الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أدوات الدبلوماسية الشعبية الإسرائيلية في مواجهة العرب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعدت د. يسرا حسني عبدالخالق مدرس العلاقات العامة والإعلان بقسم الإعلام بجامعة أسيوط دراسة مهمة بعنوان: "الدبلوماسية الشعبية الإسرائيلية الموجهة للشعوب العربية على الفيس بوك"، حيث تمثل جهود الدبلوماسية الشعبية الإسرائيلية لإضفاء المصداقية والشرعية على صورة إسرائيل لدى الجمهور العربى نموذجاً للدبلوماسية الشعبية لدولة منغمسة فى صراع. 
ووفقاً لوزير الشئون الخارجية الإسرائيلي في مقدمته المكتوبة لخطة العمل لعام 2011 "إننا معاً في مواجهة التحديات الإرهابية والحرب غير التقليدية التي تحاول أن تعصف بإسرائيل؛ ولذلك نحن في حاجة لأن نوحد جهودنا ونجددها، آخذين في الاعتبار تحديات الرأى العام العالمي، وتغييره وتغيير مفهوم عدم الشرعية، إن المدخل الجديد لتلك الساحة هو تركيز العمل على الإعلام الحديث وزيادة فاعلية المنظمات غير الحكومية لمواجهة التحديات غير العادية". ويضيف السفير الإسرائيلى بالولايات المتحدة الأمريكية "أن هناك خطة منهجية لنزع الشرعية عن إسرائيل، بعد أن فشلت القوة العسكرية والحروب فى تدمير دولتنا، وانتهج أعداء إسرائيل تكتيكا جديدا، وهو تدمير صورة إسرائيل الذهنية لدى العالم الخارجي، لكى يعوق إسرائيل عن الدفاع عن نفسها، أو حتى تبرير وجودها".
وفى هذا الصدد ينتقد البعض الدبلوماسية الشعبية الإسرائيلية لأنها "لم تستطع شرح وجهة النظر الإسرائيلية للعالم وتبرير الأحداث وإزالة سوء الفهم والآراء المناهضة لإسرائيل، وأن الحكومة الإسرائيلية بذلت جهدا دون المستوى في هذا المضمار، وبصفة خاصة في مواجهة العالم العربي، وتركت الساحة خاوية للمنظمات الراديكالية المعادية لإسرائيل، علاوة على أن التعامل مع مجال الإعلام الرقمي كان متراجعاً للغاية".
ولذلك كله، أخذت الدبلوماسية الشعبية الإسرائيلية أسلوبا جديدا لتحسين صورتها لدى الجمهور العربى، من خلال استخدام وتوظيف مختلف أشكال ووسائل الاتصال، للوصول إلى ترسيخ ما تريده داخل العقل الجمعى العربى، وهو أن تكون هذه الشعوب ليست ضد إسرائيل، وأن تقتنع بأن إسرائيل جزء من خريطة الشرق الأوسط.
وفى إطار ذلك كله، عُنيت الدراسة بالكشف عن واقع ممارسة الدبلوماسية الشعبية الإسرائيلية على شبكة الإنترنت، للتعرف على كيفية استغلال إسرائيل للواقع الافتراضى الجديد فى التواصل مع الجمهور العربى، والتعرف على أغراض هذا الشكل الاتصالى ونواياه، من خلال تحليل صفحة "إسرائيل تتكلم بالعربية" التى أطلقتها وزارة الخارجية الإسرائيلية على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك".
