أن الفجوة بين الطرق فى مصر وفى تركيا والمغرب العربي، هى أن الطرق فى مصر ضعفت منذ اعتمدت على الوراثة، فبات شيخ الطريقة شخصًا غير مدرك لأهمية دوره، ومن ثم بقت الطرق اسمًا بعيدًا عن العلم.
قانون الطرق الصوفية
الشيخ علاء أبو العزائم، شيخ الطريقة العزمية، ورئيس الاتحاد العالمى للطرق الصوفية، اتفق جزئيًا مع هذا الكلام؛ إذ تحدث عن طرق «مجمدة» ليس لها نشاط، ومن ثم غير قادرة على كتابة نصوصها.
وتابع لـ«البوابة» هذه الطرق تشغل نفسها بطقوس الصلاة والأدعية، التى كتبها مؤسس الطريقة، لكنها لم تُعد حتى طباعة كتب مؤسسها لتضمن حفظها.
وأرجع السبب فى ذلك إلى عدم دعم الدولة للصوفية، «فقانون الطرق الصوفية ١١٨، ينص على أن أموال صناديق النذور تذهب إلى الأوقاف و١٠٪ فقط تخصص للصوفية، مشددًا على أن «صناديق النذور صوفية لأن المتبرع لها ليس سلفيًا ولا إخوانيًا».
وأضاف: الأوقاف وزارة غنية والطرق فى حاجة إلى هذه الأموال لتعليم أبنائها وتجديد مساجدها والعمل على إرسال الوفود والحركة داخل المحافظات.

ملف التجديد.. وتوصيات
فى الوقت نفسه، أشاد بجهود طريقته فى تقديم كتابات جديدة معنية بملف التجديد، مشيرًا إلى سلسلة جلسات نظمت بدايات ٢٠١٥ بمقر الطريقة العزمية، بالسيدة زينب، بحضور ممثلين عن الأزهر، وأنتجت توصيات تم إرسالها إلى مؤسسة الرئاسة، كان منها: المطالبة بتدريس المناهج الدينية فى جميع المراحل التعليمية، على أن يقوم بتدريسها متخصصون، وأن تكون المناهج متدرجة من حيث الكم والكيف، حسب المرحلة العمرية والتعليمية، مع التأكيد على ضرورة أن يمثل الدعاة إلى الله قدوة للناس، بتطابق أفعالهم مع أقوالهم.
مجلة المسلم
بالرغم من هذه التوصيات، فإن تصفح مجلة «الإسلام وطن» المعبرة عن الطريقة العزمية، ستجدها مستفيضة فى مقالات عن تجديد الخطاب الديني، إلا أن أغلبها مدون من كتاب حول الصوفية، كأساتذة من جامعة الأزهر أو باحثين فى الصوفية كعمار على حسن، وهو ما قاله مصطفى زهران، الذى أغلب من يخرج عن الصوفية فى مصر، فهو من مقربين منها وليس منتج عنها.
الأمر نفسه مع مجلة «المسلم» المعبرة عن «العشيرة المحمدية»، إذ خصصت الطريقة عدد فبراير- مارس من المجلة لتجديد الخطاب الدينى بمناسبة الذكرى التاسعة عشرة لوفاة مؤسس الطريقة الإمام محمد زكى إبراهيم الذى تعتبره الطريقة رمزًا للتجديد الديني.
واستهل العدد، بهذه المناسبة، بمقالة للإمام كان قد كتبها قبل وفاته، عن حتمية التجديد ومواجهة الفكر السلفى بالشكل الراهن تحت عنوان «سؤال تمصوفى!! وجواب تمسلفي!!» وذهب فيه إلى أن لا فرق بين صوفى وسلفي، ولكن بعد أن يتخلص الصوفى من ما شاب فكره من خزعبلات وما مس السلفى من تشدد، لهذا تعرف الطريقة نفسها كـ«طريقة شاذلية صوفية سلفية».
لحقت مقالة المؤسس هذه مقالات أخرى أغلبها عن التجديد، لكنها جاءت من مشايخ وعلماء أزهريين مثل: المفتى شوقى علام، الذى كتب تحت عنوان «الفكر المتطرف.. الأسباب والمنطلقات»، والدكتور إبراهيم نجم، المستشار الإعلامى لدار الإفتاء، الذى كتب «التجديد يتجاوز الكلام»، فيما دوّن الدكتور أسامة الأزهري، مستشار رئيس الجمهورية، عن «عقول عمياء».
المشاركة الأزهرية بهذا الشكل فى ظل اختفاء الكتابات الصوفية بالعدد المخصص أساسًا للتجديد واكتفاء الطريقة بالاستعانة بمقالات قديمة لمؤسسها، يشير إلى ثمة اعتماد كلى على كتابته والأخذ منها حسب الحاجة دون الإضافة عليها.

