الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

كارثة بالأرقام .. 38 مليون مصري يشربون مياها ملوثة

38 مليون مصرى يشربون
38 مليون مصرى يشربون مياها ملوثة بمخلفات الصرف الصحى والزراع
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حينما يصدر عن تقارير حقوقية مصرية أن 38 مليون مصرى يشربون مياها ملوثة، فإن هذا يعنى أن ناقوس الخطر يدق على رؤوسنا ويعلن عن ضرورة أن يتحرك المسئولون ومجلس الوزراء سريعا لحماية المواطن المصري من الموت المحقق بعد إصابته بالأمراض المتوطنة والكبدية والكلوية بسبب تلوث مياه الشرب.
الأسباب متعددة لتلوث المياه في مصر بداية من وجود 30 مصنع و310 فندق يضخون مخلفات كيمياوية في النيل كما جاء في تقرير التوصيف البيئي الصادر عن وزارة البيئة المصرية في عام 2009، نهاية بشبكة المياه المتهالكة والتي تسبب الكثير من هذا التلوث.
فيما أكد تقرير منظمة الصحة العالمية أن نسبة تلوث المياه في مصر تزيد على ثلاثة أمثال معدلات التلوث العالمية وتتفاقم نسبة التلوث في محافظات القاهرة الكبرى عن سواها من محافظات الجمهورية، وجاء في تقرير مركز السموم الإكلينيكية والبيئية بطب قصر العينى ارتفاع نسب التسمم الناتج عن التلوث في تلك المحافظات، فكان نصيب محافظة القاهرة 35 % من حالات التسمم و12 % بالجيزة و50 % بالقليوبية.
وقد رصدت تقارير وزارة البيئه أن الملوثات الصناعيه غير المعالجة أو المعالجة جزئيا ويقذف بها في عرض النهر تقدر بنحو 4.5 مليون طن سنويا من بينها 50 ألف طن مواد ضاره و35 ألف من قطاع الصناعات الكيماوية. وأوردت التقارير أن نسبة الملوثات العضويه الصناعيه تصل إلى 270 طنا يوميا. بينما يبلغ حجم الملوثات الناتجه عن المستشفيات سنويا بما يقدر بنحو 120 ألف طن سنويا من بينها 25 ألف طن مواد تدخل في تصنيف المواد شديدة الخطوره، كما أكد تقرير وزارة البيئه أن هناك تحديات تواجه نهر النيل بوجود ما بين 2.4 إلى 3 مليارات متر مكعب من المياه الناتجة عن معالجة مياه الصرف الصحي.
فيما أصدرت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان تقريرا تحت عنوان "تلوث المياه قنبلة موقوتة تهدد حياة المصريين" بين أن 38 مليون شخص يشربون مياها ملوثة في مصر
فيما أوضح الأستاذ الدكتور أشرف عبدالعزيز منصور عضو الهيئة الاستشارية العليا لمجلس علماء مصر والأمين العام للاتحاد العربى للتنمية المستدامة والبيئة أن تلوث مياه الشرب يرجع إلى تعدد أنواع الصرف في نهر النيل وإن كان أهمها الصرف الزراعي المشتمل على جميع أنواع الصرف الأخرى، فوجود العديد من المصارف الزراعية التي تلقى بفائض مياه الرى للمحاصيل المختلفة في نهر النيل ينتج عنها مشكلة صحية وبيئية كبيرة جدًا، وهذه المشكلة تتلخص في إسرافنا في استخدام الأسمدة والمخصبات الزراعية وبخاصة الأسمدة النيتروجينية والفوسفاتية وإضافتها إلى التربة الزراعية بهدف زيادة الإنتاج الزراعى دون الالتزام بمعدلات تلك الأسمدة، والتي تصب بالتالى في نهر النيل ويصبح محملًا بكل هذه الأسمدة والمخصبات وجميعها تحتوى على مواد سامة ضارة بالصحة العامة، وبحياة الكائنات الحية كالاسماك التي تعيش في نهر النيل والتي تصل أيضًا كغذاء للإنسان، وهو الأمر الذي يتسبب في زيادة معدلات الإصابة بالأمراض المختلفة وإن كان أخطرها الالتهاب الكبدى والفشل الكلوى والذي زادت معدلاته خلال السنوات الماضية بطريقة مخيفة.


