البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

بيان الحكومة.. ولا عزاء للنواب


حقًا ما وصفه المحللون السياسيون حول بيان الحكومة الذى ألقاه رئيس الوزراء أمام البرلمان، بأنه البيان الأخطر والأهم تاريخيًا، وذلك لعدة اعتبارات أهمها:
يأتى هذا البيان بعد استكمال المرحلة الانتقالية بجميع استحقاقاتها «دستور، رئيس جمهورية، مجلس نواب، حكومة معينة من قبل رئيس الجمهورية».
جاء البيان فى حالة من الترقب الشديد، من جميع طبقات الشعب المصرى خاصة الطبقات الفقيرة، بعد أن تعقدت سبل الحياة وأصبحت أكثر صعوبة منذ ثورة ٢٥ يناير.
إنه لأول مرة يستطيع الشعب المصرى تحديد عمر الحكومة الذى يبدأ من ٣٠ مارس ٢٠١٦ وينتهى ٣٠ يونيو ٢٠١٨ ومن هنا فهى فرصة لتؤكد الحكومة على برنامجها وإمكانية تحقيقه.
من المؤكد أن مجلس النواب الحالى، سيعمل بكل جهد لتمرير بيان الحكومة خوفا من البدائل المطروحة دستوريا، فى حالة رفض بيان الحكومة، والتى قد تصل إلى حل المجلس. والمعروف أن كثيرا من النواب قد تسللوا إلى هذا المجلس ـ خاصة فى القوائم ـ بصعوبة بالغة ومن الصعب المراهنة على عودتهم مرة أخرى فى حالة حل المجلس والترويج لشعار «خلّى العجلة تمشى».
لقد اختلف كثير من المصريين خصوصا فى العقود الأربعة الماضية حول الحكومات المؤقتة بعد ٢٥ يناير، والنظر إلى هذا النوع من البيانات بقدر من الريبة والحذر، وفى أحيان كثيرة بعدم المصداقية، وذلك بسبب تعاظم الأمنيات المنشودة مقارنة بتواضع النتائج واستمرار تدنى مستوى المعيشة وارتفاع معدلات البطالة وسوء قطاع الخدمات بشكل عام «صحة، تعليم، إسكان..» وأخيرا استشراء سرطان الفساد و فواتيره الباهظة التى يختلف عليها الكثير والكثير ومن الضرورى مراجعتها ومحاولة السيطرة على آليات هذا الفساد، حتى لو كان هناك خلاف على نسبة تواجده.
لقد اتسم بيان الحكومة بالنمطية والتكرار، حيث المبالغة فى الأهداف والتمنيات دون أن يصاحبها برامج وسياسات عملية، وتوقيتات زمنية وتكاليف مالية، تخضع للمحاسبة عن طريق الأجهزة الرقابية والتشريعية. كما غاب عن البيان مصادر تمويل كل هذه المشروعات وما زال بيان الحكومة يعتمد على آليات السوق الحرة التى ورثناها منذ عصر الانفتاح الاقتصادى، حتى الآن وما زالت البلاد تجنى من نتائج هذه السياسات التى ركزت الثروة فى أيدى بعض المحتكرين من رجال الأعمال، وعمدت إلى تخريب مؤسسات الدولة المنتجة واتباع أساليب الخصخصة والبيع وتدمير بنية صناعية كانت قابلة للتطور كصناعة الحديد والصلب والألومنيوم والنسيج وغيرها.
إن بيان الحكومة يعتمد على ضخ أو جذب المزيد من الاستثمارات، وهذا جيد لكن هناك بنية صناعية مصرية تحتاج إلى إعادة بنائها وتطويرها لتلعب دورها الحقيقى فى خطط التنمية، خاصة فى مجالات الطاقة والثروة المعدنية والزراعة، كما أن هناك آلاف المصانع المتعثرة لأسباب مالية وفنية، لو أن بيان الحكومة تضمن التعامل مع هذه الأزمة، نستطيع أن نتحدث عن خلق فرص عمل مجمدة نتيجة إغلاق آلاف المصانع والورش. لقد تعمدت الحكومة الحديث عن القطاع العام وقطاع الأعمال، وعدم إدخالها المنظومة الاقتصادية فى الوقت الذى يعانى الاقتصاد من سيطرة كبار رجال الأعمال الاحتكاريين والذى من شأنه أن يزيد من الفاتورة السياسية للاحتجاجات الاجتماعية من قبل الطبقات الفقيرة، ومن ناحية أخرى تقلل قدرة الدولة على السيطرة على الفائض الاجتماعى، وإعادة تشغيله وتوظيفه فى صورة خدمات، ولقد تجنب بيان الحكومة عن الحديث عن الأموال المنهوبة والمهربة خلال الأربعين عاما الماضية، والتى تبلغ أكثر من ٢٠٠ مليار دولار وهذا المبلغ أو أقل منه بكثير سيعطى دفعة للاقتصاد فى حالة جدية التعامل مع هذا الملف. فقد أتيحت لنا الفرصة فى العمل على المشروعات العملاقة ولكن غياب الإرادة السياسية وعدم توافر النية لملاحقة الأموال المنهوبة وإعادتها أو محاصرة الفساد الذى يطبق على أعلى مؤسسات الدولة واقتصر بيان الحكومة على استخدام بعض العبارات الرنانة عن الشفافية والنزاهة دون الحديث عن الأهداف والآليات التى تحقق هذه النزاهة أو الشفافية.
أخيرًا نتعرض لكيفية تعامل بيان الحكومة مع الطاقة البشرية، فما زالت الحكومات المتعاقبة تتعامل مع الطاقة البشرية على أنها عبء ثقيل على الحكومة بدلًا من النظر إلى أنه العنصر الفعال فى أى خطر تنمية مستقبلية، علما بأن الشباب يشكل حوالى ٦٠٪ من مكونات هذا الشعب فلا يصح أن نتحدث مع الشباب فى بيان الحكومة بهذا الاختصار الشديد وأن يتحدث بيان الحكومة عن مشكلة الشباب أنها مشكلة مراكز الشباب الرياضية، ألا تعلم الحكومة أن مشاكل الشباب المصرى المكون الأساسى لهذا الشعب هى لقمة العيش والتعليم الحقيقى لبناء كوادر قادرة على خوض سوق العمل وإلى خطة تنمية حقيقية لاستيعاب ملايين من الشباب وما يتم الترويج له إعلاميًا عن المشروعات الصغيرة والمتناهية فى الصغر فى الحقيقة هذه المشاريع صادمة لمعظم الشباب ولا تختلف عن مشروع الإسكان المتوسط ومحدودى الدخل بآلياته الحالية، حيث مقدم الحجز والأقساط والسعر النهائى الذى يتجاوز قدرات الشباب، بكثير إذا لم يحسن نواب البرلمان التعامل مع بيان الحكومة ومحاولة تعديله بما يتناسب مع طموحاته الحقيقية للشعب المصرى، ستكون النتائج العكسية كاليأس والإحباط خاصة لدى الشباب.