البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

لماذا لا يسكت محمد بديع؟



قبل أشهر قليلة استفز الطبيب البيطري محمد بديع كل وطني مخلص بما قاله عن “,”قيادات فاسدة“,” تولت أمر العسكرية المصرية. قال البيطار آنذاك “,”جنود مصر طيعون لكنهم يحتاجون إلى قيادة رشيدة توعيهم، بعد أن تولى أمرهم قيادات فاسدة“,”، وظن من ردوا عليه أنه يعرّض بقيادات رحلت عن مواقعها، ويخوض في أمور لا يفقهها.. وبالتالي فقد انحصرت الردود في إطار يستنكر المساس برجال مثل المشير محمد طنطاوي ومن عملوا تحت قيادته في المجلس العسكري، واجتازوا بالبلاد مرحلة بالغة الخطر، قبل أن يسلموا قيادتها لرئيس منتخب وللحكومة التي اختارها، ويستنكر خوض البيطار في أمور عسكرية لا يفهمها.
وهذا رد مناسب لكنه ليس كافيًا، فالبيطار يرمي إلى أبعد وأخطر مما ظن من ردوا عليه، وهذا ما يُفهم من رسالة المرشد الأسبوعية الأخيرة التي يتحدث فيها عن حسن البنا باعتباره رجلا ضحى بروحه من أجل مصر. وما نعرفه جميعًا هو أن الرجل قتل بسبب علاقته بجريمة اغتيال بشعة راح ضحيتها رئيس الوزراء محمد فهمي النقراشي باشا. وما لم ينكره البنا هو أن من قتلوا النقراشي كانوا أعضاء في جهاز الاغتيالات الذي أسسه هو وظل يديره حتى مات.. لكنه حاول التملص من تبعات الجريمة بأن وصف منفذيها بأنهم “,”ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين“,”.
وهكذا وضع الرجل نفسه تحت رحمة احتمالات ثلاثة “,”إما أن قتلة النقراشي لم يكونوا من الإخوان المسلمين أصلا، وإما أن رجاله الذين دربهم على القتل خرجوا عن سيطرته وقتلوا النقراشي بغير أوامر منه، وإما أنه أمرهم بالقتل ثم حاول أن يفلت بجلده بتكفير من ائتمروا بأمره“,”.
ويميل الرأي العام في مصر، منذ وقوع تلك الجريمة، إلى ترجيح الاحتمال االثالث، أي إلى اتهام الرجل بأنه مجرم زيّن للشباب القتل ثم تبرّأ منهم واتهمهم بالخروج عن الملة وهو غير مؤهل أصلا لأن يقرر من منا المسلم ومن الكافر، وهناك الاحتمال الثاني أن يكون جهاز القتل تمرد، فعلا، على صانعه كما جرى في قصة فرانكنستين “,”فرانكشتاين“,” فارتكب أعمالا لم يؤمر بها، وأدت هذه الأعمال إلى مصرع المجرم الأصلي جزاءّ وفاقّا على فتحه باب ذبح الناس وترويعهم باسم الدين، وعلى كذبه وهو يحاول أن يحمّل ضحاياه الجرم كله. أما الاحتمال الثالث فلم يطرحه أحد على نحو جاد وإن كان واردًا حتى اليوم.. لكن حتى لو أثبت المؤرخون مستقبلا أن القتلة هم من غير جهاز القتل التابع للرجل فهو مسئول عن وضع نفسه موضع الشبهات وعن خلق الأجواء التي سهلت اتهامه بهذا الأمر، لأنه أسس أشهر جهاز للقتل في التاريخ الجنائي للشرق الأوسط.
لهذه الأسباب كانت ميتة “,”البنا“,” مشينة له، وإن كانت جرمًا يتحمل ذنبه قاتلوه ومن حرضوهم، فقتل القاتل بغير محاكمة جرم لا شك فيه.
لكن البيطار يحاول أن يكرس البنا، برغم كل ما فعله، إمامًا لمصر وللمسلمين كافة. وهو في هذا السياق ينقل عنه كلامًا غير مسئول يصف القوانين المصرية بأنها “,”قوانين وضعية“,” يعني إذا وضع مستشار محترم مثل السنهوري بجلالة قدره قانونًا استهدى فيه بالشرع وبالخبرات القانونية المعاصرة يكون قانونًا وضعيًا، وإذا وضع هذا القانون بيطار يتكلم في السياسة والعسكرية والقانون أكثر مما يتكلم في البيطرة يكون قانونًا ربانيًا.
هذا دجل واضح.. ولكن المشكلة ليست هنا فقط، المشكلة هي أن الرجل الذي اعتبر قبل شهور، أن العسكرية المصرية لن ينصلح حالها قبل أن يتولى أمورها رجال ممن يُقبّلون يده، هو نفسه الذي يقول لنا اليوم، مستشهدًا بكلام البنا، إن منظومات القوانين المصرية ستبقى فاسدة حتى يضع لنا الإخوان القوانين الربانية، وإذا كان المصريون قد ضجوا لسنوات طويلة من ترزية القوانين فلينتظروا ترزية القوانين الجدد الذين سيصدرون من القوانين ما يمكن الجماعة من رقاب الناس ومن أرزاقهم ومن أعراضهم ومن كرامتهم، ولينتظروا الفوضى القانونية التي ستغرق فيها البلاد بقلقلة الأوضاع القانونية التي قامت عليها حياتهم من زمن طويل.
لقد أعطينا أصواتنا، في انتخابات يبدو أنها كانت حرة، لأحد أعضاء جماعة الإخوان، لكن ذلك لم يكن تصويتًا لصالح جماعة سرية، ولا أظن أن انتخابًا جرى في إطار قانوني ودستوري سيفضي إلى تأسيس سلطة جماعة ترفض القانون والدستور باعتبارهما وضعيين.. وما تمر به مصر اليوم من اضطرابات مصدرها محاولة هذه الجماعة استغلال سياقات دستورية على نحو غير دستوري، ورسالة المرشد الأسبوعية تفضح هذه النوايا الانقلابية، وتزيد من الصعوبات أمام الرئيس المنتخب وأمام الحزب الذي يجب أن يحل محل جماعة لا تنتمي لهذا العصر، جماعة يجدر بها أن تخرج من حياتنا إلى الأبد.
ولهذا السبب فأنا أسأل البيطار: لماذا لا تسكت؟