جيل المجددين
لكن عصام محيى الدين، الأمين العام لحزب التحرير الصوفى، لم ير فى ذلك عيبًا، إذ أقر بأن الكتابات الحديثة المقدمة حاليًا من داخل الصوفية أغلبها إعادة كتابة للتراث.
وأوضح أن الصوفية منذ حوالى مائة عام بدأت مرحلة جديدة، يمكن تسميتها بـ«هضم التراث وإعادة صياغته» أو مرحلة «جيل المجددين بعد جيل المحافظين»؛ إذ ظهرت كتابات وشروحات جديدة لكتب السابقين بما يتلاءم مع العصر، «ونشطت هذه الحركة فى السبعينيات والثمانينيات وحتى أوائل الألفية الثانية».
ولفت إلى أنه «رغم تضمين بعض هذه الكتابات على إضافات بسيطة تضم إلى كتب المؤسسين، فإن ذلك لا يمكن تسميته بالتغريب عن منهج الصوفية، إذ كانت السمة الأساسية فى هذه الكتابات هى الحفاظ على الأصل، لدرجة أن ٩٩٪ من هذه الكتابات تنتمى إلى التراث».
وتطرق «محيى الدين» إلى المنتج الفكرى الوارد من المغرب العربى أو تركيا، قائلًا: إن الكتابات التى يقدمونها غزيرة من حيث الكم لا الكيف، حيث يقدمون هم أيضًا إعادة لكتابة التراث الصوفى بلا إضافات، ولكن بكم أكثر من الذى تنتجه الطرق الصوفية فى مصر. وأشار إلى أن هذا الأمر ليس عيبًا ويضيف إلى الطرق فى مصر، حين يحصل عليها المتصوفة المصريون عبر الإنترنت.
التراث والتطرف
وشدد على أن كتب التراث فى الصوفية قادرة على مواجهة التطرف، مشيرًا إلى أن «الصوفية تتعرض للهجوم من قبل المتشددين منذ قرون، ولهذا الأمر فإن كتب أقطابها تضمنت ردودًا على هذا الهجوم، بجانب الإجابة عن أسئلة «لماذا التصوف؟»»، وتابع «خلال هذه الردود كان الأقطاب يكشفون عوار الفكر المتطرف ويجيبون عن أسئلة ما زالت مطروحة حتى الآن، ومن ثم يمكن الاستعانة بإجاباتها القديمة على الأسئلة المطروحة».

