الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

العرب بين "الدعشنة" و"العصرنة" والطريق الثالث

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يبدو أن العربَ في موقفٍ لا يُحسدون عليه، سواء كانوا شعوباً أو أنظمة أو حكاماً، بعد الفشل الذريع الذي مُنيت به ثوراتُ مايٌسمى بالربيع العربي، وهى الثورات التي أفلح الإسلاميون أن يمتطوا صهوتها في بادئ الأمر، ثم سُرعان ما أفاقت الشعوب وقررت أن تُزيح الإسلاميين من على صهوةِ جواد هذه الثورات، يساعدها في ذلك دون تخطيط بعضُ فلولِ الأنظمة السابقة . لقد حدث هذا في مصر من خلال ثورة 30 يونيو التي أزاحت جماعة الإخوان المسلمين من على سدة الحُكم، وحدث هذا في تُونس من خلال انتخابات برلمانية أودت بحركة النهضة التونسية.
ويُخطئ من يعتقد أن هذا هو نهايةُ المطاف في هاتين الدولتين أو أن هذه ستكون مآلات باقي الثورات في دول الربيع العربي، لتستقر بعدها الأمور لفترةٍ طويلة قادمة؛ لقد أخطأ الإخوان المسلمون في مصر عندما اعتقدوا أن الأمور قد دانت لهم، وأنهم سيحكمونها لخمسة قرون قادمة، لم تكن الجماعةُ تدرك أنها تقف على رمالٍ متحركة وحراكٍ سياسي لم يتوقف حينها وما زال مستمراً حتى الآن.
ومن خلال متابعتي لحركةِ الأحداث في المنطقة العربية، سواء في البلدان التي طالتها الثورات أو تلك التي لم تطالها، وإن كانت تعتمل تحت كثبانها الرملية، فإنني أزعم أن العرب ليس أمامهم سوى طريقين: الطريقُ الأول هو "الدعشنة" أى أن تسلك بعض الحركات الإسلامية في المنطقة وربما بعض الدول طريق داعش كوسيلة للهروب إلى الخلف .. إلى الماضي السحيق حيث الأساطير المؤسِسَة لهذه الحركات وفكرها الأيديولوجي مثل أسطورة عودة الخلافة الإسلامية وإرهاب أعداء الله بارتكاب كلِ ما هو وحشي وشاذٌ باسمِ الإسلام.
وللأسف فإن هذا الاتجاه له من يؤيده ويتعاطف معه في دولٍ عربيةٍ عديدة، ولعل هذا التأييد والتعاطف جاء بعد أن تمكن الإسلاميون من حكمِ بعضِ بلدانِ ثوراتِ الربيعِ العربي، واستطاعوا أن يحشدوا لهم مؤيدين فيما يُعرف بـ"فسطاط الإيمان" بعيداً عن "فسطاط الكفر" التي يقبع فيها غالبية الشعوب العربية من وجهة نظرهم، كما استطاع الإسلاميون إبان فترة حكمهم القصير أن يفعلوا أحد أمريْن وكلاهما خطيرٌ للغاية: أولهما أن يصدروا الكوادر للحركات التي تتبنى العنف مثل داعش وغيرها بل وتصدير المتطوعات لنكاح الجهاد للتسرية على المجاهدين مثلما حدث في الحالة التونسية، وثانيهما أن يُفرجوا عن المعتقلين من بني جلدتهم ممن يتبنون العنف والتكفير منهجاً لهم وفتح آراضي الدولة لمثلِ هذه النوعية من شُذاذ البشر مثلما حدث في الحالة المصرية، ناهيك عن التمويل المتوافر لمثلِ هذا الاتجاه من خلالِ التنظيمات الدولية من جهة ونشأة بعض الحركات ومنها داعش في دولة نفطية، وبالتالي فهى ليست في حاجة أصلاً لتمويل خارجي.
أما الطريقُ الثاني ، وهو الطريقُ الأصعب الذي يمكن أن يواجه "الدعشنة" فهو طريقُ "العصرنة" أى وجوب تحويل الدول العربية إلى دول عصرية تكفل حقوق المواطنة لجميعِ مواطنيها وتُطبقَ قيمَ الحرية والعدل والمساواة، وهى القيمُ التي تنادي بها كلُ الثورات ، سواء تلك التي قامت أو تلك التي لم تقم بعد، منذ الثورة الفرنسية وحتى ثورة الياسمين في تونس وثورة 25 يناير في مصر. وإذا تأملنا هذه المبادئ الثلاثة سنجد أنها المبادئ التي دعا إليها الإسلام منذ 14 قرناً. ولا شك أن كفالةَ الديمقراطية والحريات المدنية وتداول المعلومات وتداول السلطة هى كلها أمورٌ يجب أن تؤدي في نهاية الأمر إلى دولٍ عربية عصرية تلحقُ بركبِ الدولِ المتقدمة التي سبقتنا بكثير. إن هذا الطريق يمثل هروباً إلى الأمام أمام قوى تحاول أن تجرنا بشدة إلى الخلف. وقد يقول قائلٌ إن هذا الطريق صعب ويحتاج وقتاً طويلاً، وهذا أمرٌ حقيقي، ولكن لماذا لا نبدأ الآن ونضع خطة خمسية للمُضي في هذا الطريق نحو "عصرنة" الدول العربية، إن الوصولَ متأخراً للحاق بالركبِ العالمي أفضل من ألا نصلَ على الإطلاق.
إذن ليس أمام العرب سوى خيارين: إما الاستسلام لمن يحاول أن يجذبنا بشدة إلى الخلف .. إلى الماضي السحيق الذي لن يعودَ ثانيةً، لأن السياقات الآن مختلفة تماماً ولا يمكن أن تستوعبَ هذا الماضي وأفكاره، وإما الهروب إلى الأمام بأقصى سرعة حتى نستطيعَ الفِكَاكَ ممن يحاول أن يجذبنا إلى الخلف من جهة، ونقوم بتحديث دولنا العربية من خلال إعادة النظر في شكلِ الدولة ونظامها وفلسفة الحكم والموقف من الديمقراطية وتداول السلطة وتطوير التعليم وزيادة متوسط دخل الفرد. إن "العصرنة" ستؤدي بلا شك إلى إصابةِ ما يُسمى بالحركات الإسلامية، والإسلام منها براء، في مقتل وبشكلٍ أقوى من طلقاتِ الرصاص وأزيزِ طائرات الأباتشي وهدمِ الأنفاق والضرباتِ الجوية لقواتِ التحالف.
وفي النهاية، فإن السؤال الذي يطرح نفسه: هل لا يوجد أمام الدولِ العربية كافة سوى هذين الطريقين؟ الإجابة لا ، حيث يوجد أمام هذه الدول طريقٌ ثالث، وهو ما سنستوضح معالمَه في المقالِ القادمِ بإذنِ الله.