وأكد اللواء مهندس محمد مختار قنديل رئيس جهاز تعمير سيناء الأسبق، ورئيس قطاع بشركة التعمير والإسكان أن أهم أسباب تلوث مياه النيل تتمثل في أن جميع المصارف الزراعية تصب في النيل ويعاد استخدامها في الزراعة سواء في الصعيد أو الدلتا محملة بفوائض الأسمدة والمبيدات بل قد تصب فيها مياه الصرف الصحى وقاذورات القمامة، كما أن مياه الشرب يتم ترسيبها وترويقها وإضافة الكلور لها في محطات التنقية القديمة وهذا ليس كافيًا لتنقية مياه النيل من التلوث أو الشوائب ونجد أن بعض المدن ارتفعت فيها نسبة الإصابة بالفشل الكلوى مثل السويس التي تتغذى من ترعة السويس المثقلة بالملوثات الصلبة وغيرها.
وأضاف قنديل أن المياه الجوفية في الدلتا التي يشربها الناس بواسطة الطلمبات مثقلة بالتلوث من خزانات الصرف الصحى المنتشرة في القرى التي لم تدخلها شبكات الصرف الصحى ومياه الرى المتسربة، كما أن الشك يراود الكثيرون حول مدى دقة قياسات الجهات المسئولة في الدولة الخاصة بتلوث مياه النيل وفروعه. ويؤكد ذلك الشك ترسبات الطمى والطين في الأوانى التي تملأ بالماء، ومن المؤسف أن ترعة السلام التي تروى أرض سيناء البكر مخلوطة بمياه الصرف الزراعى والصحى مما سيلوث تربة سيناء إلى الأبد.

وقال قنديل إن الحزم مطلوب لوقف صرف المياه الملوثة لمصانع الصعيد خصوصا الورق والسكر وغيرها وكذلك مصانع كفر الزيات التي تدمر كل شئ في السدة الشتوية، لارتفاع نسبة الأمونيا بها مما يؤدى إلى نفوق الاسماك وأمراض البشر، كما يجب أن تنشغل وزارات البيئة والرى والإدارة المحلية بالحفاظ على مياه النيل نظيفة قبل الاهتمام بفصل القمامة من المنبع، ووزارات البيئة والرى والإدارة المحلية والمحافظات والزراعة عليها أن تراقب المبيدات والأسمدة جيدًا حتى لا تتسرب للتربة أو لمياه المصارف والمياه الجوفية مبيدات مسرطنة، كما يجب أن يتوقف استحمام الإنسان والحيوانات في النيل والترع وأن تتوقف حفلات غسيل أوانى الطعام والملابس التي تقوم بها القرويات على شواطئ النيل والترع بل والمصارف، ويجب أن يتوقف إلقاء الحيوانات النافقة والطيور الميتة في النيل، وأن يتوقف إلقاء مخلفات المراكب السياحية في النيل، يجب أن يتم تطهير الترع والمصارف من أكداس القمامة والمخلفات التي أصابت المجارى المائية بالجلطات المزمنة والطويلة.
.


كما أكد الأستاذ الدكتور علي عبدالرحمن على رئيس الاتحاد العربي للتنمية المستدامة والبيئة أن أول مصادر تلوث مياه نهر النيل هي المصادر الصناعية، فقد تحتوي مياه المصانع وفضلاتها على ما نسبته 60 بالمائة من مجموع المواد الملوثة للبحار والبحيرات والأنهار، ويصدر أغلب الملوثات من مصانع مثل مصانع الدباغة والرصاص والزئبق والنحاس والنيكل ومصانع الدهانات والأسمنت والزجاج والمنظفات ومصانع تعقيم الألبان والمسالخ ومصانع تكرير السكر، إضافة إلى التلوث بالهيدروكربون الناتج عن التلوث بالبترول.
وذكر عبدالرحمن أنه في القاهرة قد أجريت دراسة على اثني عشر محطة لمعالجة مياه الشرب ووجدت جميعها تعاني من عدم انضباط في تصريف النفايات السائلة الصناعية، وتجدر الإشارة إلى أن الطرق التقليدية لتنقية المياه لا تقضي على الملوثات الصناعية (مثل الهيدروكربون) والملوثات غير العضوية والمبيدات الحشرية وغيرها من المواد الكيميائية المختلفة. وقد يتفاعل الكلور المستخدم في تعقيم المياه مع الهيدروكربونات مكونا مواد كربوهيدراتية كلورينية متسرطنة، ومن أشكال التلوث الصناعي هو استعمال بعض المصانع ومحطات الطاقة لمياه الأنهار والبحيرات في التبريد، وما ينتج عنه من ارتفاع في حرارة المياه مما يؤثر سلبا على التفاعلات البيوكيميائية في المياه وكذلك على الأحياء المائية.



