الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

في ذكراه الـ129: عزرا باوند.. الشاعر الفضولي

الشاعر الأمريكي عزرا
الشاعر الأمريكي عزرا باوند
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

"كانت مسألة أن أكون شاعرًا أم لا أمرًا من الآلهة، لكن، على الأقل كان عليّ أن أجد ما كان مقدرًا لي"، بهذه الكلمات يصف الشاعر الأمريكي عزرا باوند حياة الشاعر التي اختارها أو كما يقول التي اختارته.

وكان يقول: "سوف أكتب أعظم القصائد التي أتيح لمخلوق على وجه الأرض أن يكتبها" هكذا كان يردد باوند، الذي تمر اليوم 30 أكتوبر ذكرى مولده.


وقد حدث بالفعل، فتأثيره على الشعر لا يمكن إنكاره، فقد كان من أوائل من استخدموا الشعر الحر، ولعب دورًا عظيمًا في اندلاع الثورة الشعرية الحديثة التي أثرت على الأدب الإنجليزي كله في القرن العشرين.

وتمرده الشعري كان متوازيًا مع تمرده النفسي والشخصي. فقد اشتهر باحتقاره للعادات والتقاليد السائدة في المجتمع وميله إلى الاستفزاز والخروج على المألوف.

وكان عزرا باوند يعتقد أن الأموال الضخمة التي جمعتها الكنائس المسيحية ينبغي أن توزع على الفنانين والشعراء والفلاسفة والعلماء الذين يكتشفون قوانين العالم ويقدمون خدمات جليلة للبشرية.


فهم أحق بها من المطارنة والكرادلة والباباوات والباشاوات العاطلين عن العمل. وكان من أتباع الفيلسوف الصيني كونفوشيوس، وكان يعتقد باوند أن الدولة الفاشية التي أسسها موسوليني في إيطاليا هي تجسيد للدولة المدنية التي حلم بها كونفوشيوس.

وباوند شاعر أمريكي، ناقد، وموسيقي اعتبر أحد أهم شخصيات حركة الحداثة في الأدب العالمي في أوائل وأواسط القرن العشرين.

ولد في 30 أكتوبر 1885، وتوفى في 1 نوفمبر 1972.


تلقّى تعليمه في جامعة بنسلفانيا وكلية هاملتون، انتقل إلى إنجلترا، حيث كان الصديق المقرب من الشاعر الكبير ويليام بتلر ييتس، وكان يعتبره أعظم شاعر على قيد الحياة في ذلك الوقت.

تزوّج باوند من دورثي شكسبير ابنة العشيقة السابقة لوليام بتلر ييتس. وقد أسهم ييتس وباوند في بدايات الحداثة الإنجليزية، وانخرطوا في حركات عديدة أثّرت في مستقبل الشعر الأمريكي.

ترك باوند إنجلترا مع بداية الحرب العالمية الأولى، وبحلول عام 1924 كان باوند قد استقرّ بصفة دائمة في إيطاليا مع عائلته.

وخلال الحرب العالمية الثانية، كان أحد أشهر مؤيّدي نظام موسوليني، بل وكان منظِّرًا لدول المحور!


لذلك لم يكن غريبًا أن تلصق به كتاباته وخطاباته الإذاعية تهمة الخيانة من بلده الأم أمريكا.

وفي نهاية المطاف قبضت عليه قوّات إيطالية مساندة للحلفاء، وتمّ تسليمه إلى الولايات المتحدة التي حاكمته بتهمة الخيانة، لكن المحكمة قضت بأنه غير مذنب لأنه مجنون.

عندها عارض الكثيرون هذه الفكرة، وأُعيد النظر في قضيته وحُكم عليه بالسجن إثني عشر عامًا في مستشفى "سانت إليزابيث العقلية".

وبعد إطلاق سراحه بضغوطات من كتّاب العالم، عاد إلى إيطاليا حيث عاش حتى وفاته عام 1972.

وعندما سُئل عن رأيه في بلده بعد إطلاق سراحه ردّ قائلًا: "أمريكا بيمارستان كبير."!


عزرا باوند.. البركان الوحيد

يعتبر باوند أحد أهم الشعراء الذين أنجبتهم أمريكا في تاريخها كله، ويتناول كتاب "عزرا باوند.. البركان الوحيد" لمؤلفه جون تايتل أستاذ اللغة والآداب الإنجليزية في إحدى جامعات نيويورك الكثير عن حياة الشاعر، فيخبرنا الكتاب أنه ولد في الولايات المتحدة عام 1885، ومات في البندقية بإيطاليا عام 1972.

أي أنه عاش عمرا مديدا يتجاوز السابعة والثمانين عاما.

