الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الطفل عبدالمسيح سارق الأرغفة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هذه واقعة مؤلمة بطلها الطفل عبدالمسيح عزت (9 سنوات) وبرغم ألمها الموجع إلا أنها تفتح لنا الباب واسعا لنتكلم ونطالب ونضغط ونثور مؤكدين على ضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية التي هي أمن اجتماعي بشكل مباشر، فلم يعد يكفي أن نستمع يوميا لقصص انتحار الشباب تحت ضغط الحاجة، ثم نختلف حول إن كان المنتحر سيدخل الجنة من عدمه.
حكاية عبدالمسيح عزت تدق ناقوس الخطر في كل اتجاه، ذلك الطفل الذي لدغ الجوع معدته مع زميليه فمد يده على خمسة أرغفة لم تكن له، هذه كارثة أولى أن يجوع الناس ولا يجدون مفرا لإسكات أمعائهم الخاوية، الكارثة الثانية هي أن يتجرد صاحب الأرغفة من أية مشاعر إنسانية ويقود الأطفال إلى قسم الشرطة وكأنهم لصوص سرقوا أموال الدولة، فتبقى حكاية دخول الأطفال قسم الشرطة بين عتاة المجرمين محفورة في ذاكرتهم مدى الحياة ولن يستطيعوا رؤية الوطن إلا في صورة كلابش حديد في المعاصم الصغيرة، أما الطامة الكبرى فهي عند ضابط القسم ومعاونيه الذين تجردوا من كل معاني الإنسانية وفقدوا عقولهم- المرتخية أصلاً– فقاموا بتسطير الأوراق وتسجيل الأدلة وسين وجيم وإحالة الأطفال للنيابة كمتهمين.
صحيح كل هذا جرى قبل عام وسبعة أشهر من الآن، إلا أن صداه لم يتفجر في الأذن المصرية سوى قبل أيام، فقد أخلت النيابة وقتها سبيل الأطفال وظن أولياء الأمور أن القضية قد حفظت ولكن فوجئ الجميع قبل أيام بحكم أول درجة يقضي بإيداع عبدالمسيح وزميليه دار رعاية الأحداث لمدة عام، وهنا نسأل القاضي ونعلق على حكمه وننتقده ونصرخ في وجهه ونخالف ضده كل القوانين، ألم تقرأ عمر الطفل وتهمته؟ إذا دفع الطفل من عمره الأخضر عاما كسجين من أجل خمسة أرغفة.. فهل ننتظر مئات الإعدامات لمواجهة لصوص الأراضي ولصوص البنوك والمرتشين والفاسدين وقاطعي الطرق.
لقد بلغت المأساة ذروتها عندما يتحالف الجوع مع صاحب فرن يبكي على خمسة أرغفة مع ضباط فاشلين ونيابة وقضاء أعمى، كلهم تحالفوا ضد طفل أخضر جائع ومسكين، صحيح تنازل الشاكي عن شكواه وتم الإفراج عن عبدالمسيح وإغلاق القضية، ولكنها حبست المجتمع بأكمله في زنزانة نستحقها أضيق من دورة مياة، انتهت القضية الصغيرة التي كان بطلها طفل صغير لتبدأ القضية الأكبر، والتي يقف فيها المجتمع بأكمله مدانا أمام الضمير والتاريخ.
وحتى لا تكون اتهامات الإدانة العامة مشاعا نسأل وزير الداخلية ووزير العدل.. هل أخطأ رجالكما في تطبيق القانون؟ إذا كانت الإجابة بـ"نعم" فماذا أنتم فاعلون لتردوا لعبدالمسيح وللمجتمع كرامته.. وإذا كانت إجابتكم بـ"لا" سنواصل أسئلتنا لكم، هل تم سن القوانين للعمل بروحها أم لاستخدامها كأمواس تقطع رقاب الضعفاء وتقف عاجزة أمام أصحاب الكروش والعروش والجلود السميكة؟ .. وبعيدا عن وزراء الداخلية والعدل نسأل رئيس الوزراء.. هل قرأت أخبارا عن هذه القضية يا دكتور إبراهيم محلب؟ إذا كنت قرأت فكيف انفعلت معها؟ وماذا أصدرت من توجيهات؟
نرجع إلى صُلب الموضوع متى تحقق الثورة هدفها الرئيسي وهو العدالة الاجتماعية؟ وهو هدف لا يمكن الصبر عليه لسنوات قادمة، فما حدث لعبدالمسيح وزميليه من أجل خمسة أرغفة أخطر من قنابل التكفيريين.