وتعتمد السياسات والإستراتيجيات الحديثة للدبلوماسية الشعبية الإسرائيلية، على جهاز Hasbara)) وهو الجهاز المعنى بإدارة الدبلوماسية الشعبية الإسرائيلية، وكجزء من عملية الإصلاح الشاملة للجهاز، انتقلت قيادته إلى هيئة تابعة إلى مكتب رئيس الوزراء، وأطلق عليها مقر قيادة الجهاز الوطني، ولقد تبنى هذا المكتب مسلكاً جديداً متطوراً يجمع بين الاستراتيجيات الاتصالية الحديثة التي تعمل بكلا الاتجاهين التقليدي، والآخر الحديث المتمثل في التسويق الإعلامي الحديث، علاوة على إنشاء وزارة جديدة في إسرائيل عام 2009 تسمى (Ministry of Public Diplomacy and Diaspora Affairs) أو وزارة الدبلوماسية الشعبية وشئون الشتات اليهودي.
وقد جاءت نتائج دراسة د. يسرا حسني عبد الخالق متفقة مع الجهود التى تبذلها الدبلوماسية الشعبية الإسرائيلية لتحسين صورتها دوليًا وعربيًا، لأهمية هذه الصورة وانعكاسها على أمنها القومي، فالأفكار جزء لا يتجزأ من عملية المواجهة أو الحرب، ولاسيما بالنسبة للكيان الصهيوني الذى يعيش مغتربًا في بيئة تلفظه ثقافيًّا وحضاريًّا؛ وبالتالى تٌسخّر إسرائيل جهودها من أجل تمرير الرسائل التي ترغب فيها إلى الشباب العربي عبر كل وسائل الإعلام المتاحة وأهمها الإعلام الجديد وفي القلب منه شبكات التواصل الاجتماعي. 
وقد توصلت الدراسة إلى عدة نتائج من أهمها: 
1- اعتمدت الدبلوماسية الشعبية الإسرائيلية على إستراتيجية "تغيير خصائص الاستهلاك"، والمعنية بتغيير تفاصيل عناصر الصورة السلبية المدركة عنها، من خلال إظهار النوايا الحسنة تجاه الشعوب العربية، وتقديم صورة ذهنية مثالية عن المجتمع الإسرائيلى تعتمد في الأساس على مجموعة عناصر تتمثل في إظهار الديمقراطية التى تتمتع بها إسرائيل، والعدالة الاجتماعية، والاهتمام بالمواطن وجميع مشاكله والعمل على حلها، وهو الأمر الذى ينعكس على تقييم الشعوب العربية بأنها نموذج يحتذى به.
2- وظفت إسرائيل نموذج إصلاح صورة الدولة ( Multi Step Model) من خلال: 
أ‌- الاعتماد على استراتيجية التركيز على الجمهور، لتجاهل الرسائل السلبية عنها، مع التركيز على النقاط التى من شأنها أن تنشأ علاقة تعاطف مع الجمهور العربى، وذلك عن طريق:
- التهنئة بالأعياد والمناسبات الإسلامية: حيث تناولت الصفحة الإشارة إلى مسلمي إسرائيل؛ وبالتالي فإن إسرائيل لا تحمل موقفًا ضد الإسلام، كما تحرص الصفحة بشكل دائم بتهنئة المسلمين بالأعياد، مع نشر تقارير مصحوبة بصور موضوعية توضح مدى الالتحام بين اليهود والمسلمين داخل إسرائيل في مجال الدراسة والعمل. 
- الاهتمام بالموسيقى والفن والتراث الشرقي: مثلت تلك الاهتمامات أبرز المشاركات التى كررتها الصفحة، لتأكيد انتمائها للتراث الشرقي، (فنجان قهوة، وأغاني أم كلثوم)، وتأتى تلك الاهتمامات انعكاساً للدبلوماسية الثقافية، والتى تمثل عنصراً مهماً من عناصر السياسة الخارجية للدول بوصفها تعبر عن شخصية المجتمع ووجوده، وتتحدد بالعناصر الموضوعية المشتركة مثل اللغة، والدين، والتاريخ، والعادات من ناحية، علاوة على ما تمثله من عوامل قوة الدولة المضافة التي تسهم في تعزيز سياستها الخارجية لتحقيق المكانة والمنزلة الدولية. 