وكان شاعرا وموسيقارا وناقدا أدبيا من الطراز الأول. وقد انضم إلى الحركة الحداثية للشعر الأمريكي في العشرينيات من القرن الماضي، عندما كان لا يزال في بدايات حياته الأدبية.

بين عامي 1900 - 1905 درس عزرا باوند الأدب المقارن في جامعة بنسلفانيا في نيويورك، ولكنه غادر أمريكا إلى أوروبا عام 1908 وعمره لا يتجاوز الثالثة والعشرين؛ لأنه كان عاجزا عن التأقلم مع المجتمع الأمريكي.


سرعان ما انتقل إلى لندن عاصمة الآداب الإنجليزية، وهناك التقى كبار الكتاب الإنجليز من أمثال: جيمس جويس، فورد مادوكس فورد، ويندهام لويس.

وكان لا يزال ينتمي آنذاك إلى الحركة التصويرية، وهي حركة أدبية انخرطت في التجريب الشعري عن طريق استخدام لغة غنائية، وكانت متأثرة بآداب الشرق الأقصى والشعر الياباني على وجه الخصوص.

وبعد أن التقى عزرا باوند النحات هنري غودييه برزيسكا، تشكلت الحركة "الدوامية" في الشعر الإنجليزي، وهي حركة تجريبية أيضا وقريبة من التيار المستقبلي في الشعر، وتركز على الكثافات الشعرية إلى أقصى حد ممكن.

ثم التقى عزرا باوند أثناء الحرب العالمية الأولى بالشاعر الكبير ويليام بتلر ييتس في آيرلندا، وأصبح سكرتيرا له، وبعدئذ تعلم اللغة اليابانية وراح يهتم بالشعر الغنائي السائد في الشرق الأقصى.

وفي عام 1915 بدأ بكتابة رائعته الأدبية "كانتوس"، أي أناشيد.

وقد اشتغل عليها طيلة حياته كلها.

في عام 1920 وصل عزرا باوند إلى باريس وانضم إلى جماعة الأدباء والفنانين الباريسيين، وقد شاءت الصدفة أن يكون همنجواي في باريس أيضا.

وقد زار هيمنجواي باوند في شقته التي كانت مفتوحة للجميع.


وقد أثر عزرا باوند على إرنست همنجواي من الناحية الأدبية، فتحسن أسلوبه، وكان عزرا باوند يقول: "الكتاب الجيدون هم أولئك الذين يستخدمون لغة فعالة، أي واضحة ودقيقة."

ترجم باوند كل أنواع الشعر من الشرق الأقصى إلى أوروبا، وكان يبحث من خلال ذلك عن لغة شعرية كونية.

ولذلك تعلم عدة لغات، وكان يعتقد أن شعر اليابان والصين والهند أقرب إلى البراءة والطبيعة لذلك اهتم به كل الاهتمام.

كان يبحث عما هو بدائي، عفوي، صادق في شعر هذه الأمم التي لم تفسدها الحداثة الصناعية كما حدث لمجتمعات أوروبا وأمريكا. كان يبحث عن البراءات المطلقة في الشعر.

والفكرة الأساسية لدى عزرا باوند هي أن العلاقات الكائنة بين الأشياء أهم من هذه الأشياء بالذات. ولكن ليس كل الناس يرونها. وحده الشاعر الكبير يراها.


الشعر هبة الحياة

ضم كتاب "أسئلة الشعر" الصادر عن دار أزمنة ترجمة أحمد الزعتري، ثلاثة حوارات مع ثلاثة من اشهر الشعراء هم الأميركي عزرا باوند ( 1885-1972)، والبريطاني ت س إليوت (1888- 1965)، والتشيلي بابلو نيرودا (1904-1973).

وهم جميعًا من حركة الأدب المعاصر وهي حركة اختصرت الطريق في بداية القرن العشرين.

يقول باوند ردًا على: ماهي الكيفية التي كتب فيها أهم اشعاره وهل كان يتبع طريقة خاصة في القراءة،: "ليست القراءة بالضرورة، أنا أعتمد على ما تهبه الحياة، سؤال "ماذا" أكثر أهمية من بكثير من "كيف"".


وفي رده على سؤال: ما هي أعظم صفة يمكن للشاعر أن يمتلكها هل هي المنهج أم جودة التفكير، يجيب باوند: "على الشاعر أن يمتلك فضولًا مستمرًا، الذي بالطبع لن يجعل منه كاتبًا لكن إن لم يمتلكه سيذبل"، ويتابع: "عليه أن يتحول من استقبال المثيرات إلى التسجيل، إلى إقامة علاقة متبادلة، هذا مايشغل الطاقة الكاملة لحياة شخص".