وقال الدكتور صديق عفيفى وزير سابق مفوض لمياه حوض النيل: إن الملوثات في نهر النيل تنقسم إلى معادن ثقيلة تصرفها المصانع في النهر وأخري عبارة عن صرف الفنادق العائمة والتي يصل رقمها المعلن عنها إلى أكثر من 300 فندق بجانب عشرة بالمئة من الصرف الصحي.
وأكد عفيفى أن مياه الصرف الصحي إذا لم تعالج جيدا تسبب أمراضا خطيرة للإنسان وخصوصا إذا تسربت لمياه الشرب، لأن التلوث الميكروبي للمياه السبب في انتشار وباء السالمونيلا والالتهاب الكبدي في عدد من دول العالم، مضيفا أن مياه الصرف الصحي بها أعداد هائلة من الكائنات الدقيقة مثل البكتريا والفيروسات والطفيليات وبذلك تنقل العديد من الأمراض مثل الكوليرا والتيفود وشلل الأطفال، وتلعب الكائنات الحية الدقيقة دورا في تحولات الميثان والكبريت والفسفور والنترات، فبكتريا الميثان تنتج غاز الميثان في الظروف الهوائية واللاهوائية وبكتريا التعفن تنتج الأمونيا التي تتأكسد إلى نترات والتي تكون ما يعرف بإخضرار الماء وتظهر على شكل طبقة خضراء من الأعشاب على سطح خزانات المياه والبحيرات وشواطئ البحار، وأكثر ما تكون في المياه الراكدة وتسبب في إعاقة تسرب الأوكسجين إلى الماء، وتسبب زيادة الأعشاب الخضراء الإصابة بمرض زرقة العيون لدى الأطفال.
وأضاف عفيفى أن التلوث بالمركبات الكيميائية الناجمة عن التلوث بمياه الصرف الصناعى تنقسم أضرارها إلى " مركبات حمضية أو قلوية: تعمل كل من المركبات الحمضية أو القلوية على تغيير درجة الحموضة للماء. كما يؤدي إلى تكون الصدأ في الأنابيب وتآكلها. أما التلوث بالقلويات فيؤدي إلى تكون الأملاح مثل كربونات وبيكربونات وهيدروكسيدات والكلوريدات. وتسبب كربونات وبيكربونات الكالسيوم والمغنيسيوم عسر الماء كما أن مركبات الكلوريدات والسلفات تسبب ملوحة الماء، ثم " مركبات النترات والفوسفات التي تتسبب في حدوث ظاهرة إخضرار الماء، وتتكون الأعشاب الخضراء من الطحالب وهي من عناصر الكربون والنتروجين والفسفور. ومن الجدير بالذكر أن النترات تتحد مع الهيموجلوبين وتمنع اتحاد الأوكسجين معه مما يسبب الاختناق.

وقد تجولنا في محافظات مصر لنكشف مظاهر تلوث مياه الشرب كما يرويها الأهالي بأنفسهم، ففى أسيوط،طالب محمد أبوالفضل الأمين العام لحزب نصر بلادى المحافظ بتشكيل لجنة فنية متخصصة لبحث ودراسة جميع المشكلات والعوائق التي تواجه قطاع مياه الشرب والصرف الصحي بدائرة المحافظة ووضع الحلول المناسبة لها يتلاءم مع الصالح العام والحفاظ على البنية الأساسية للمرافق العامة "محطات وشبكات" وقد أظهرت الدراسة العلمية والتي أجريت بكلية الزراعة بجامعة أسيوط، أن 60 % من أمراض الكلى يصاب بها المواطنين بسبب تلوث مياه الشرب.
وقال أبو الفضل إن هناك دراسة تم إجراؤها لمعرفة تأثير تلوث مياه الشرب نتيجة صرف مخلفات بعض المصانع في مياه النيل، حيث قال الدكتور رأفت فؤاد عبده، أستاذ الوراثة وبيولوجيا الخلية بكلية الزراعة، إن البيئة المحلية في مدينة أسيوط بشكل خاص تشهد تلوثًا واضحًا في مياه الشرب في كثير من المناطق.
وأضاف أبوالفضل أن هناك شكوى مستمرة لسكان المدينة من التغير شبه اليومي لمياه الشرب، من عديمة اللون إلى بنية وأشد من ذلك؛ ما دفع البعض إلى استخدام المرشحات والفلاتر بمنازلهم أو غلى المياه وتخزينها، وتوجهت الدراسة لبحث تأثير المياه الملوثة على الناحية الوراثية، والتي وجد أنها تؤثر على كلٍ من الانقسام الخلوى "الميتوزي" والمادة الوراثية "الكروموسومات".