- التأكيد على ارتباط إسرائيل التاريخي بالأراضي الفلسطينية: حيث تناولت الصفحة موضوعات خاصة ببعض الأماكن التاريخية بفلسطين المحتلة، وربطتها بالتاريخ الإسرائيلي، مع الإشارة إلى اعتراف مؤسسات دولية مثل اليونسكو بذلك، وتسجيلها لأماكن تراثية باسم إسرائيل، لتأكيد أن ذلك ليس من وجهة نظر إسرائيل وحدها. 
- الاهتمام بتعريف الجمهور بالأعياد الإسرائيلية وطقوس الاحتفال بها: حيث حرصت الصفحة على تعريف الجمهور بأهم الأعياد اليهودية، مع توضيح قصة تلك الأعياد، والطقوس التى يهتمون بإقامتها خلال العيد. 
ب‌-  تنوع الاستراتيجيات التى اعتمدت عليها إسرائيل لتعزيز وتلميع الصورة، ومنها استراتيجية نقل رسالة ذات مضمون معاكس لخصائص الصورة، وهدفت إسرائيل من تلك الإستراتيجية نقل الرسائل التي هي على العكس من الخصائص السلبية المرتبطة بها، فمنذ قيام إسرائيل تتمحور الخصائص السلبية لها فى السؤال عن شرعية وجودها، وأنها دولة عنصرية، علاوة على التغطية الإعلامية الدولية التي تركز على الصراعات العنيفة بين الجيش الإسرائيلي والفلسطينين، وهو ما انعكس على صورة إسرائيل بوصفها مكانًا خطرًا ومصدر تهديد. وهنا يبرز دور هذه الإستراتيجية لمحاربة هذه العناصر وإظهار إسرائيل بشكل مغاير وأنها بلد هادئ ويتمتع بالاستقرار، كذلك اعتمدت إسرائيل على استراتيجية توسيع وتمديد الصورة، واعتمدت تلك الإستراتيجية على إضافة مكونات جديدة إيجابية لإسرائيل، من خلال توسيع صورتها إلى ما بعد الصراع؛ أي إبراز ماذا يوجد في الصورة خلف الصراع، من خلال نقل رسالة مفادها أن إسرائيل هي أكثر بكثير من المواجهات العنيفة، ولها العديد من إنجازاتها في مجال الطب، والعلوم، والتكنولوجيا، والثقافة، والفن، ومساعدة الناس في جميع أنحاء العالم.
3-  اعتمدت الدبلوماسية الشعبية الإسرائيلية على أسلوب القوالب النمطية الإيجابية، لتعكس صورة الذات، والتى تمثلت فى (إسرائيل مضطهدة من خلال وصفها للمجازر التى تعرضت لها عبر التاريخ، إسرائيل متقدمة تكنولوجيًا، ومتنوعة ثقافيًا وحضاريًا، تحرص على تحقيق العدالة، لديها ثقافة متميزة، تسعى للسلام مع الآخر، دولة ديمقراطية، العالم يدافع عن إسرائيل)، فى حين جاءت القوالب النمطية السلبية فى تناولها للآخر وتمثلت فى: (حماس إرهابية، الحركات الإسلامية أساس الإرهاب)، ويلاحظ توظيف القوالب النمطية من خلال ملمحين أساسين، الأول: ربطها بالأسلوب الدينى والذى حرصت الصفحة من خلاله على التأكيد على الاحترام الكامل للدين الإسلامى، وتعاليمه، إلا أن هؤلاء الأشخاص هم من لا يتبعون تعاليم الدين الحنيف التى تقدس حياة الانسان، ولا تدعو الشباب للموت باسم الشهادة، والملمح الثانى: ارتباط القوالب النمطية بأشخاص بعينهم مثل (حسن نصر الله ووصفه" بملاك الموت الزؤام"، القرضاوى، هنية)، للتأكيد على شخصنة الإرهاب فى بعض الاشخاص، وليس كل العرب.