ويرى باوند أن على المبدع أن يبقى في حركة دائمة ومستمرة وأن يتغير مع الحياة ويغير حتى أسلوبه في الكتابة وطريقه الذي يتبعه ككاتب، ويقول: "أنت تحاول أن تترجم الحياة بطريقة لايملها الناس، وتحاول أيضًا أن تدون ما ترى".

ويوجه الشاعر حديثه للكتاب والشعراء الشباب قائلا: "أنصحهم بتطوير فضولهم وألا يتصنعوا" لكنه في المقابل يرى أن هذا الأمر وحده غير كافٍ.


ويواصل باوند قائلاَ أن الاستفادة من خبرات الشعراء والكتاب أصحاب التجربة أمرا مهما، فهو نفسه احتفظ بنصيحة أربعة من أسلافه الشعراء هم فورد مادوكس فورد، ووليم ييتس، وتوماس هاردي، وورورت بريدجس، ويقول: "كانت نصيحة بريدجس أبسطها، فقد كان يحذر من الألفاظ المتجانسة.

نصيحة هاردي كانت التركيز على القضية، لا على الأسلوب.

فورد كانت نصيحته بشكل عام هي طزاجة اللغة.

أما ييتس كتب قبل العام 1908 قصائد غنائية بسيطة بحيث لم يكن هناك انحراف عن ترتيب الكلمات الطبيعي".


ويشدد باوند على ضرورة أن يكون النقد للأعمال الإبداعية صادق جدًا وأن يأتي من أشخاص متخصصين بهذا الشأن لأن المجاملات والمديح الزائف لابد أن يؤدي إلى أعمال رديئة، وهو يستشهد بواقعه معينة ويقول: "أتذكر أن طاغور عندما كان يرسم بشكل عبثي على حواف أوراقه، وجد من يقول له إن ذلك فن، وكان لتلك الرسومات معرض في باريس، لكن لم يكن هناك من متحمس لتلك الرسومات لأن هناك من كذبوا عليه".

وقد أدين عزرا باوند بتهم الخيانة الوطنية، والتعاون مع العدو، والدعاية ضد الصهيونية وحوكم عليه بالسجن لمدة 13 عامًا، لكن كتابا مثل همينغواي، اليوت، وويليامز، وجويس الذين كان أغلبهم من تلاميذه، توسطوا له لدى السلطات الحاكمة فاستطاعوا تبديل محكوميته من السجن إلى الإقامة في مستشفى الأمراض النفسية.


قال باوند: "إن أمريكا بحاجة إلى نهضة ثقافية، وأن النهضة ليست عاصفة تنطلق من غلاية الماء، فإن الفنان مثله مثل العامل، ينتج السلع التي نسميها القيم الثقافية."

وروّج باوند لكتابات المفكر الصيني الأدبية –الفلسفية كونفوشيوس في أوربا. ودعت الحرب العالمية الثانية باوند أن يشعر بالخطر المحدق بالفن، وكان يقول: "إن الرأسمالية تجبر الشاعر والفنان أن ينشغل بمقولات تافهة ومملة من قبيل المال والاقتصاد".

وقد كان اليوت يوصي دوما الشعراء الشباب الأوروبيين بقراءة قصائد باوند، ويكتب:" كلما راجعتُ قصيدة من قصائدي، اكتشفتُ تأثيرًا فنيا لعزرا باوند فيها."

كان باوند مثله مثل جويس يقوم بتنقيح وتهذيب نصوص الكتّاب الآخرين.


وقد قال:" لستُ أحدا، اسمي لاشيء، أنني شاعر حسب، يستعد للغروب في سبيل رؤية الشمس."

كانت له طوال عمره رغبة الاهتمام بالقضايا الاجتماعية وفق تقاليد عصره، وخصوصا مسائل الاقتصاد.

وقال: إن الأمريكيين لا ينبغي لهم أن يمسوا غذاء لمدفعية الديمقراطية، أو رصاصات الأسلحة الصهيونية.

يكتب الأديب الأمريكي ويليامز كارلوس ويليامز:" إن التعرف على باوند، يشبه أن الإنسان يتعرف على فترتين، قبل الميلاد وبعد الميلاد في الأدب الغربي."


من شعره نقرأ:

فتاة

الشجرة تسلّلت من يديَّ،

وصعد ماؤها في ذراعيَّ،

الشجرة تنبت من ثدييَّ،

وتتدلّى

فروعًا تخرج منّي كالأذرع المتشابكة.

قد يحدث أنك شجرة،

أنك طحلب،

أنك بنفسج والريح تهدهد من فوقه.

قد يحدث أنك مجرّد طفلٌ،

شيء سامٍ– أنت إذًا،

وكل هذا...

كل هذا مجرّد عملٌ أحمق أهديه إلى العالم.

وكان دومًا يردد: "إن الكتاب ما هو إلا وعاء من نور يقبع بين يدي من يقرأ".