البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

حكومة مدنية برئاسة "عسكري".. لماذا؟



بلادنا الآن في أشد الحاجة لحكومة يرأسها عسكري، وأنا أقول هذا الكلام بعد أن قرأت ما قاله الدكتور محمد محسوب عن حكومة “,”وحدة وطنية “,”.. وهذا كلام يدعو للضحك.. لأن الوحدة الوطنية تعني وجود كيانات حزبية لها تاريخ ومصداقية، بحيث إذا جمعتها في حكومة واحدة تكون قد جمعت الأمة في فريق واحد، وهذا غير متوفر عندنا حتى الآن.. لهذا فالكلام عن “,”وحدة وطنية“,” أو عن “,”يمين ويسار“,” أو عن “,”حكومة ومعارضة“,” ليس سوى مجازًا يحاول الاقتراب من الحقيقة.. لكنه لا يبلغها أبدًا.
بل إن الكلام عن سلطة أصبح هو الآخر تعبيرًا مجازيًا، في ضوء استمرار ظروف تحول دون إعادة بناء الدولة التي انهدمت، وتحول دون التداعي المتواصل لما تبقى من أجهزة هذه الدولة، خاصة بعد أن أعلنت محافظات بكاملها رغبتها في الانفصال ولو من باب التعبير الرمزي عن السخط واليأس، وبعد أن أصبحت الشرطة في مقدمة المتظاهرين، ووصل الأمر لحد الامتناع عن حراسة بيت رئيس الجمهورية.
كل هذه الفوضى سببها هو أن الإخوان المسلمين بما لديهم من “,”جوع مزمن“,” للنفوذ والثروة، يظنون أن بوسعهم تحويل تكليف واحد منهم بمهمة رفيعة المقام إلى تفويض لهم جميعًا بأن يفعلوا ما يشاءون، ورغم أن الإخوان يملكون أكثرية “,”الأعرج وسط المكسّحين“,” فهم لا يملكون أغلبية تسمح لهم بقيادة البلاد قيادة مستقرة وواثقة، ويزيد الأمر سوءًا قلة خبرتهم بشئون الحكم.
وأي حكومة تضم ممثلي ما نعرفه من أحزاب وتيارات لن تكون قادرة على مواجهة النهم الإخواني إلى التمدد والاستحواذ، ولا على الحد من مخاطر جوعهم الدهري للنفوذ والثروة، خاصة وأن الشارع المصري أثبت أنه لم يجد قيادته الطبيعية حتى اليوم بين كل الأسماء المعروضة في سوق السياسة.
كانت لدينا فرصة وضيّعها الإخوان بمكرهم، والديمقراطيون النزقون قليلو الخبرة بعبطهم، توفرت الفرصة عندما فاز محمد مرسي بواحد وخمسين بالمائة من أصوات الناخبين وحصد الباقي أحمد شفيق، وكأي واحد متربي وابن ناس، كأي لاعب سياسي عصري، هنّأ شفيق خصمه بالفوز، مد له يده، وكان يمكن للاثنين معًا أن يزعما أنهما يمثلان مائة بالمائة، ليس من الشعب ولكن ممن قبلوا المشاركة بمجرد التصويت في اللعبة السياسية الراهنة، ورغم أن الممتنعين كثيرون، ومن رفضوا مرسي وشفيق كثيرون، فقد كان ممكنًا أن نبدأ من تلك النقطة.
وبعد كل ما مررنا به من ترنح على حافة الهاوية، وما يمكن أن نمر به من أحداث قد تقذف بنا إلى قاعها، يبدو أن تحقيق هذه الشراكة بين رئيس دولة إخواني ورئيس وزراء عسكري، هي طريق النجاة الوحيد.
وأمامنا نموذجان يوضحان لنا كيف تتصرف الأمم الواعية بمصالحها في حال كحالنا الآن، نموذج إيطاليا اليوم، ونموذج روسيا منذ سقوط “,”يلتسين“,”.
في إيطاليا يعتبر زعيم ائتلاف يسار الوسط الشيوعي السابق بيير لويجي برساني، ويوافقه العالم كله على ذلك، أن فوز ائتلافه بحوالي ثلاثين بالمائة من الأصوات في انتخابات مجلس النواب وبأكثر من واحد وثلاثين بالمائة في انتخابات مجلس الشيوخ يعني أن فوزه غير حاسم وقد يدفعه ذلك للعمل على إعادة الانتخابات، وهذا مفهوم، فإيطاليا مأزومة والأزمة ـ أي أزمة ـ تحتاج تفويضًا قويًا.. وليس في مصر من يملك تفويضًا قويًا سوى الجيش.
وفي روسيا نجح “,”فلاديمير بوتين“,” في نقل البلاد من التخبط وفقدان الثقة بالنفس والاستهزاء في مواجهة الغرب عندما تولى الرئاسة مستندًا إلى قوة الجيش وأجهزته القادرة على تأمين البلاد داخليًا وخارجيًا.
فهل مصر بحاجة لـ“,”بوتين محلي“,”؟ أظن أن الإجابة هي نعم، ولكن ذلك لن يحدث ولن يكون مجديًا إلا إذا اقتنع به وتبناه المسئول الأول في البلاد وهو رئيس الجمهورية، ومن مصلحته أن يقتنع ويقبل، فوجود رئيس حكومة عسكري إلى جواره سوف يعيد لكل الدولة ـ خاصة مؤسسة الرئاسة ـ هيبتها المفقودة، وسيخلصها من براثن المنظمة السرية المعروفة باسم الإخوان المسلمين.
إذا عاد الجيش إلى الصورة فمن الأرجح أن يعود على هذا النحو وهو أمر نافع للجميع باستثناء من يحلمون بجمهورية مصرية على “,”النمط الإيراني“,”.