وتم أخذ عينة مباشرة من أماكن الصرف الصحي بمياه نهر النيل وتم التعامل معها بثلاث تركيزات 25%، 50% 100%، وقد أظهرت النتائج مدى التأثيرات الضارة لمثل هذه المخلفات على المادة الوراثية للنبات، والتي لا تختلف في جوهرها على المادة الوراثية للإنسان أو الحيوان، وهو مادة DNA، وبالتالي تأثيرها الضار المحتمل على صحة العامة.
وفى مركز الصف محافظة الجيزة قال إبراهيم سعيد سلام ناشط حقوقى إن تحاليل مياه الشرب بالصف من قبل الإدارة الصحية بالصف في شهر أغسطس العام قبل الماضى، أثبتت من خلال 141 عينة مأخوذة من مياه الشرب بمركز ومدينة الصف بواسطة وزارة الصحة أنها غير صالحة للاستخدام الآدمى وبها بروتوزوا حية وبكتيريا المجموعه القولونية ونسبة التلوث بها عالية جدا وغير مطابقة للمعايير البكترولوجية، وأنها لا تصلح للاستخدام الآدمى.


فيما قال علاء محمود إبراهيم أحد أهالي منطقة بشتيل بشمال الجيزة إن مياه الشرب كلها رواسب وأتربة وفى بعض الأوقات نجد بها حشرات صغيرة تقوم بسد فلتر الحنفية، كما أنها كريهة الرائحة لاختلاطها بماء الصرف الصحى.
وستتعجب حينما تسمع أن منطقة شرم الشيخ المنطقة السياحية الأولى بمصر مياهها ملوثة كما يروى أحمد الابنودى أحد سكان المنطقة قائلا " والله أنا في غاية الخجل حينما أقول لك إن في شرم الشيخ المياه تنقطع بشكل دوري وعندما تأتى المياه فهى لا تصلح للشرب من الأساس، ففى منطقة السوق التجارى القديم تجد أن المياه بها أملاح زائدة لدرجة أنها تظهر على أجسادنا بعد الاستحمام بها، كما أنها تسبب سقوط الشعر لزيادة درجة ملوحتها، ونحن نعلم أنها تحول إلى خزانات تحت الأرض.

كما تقول زهرة أحمد أحد سكان مركز العسيرات بمحافظة سوهاج إن مياه الشرب لديهم لونها أبيض نتيجة لارتفاع نسبة الكلور بها ورائحتها كريهة جدا وبمجرد أن تقوم بملء كوب من الماء تجد رواسب سوداء تتراكم في قاع الكوب، كما أنه في منطقة البلينا بسوهاج نسبة الملوحة أكبر مرتفعة للغاية، كما تجد مياه قرى عقوب ومرزوق والزوك نسبة الأملاح مرتفعه بها جدا وكأن المياه مذاب فيها ملح وهذه القرى تجد فيها ارتفاع نسبة الإصابة بمرض الفشل الكلوى.
فيما تقول أمل معروف أحد سكان مركز المنشاه إن المركز بقراه ونجوعه أغلب مياهه مالحة بالفعل ورائحتها كريهة ونسبة الكلور بها عالية جدا ويظهر بالكوب رواسب الطين في القاع خصوصا في قرى الزوك والبياضية والدويرات، كما أنه في قرية أخميم بسوهاج نجد أن اختلاط مياه الشرب بمياه المجارى تسبب في وفاة أكثر من عشرين شخصا بعد إصابتهم بالفشل الكلوى، علاوة على أن أغلب أهالي سوهاج يعانون من تكون الحصوات ولم ينجو الأطفال أنفسهم من هذه الأمراض.