البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

الصحافة المصرية بين المهنية والاحتراف وأخلاقيات الممارسة


حضرتُ الخميسَ قبلَ الماضى احتفاليةَ «معهدِ الحوارِ المصرى الدنماركي» The Danish Egyptian Dialogue Institute بتدشينِ «دليلِ الصحفيين المصريين: الاحتراف فى التغطية الخبرية»، والذى قامَ بإعدادِه الخبيرُ الإعلامى ياسر عبدالعزيز، وقمتُ بالمراجعةِ العلمية له وتقديمِه للجماعةِ الصحفيةِ والإعلاميةِ المصرية.
لقد أعادَ لى هذا الدليلُ ذكرياتٍ عديدة تعودُ إلى أوائلِ العام ١٩٩٨، عندما قررَ المجلسُ الأعلى للصحافة أن يُصْدِرَ تقريرًا شهريًا منتظمًا لتقويمِ الأداءِ الصحفى للصحفِ المصرية بقطاعاتِها المختلفة القومية والحزبية والخاصة والصادرة بتراخيص من خارجِ مِصر، وذلك بعد أن أصدرَ المجلسُ ميثاقَ شرفٍ صحفى جديد فى أعقابِ سقطةٍ مهنيةٍ وأخلاقية غيرَ مسبوقة لإحدى الصحفِ المصرية الخاصة.. وقد شاركتُ فى إعدادِ هذا التقرير طِوَالَ سنواتٍ مع مجموعةٍ من أساتذةِ الصحافة بإشرافِ أحدِ كبار أساتذةِ الصحافة فى الوطنِ العربى وهو الأستاذُ الدكتور فاروق أبوزيد عميدُ كليةِ الإعلام بجامعةِ القاهرة الأسبق.
ورغمَ رصدِ تقريرِ الممارسةِ الصحفية لعديدٍ من الملاحظاتِ الخاصة بالأخبارِ المُجَهَلَةِ وعدمِ الدقة وبثِ التحريضِ والكراهية وإثارةِ الفتنة الطائفية والتشهيرِ بالشخصياتِ العامة وعدمِ احترامِ الخُصوصية، علاوةً على بعضِ الانتهاكاتِ الخاصة بنشرِ الإعلانات، إلا أن الصحفَ التى كان يُوَزَعُ عليها هذا التقرير بشكلٍ منتظم فى الفترةِ من ١٩٩٨ حتى ٢٠١٠ لم تلتزم بما جاءَ فيه، ما أوقعَنا فى حيرةٍ ما بينَ الأخلاقيات والانتهاكات.
ويبدو أن المسائلَ التى تتعلقُ بالأخلاقياتِ تظلُ موضعَ خِلافٍ لأكثرِ من سبب، لعلَ من بينِها أن ميثاقَ الشرفِ الصحفى لم يكن قد أصْدَرَهُ الصحفيون فى ذلك الوقت بل أصدرتُه جهةٌ تابعةٌ للدولة، وهى المجلسُ الأعلى للصحافة، وبالتالى شعرَ الصحفيون أنه لا يعبرُ عنهم، لأنهم لم يشاركوا فى كتابتِه وإقرارِه، كما أن مفهومَ «الأخلاقيات» يظلُ موضعَ جدلٍ ونِقاش، لأن ما هو أخلاقى بالنسبةِ لجمهورِ القراءِ والمشاهدين فى القاهرةِ والإسكندرية قد لا يكونَ أخلاقيًا فى صعيدِ مِصر وسيناء مثلاً، وبالتالى فإن وضعَ كودٍ موحدٍ للأخلاقيات على المستوى القومى وعلى اختلافِ الوسائلِ الإعلامية يظلُ مسألةً غايةً فى الصعوبة.
ومن هنا، فإن مسألةَ «الأخلاقيات» ستظلُ غيرَ محسومة فى الواقعِ الإعلامى المصرى إلا بعدَ الانتهاءِ من تحديدٍ دقيقٍ لمفهومِ «الأخلاقيات» يتفقُ عليه الإعلاميون وجمهورُ الوسائلِ الإعلامية والأكاديميون، لتأتى بعدَ ذلك الخُطوةُ الثانية الخاصة بقيامِ الإعلاميين بوضعِ ميثاقِ شرفٍ صحفى وطرحه لمناقشاتٍ متعمقة مع الجمهورِ والأكاديميين والقانونيين، ليتمَ إقرارُ هذا الميثاقِ ليكونَ مُلزمًا للجميع.