الصوفية والفکر الوهابى
نوه الأمين العام لحزب التحرير الصوفى، إلى علوم التصوف التى قال عنها إنها «رائعة» يمكن تدريسها اليوم فى المعاهد الدينية لحماية الطلاب من التطرف، متابعًا: «يكفينا أن نرى أن علوم التصوف لا تدرس وعلوم محمد بن عبدالوهاب تجد مكانها فى الفصول الدراسية وعلى أرفف المكتبات».
وبخصوص قدرة الجماعات المتطرفة على الظهور والتشكل رغم وجود الفكر الصوفى والأزهري، أوضح أنها ظهرت بدفع من الغرب الذى كان يريد أن يحول دون ظهور خلافة إسلامية جديدة، ففكر فى جماعات إسلامية تحمل فكرًا متشددًا، وتكون الحائل دون إقامة الخلافة فى الوقت نفسه. وتابع «كانت التجربة السعودية التى أرد الغرب أن يكررها فى دول عربية أخرى مثل مصر، لكنها فشلت فى البداية بفضل قوة الأزهر آنذاك والمتصوفة فى الوقت نفسه».
وأضاف «بعد فترة ضعف الأزهر منذ تم تحويله إلى جامعة تدرس العلوم التطبيقية بجانب العلوم الدينية، فأخذت هذه الجماعات فرصتها وعملت على تنحية الأزهر والصوفية من المشهد، وبما أن الصوفية تيار روحى لا يعرف منطق المنافسة والسعى إلى السلطة فى فلسفته، فاكتفى بأن يُترك لعباداته وحبه لله وآل البيت دون الصراع على الحفاظ على موقعه».
ولفت إلى أن الصوفية «خامة جيدة لمواجهة التطرف ولكنها تحتاج إلى تنظيم ودعم».

التصوف شیء والطرق شىء آخر
من جانبه، رأى الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة والفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن هناك فرقًا بين الطرق الصوفية والتصوف المنهجى، مشيرًا إلى أن الحديث عن الاعتماد على الطرق الصوفية فى تجديد الخطاب الدينى أمر مضحك، «فالمشرفون على الطرق من مشايخ لا يعلمون أساسيات الدعوة، ولا حتى فقه الطهارة والوضوء».
وتابع: الطرق منذ اعتمدت على التوريث ونقل الطريقة من الأب إلى الابن، فقدت قوتها وفكرها، خاصة أن الورثة أغلبهم غير دارسين للعلوم الشرعية.
ولفت إلى أن التصوف الصحيح الذى يقصده الأزهر فى مؤتمراته وبياناته، حين يتحدث عن مواجهة الغلو والتطرف، هو العلم الذى جاء فى كتب أعلام الصوفية، وليست الطرق بشكلها الحالي، مشيرًا إلى أن هذه الكتب جيدة، ويمكن الاعتماد عليها لكشف عوار التشدد، لكن يكون الأمر بعيدًا عن الطرق «التى أغرقت مريديها فى الغيبيات».
ونصح «كريمة» مشايخ الطرق، بالسعى أولًا إلى تعليم أبناء طرقهم الالتحاق بالدراسات الإسلامية لتعليمهم أصول الدين، كاشفًا عن واقعة أنه اقترح على شيخ طريقة فى وقت سابق أن ينظم له دورات تعليمية لأبناء طريقته لكنه لم يتعاون معه.
وشدد على أنه بالرغم قوة المنهج الصوفى، فإنه لا يصلح لتجديد الخطاب الديني، ولكنه يصلح فقط لمواجهة الغلو، مشيرًا إلى الفرق بين القضيتين، أن قضية التجديد لها علماؤها الذين يتعاملون معها بمنهجية وحساسية تليق بالدين.

دعم الدولة ضرورى
بدوره لم يتفق الشيخ عبدالخالق الشبراوي، شيخ الطريقة الشبراوية، فى اعتبار توريث الطرق سببًا فى عدم مشاركتها بدرجة فعالة فى معركة التجديد ومواجهة التطرف، قائلًا: نحتاج إلى دعم الدولة ومساحة فى الفضائيات لنطرح فكرنا، والحديث عن توريث الطرق كسبب فى إضعافها خطاب غير العالمين»، متابعًا: «الأنبياء لم يورثوا أملاكًا، لكنهم ورثوا علومًا، وسيدنا زكريا ورّث ابنه يحيى عليهما السلام العلم، وهذا ما نقوم به، إذ يتشرب الابن من الأب حب الطريقة وأفكارها، ولا يكون حب نفاق ولكنه حب أصيل».