الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

إلى السائق محمد مرسي: الإشارة حمراء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أحد الجنود الناجين من حادث القطار المنكوب يقول إنه قبل قيام القطار سمع مهندسًا يطلب من سائق القطار ألا يتحرك به لوجود مشكلات فنية تُعرض سلامة القطار وركابه للخطر، لكن السائق لم يلتفت لتحذيرات المهندس الخبير وتحرك بالقطار وركابه في سرعة قال الشهود إنها كانت جنونية، ومضى يسابق الريح إلى المأساة.
وكما سمع المجند الشاب الحزين صوت الحكمة يحذّر سائقًا من خطر ماثل للعيان فقد سمعنا جميعا، نحن الذين نستقبل كل صباح بحزن جديد، سمعنا أحكم حكماء هذا الوطن في الداخل، وأخلص أصدقائه في الخارج، وهم يحذرون الرئيس من مغبة أن يسير وراء جماعة الإخوان المسلمين، يحذرونه من خطورة ارتهان القرار السياسي المصري لجماعة لا تملك القدرة على أن تنفرد بتقرير مصير دولة بهذه الضخامة، وفي ظروف بهذا التعقيد.
سائق قطار الوطن أستاذ جامعي كبير، وبهذه الصفة وحدها، وبغض النظر عن افتقاده لأي خبرة سياسية تؤهله للحكم، باعتباره رجلا عاش هو وجماعته، مثلما عشنا، في ظل نظام سلطوي كان يحول دون تأهيل وإنضاج القوى البديلة، فلابد أنه يدرك أن انشغاله عن إصلاح الأعطاب التي يعاني منها القطار الذي يقوده، بتوزيع مقاعد الدرجات الممتازة على أعضاء جماعة الإخوان المسلمين ومشايعيهم، وبقذف من لا يعجبهم من الركاب خارج القطار المندفع، وبتجاهل إشارة حمراء تقول له “,”احذر سيطرة الأجانب على الأصول الاستراتيجية للبلاد“,”، أو“,”لا تلعب مع أحمد شفيق، ومحمد البرادعي، وعمرو موسى، وحمدين صباحي لعبة التجريم والتخوين“,”، هذا الانشغال قد يؤدي إلى كارثة.
لن تكون الكارثة انقلابًا توهمه أجهزة الاستخبارات الإخوانية بأن هؤلاء السياسيين المحترمين يدبرونه له، بل قد تكون ثورة جديدة تنضجها أخطاء الحكم ويأس المحكومين، وعجز هؤلاء السياسيين المحترمين عن احتواء الخطر بسبب جنون الاستحواذ الذي ملأ كابينة القيادة بعناصر من جماعة الإخوان لا يملك أيٌّ منهم ترخيصًا أو تأهيلاً يسمح له بالوقوف جوار السائق، وتشتيت انتباهه أو حتى تضليله بنصائح مهلكة.
لا أعرف من الناصح الذي أشار على السائق بأن يضع كل اللاعبين السياسيين الذين يعتد بهم في البلاد، من غير التيار المتأسلم، داخل دائرة الاتهام، فكابينة القيادة مزدحمة بعناصر عجيبة غريبة. وكل واحد منهم يتصرف بخيلاء كأنه هو شخصيّا الفائز في انتخابات الرئاسة. كأن الواحد وخمسين بالمائة التي فاز بها الرئيس قسمت عليهم جميعًا، وكانت نتيجة القسمة – بغض النظر عن قواعد علم الحساب - تسعة وتسعين بالمائة لكل واحد منهم!
لمست هذا الخيلاء وأنا أتابع الدكتور حلمي الجزار، القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، في حوار استضافه عماد أديب، مع جورج اسحق، وجدت الجزار لا يكف عن النكات والقفشات وهو يناقش فضيحة اتهام قامات عالية مثل أحمد شفيق الحائز على ثمانية وأربعين من أصوات الناخبين، والبرادعي الحائز على جائزة نوبل، وعمرو موسى الذي شغل أهم منصب دبلوماسي عربي كأمين عام للجامعة العربية، وحمدين صباحي المناضل الناصري المخضرم، باتهامات يعرف القاصي والداني أنها مكذوبة، وأن من العيب أن توضع بين يدي محقق. ورغم أني من المعجبين، عموما، بدماثة خلق الجزار فقد بلغ بي الغضب أني عجزت عن متابعة الحوار.
ولكن إذا كان هذا هو حال مسئول جماعة الإخوان في أمانة الجيزة فما بالك بممثل الجماعة في سدة الرئاسة؟ لقد حاول جورج اسحق أن يلفت نظر الجزار إلى خطورة الموضوع وإلى أنه يستحق مبادرة جادة تغسل عن القيادة السياسية عار اتهام مفتعل ضد شخصيات فوق مستوى الاتهام، ورد الجزار برد فيه من الفهلوة أكثر مما فيه من الشعور بالمسئولية.
نحن جميعا نتذكر ما سبق أن قاله جورج اسحق، قبل أيام، على قناة صدى البلد، مخاطبا الجماعة: “,”كفاية تسويف، وإقصاء، واستحواذ، وقرارات من طرف واحد“,”. بهذه الصيحة يبدو جورج اسحق وكأنه واحد من فلاحي البدرشين الذين رأوا القطار المنكوب، وهو يمضي بسرعة جنونية، والنار مشتعلة فيه، فراحوا يصرخون دون أن يبلغ صراخهم مسامع السائق، أو كأنه هو ذلك المهندس الذي أسدى نصيحة مخلصة للسائق ولم يبالِ السائق بالنصيحة واندفع على الطريق إلى المأساة.
وهاأنذا، فلاح آخر وابن فلاح، أصيح بسائق القطار الوطني محمد مرسي: لا نقول لك انزل من كابينة القيادة. لم أعطك صوتي ولن أعطي صوتي أبدًا لمرشح إخواني لأي منصب. لكني أقول لك إنك أنت القائد الشرعي للقطار الوطني. هكذا شاءت إرادة الله، ونحن نقبلها، ونتمسك بشرعيتك بعد أن أصبحت شرعيتنا. لا تكمل السير على هذا الطريق، فالإشارة الحمراء تعني أن طريق الشقاق هو الطريق إلى كارثة. لا تنشغل عن الإشارات الحمراء بأطماع الجماعة وأحقادها ورغبتها في الاستحواذ. مهمة الإصلاح أكبر من قدرات الجماعة: إصلاح القطار، والقضبان، والإشارات والمزلقانات، والمحطات. كل شيء يحتاج إلى إصلاح وانشغالك بجماعتك عن الإصلاح هو الخطر الوحيد الذي يتهددك ويتهددنا.