بَيْدَ أنه إذا اعتبرنا أن للمنظومةِ الإعلامية جناحين أولهما الإطارُ الأخلاقى الحاكمُ لها والمنظمُ لعملِها وفقًا لتقاليدِ المجتمع، فإن الجناحَ الثانى لهذه المنظومة هو الالتزامُ بالقواعدِ المهنية، التى تمثلُ فى جوهرِها أُصولَ ممارسةِ هذه المهنة.. والمهنيةُ لا تتعلقُ بالصحافةِ أو الإعلامِ فحسب، بل تتعلقُ بالمِهَنِ المختلفةِ كافة.
ومن أسفٍ، فقد شهدت مِصْرُ فى السنواتِ الأخيرة انفلاتًا أخلاقيًا ومهنيًا غيرَ مسبوق ضربَ جميعَ المجالات، ولعل نظرة واحدة لصفحاتِ الحوادث على مدى هذه السنوات يُرَسِخُ لدينا هذا الانطباع، علاوةً على عديدٍ من التقارير والبحوث والدراسات.. وإذا كنا قد تركنا الجوانبَ الأخلاقية لكى يحسمَها الإعلاميون أنفسُهم، فإن إرساءَ قواعدِ المهنة مهمةٌ للغاية لتخليصِها من الشوائبِ والخُروقاتِ التى حلت بها.
ومن أجلِ تحقيقِ أهدافِ هذا الدليل للارتقاءِ بالمهنيةِ فى الصحافةِ المصرية، فقد تمَ تقسيمُه إلى سبعةِ أقسام، يتناولُ القسمُ الأول المعاييرَ الدولية للجودةِ فى العملِ الصحفى الإخبارى، ويُؤصلُ القسمُ الثانى لقاعدةٍ مهمة فى العملِ الصحفى وهى نسبُ الأخبارِ إلى مصادرِها، ويرصدُ القسمُ الثالث من الدليل أهمَ الأخطاءِ الشائعة فى التغطيةِ الإخبارية، ولعلَ أهمَ هذه الأخطاء الانحيازُ فى التغطية، وإن تعددت صورُه وأشكالُه، ويعرضُ القسمُ الرابع من هذا الدليل عمليةً فنيةً مهمة تحدثُ فى صالةِ التحرير وهى عمليةُ انتقاءِ الأخبار والعواملِ المؤثرةِ فيها من جهة، وأهميةُ تشخيصِ الجمهورِ وتحديدِ أولوياتِه عن انتقاءِ هذه الأخبار، فى حين يعرضُ القسمُ الخامس للمرحلةِ التاليةِ لانتقاءِ الأخبار، وهى المرحلةُ المتعلقة بصياغةِ هذه الأخبار والمهارات المتضمنة فيها، كما يتناولُ القسمُ السادس بناءَ القصةِ الخبرية وكيفيةَ كتابةِ مكوناتِها، ويستعرضُ القسمُ السابعُ والأخير من الدليل نماذجَ من الصحفِ لاستعراضِ الممارساتِ الجيدة والسيئة فى التغطيةِ الخبرية، ولا يهدفُ الدليلُ من وراءِ ذلك إلى تعنيفِ صحيفةٍ أو تقريظِ أخرى، بل يهدفُ إلى تعليمِ شبابِ الصحفيين بالممارساتِ الجيدة لكى يُمْسِكُوا بتلابيبِها، والممارساتِ السيئة لكى يتجنبوا الوقوعَ فيها.
وفى النهاية، فإننى آملُ أن يكون هذا الدليل نبراسًا للصحفيين المصريين للالتزامِ بالمهنيةِ والانطلاقِ بعدَها إلى مرحلةِ الاحتراف، ومرجعيةً يمكنُ العودةُ إليها والقياسُ عليها فى الممارساتِ الصحفيةِ المختلفة، ولا سيما الإخباريةِ منها.. إن هذا الدليلَ يمكنُ أن يكونَ دستورًا للمهنة يضمُ القواعدَ المثلى لممارستِها، ولكن ينبغى أن يعلمَ الجميعُ أن الدساتيرَ ليست بالقواعدِ المُثلى المُتَضَمْنَةِ فيها، ولكن بتطبيقِ هذه القواعدِ على أرضِ الواقع.
وأتطلعُ كذلك إلى أن يَعْقُبَ هذا الدليلُ أدلة أخرى تتعلقُ بالوسائلِ الإذاعيةِ والتليفزيونية، والمواقعِ الإخبارية على شبكةِ الإنترنت، ومواثيقِ الشرفِ الصحفية، لكى تكتملَ القواعدَ المُؤَسِسَة للمنظومةِ الإعلاميةِ المصرية.