الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

30 يونيو.. وشهادة وفاة الجماعة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من الطبيعي أن يهرم الإنسان ويشيخ وتعتريه الأمراض حتي توافيه المنية وتستخرج له شهادة الوفاة إيذانًا بدفنه، وما ينطبق على الفرد ينسحب على الدول والكيانات والتنظيمات في كل زمان ومكان، وليس أدل على ذلك سوى ما حدث لجماعة الإخوان، فالجماعة قد بلغت من العمر عتيًا.. 85 عامًا بالتمام والكمال، شهدت سنوات الصعود والفتوة والقوة وصلابة العود.. والصراع على السلطة بقوة في العصر الملكي وبعد ثورة يوليو 1952، في محاولات باءت جميعها بالفشل والخيبة والقبوع داخل غياهب السجون أو الجحور في تنظيم سري محظور يعمل تحت الأرض، ما أصاب عزيمة الجماعة بالوهن.
وعندما اندلعت ثورة 25 يناير 2011، كانت الجماعة قد تخطت الثمانين من العمر، ووصلت الى سن الشيخوخة، دون أن تكلف نفسها إجراء مراجعات جادة لفكرها، ودون أن تجدد شبابها، والدماء الجديدة التي تكفل لها الصعود الرصين الواثق بعد الثورة لتولي أمر البلاد والحكم، ولكن بدلا من ذلك وجدنا أن أعراض الخَرف والشيخوخة وعقول العواجيز الخربة والمؤمرات والكذب والعنف بدأت تظهر على تقاسيم وجه الجماعة.
وأول هذه الأعراض هي خيانة ثورة يناير التي لحقت بها متأخرًا وذهبت قياداتها ليبيعوها للواء عمر سليمان الذين جلسوا معه حتى قبل تنحي مبارك، وكان محمد مرسي الهارب من سجن وادي النطرون هو أول الجالسين، ذهبوا ليبيعوا الثورة مقابل تأمينهم وحصولهم على الاعتراف بالجماعة وتأسيس حزب لها مقابل الانسحاب من ميدان التحرير.
وعنما بدأت العملية الديمقراطية، بدأوا يمارسون الكذب والنصب السياسي، فقد أعلنوا أنهم لن يدفعوا بمرشح للرئاسة، فإذا بهم يدفعون بمرشحيْن، وأنهم لن ينافسوا سوى على ثلث مقاعد مجلس الشعب فإذا بهم ينافسون على كل المقاعد، وأنهم حرصاً على أن يكون البرلمان ممثلاً لجميع المصريين فقد شكلوا تحالفاً من 40 حزبًا، واطمأنت هذه الأحزاب للجماعة ولم تقم بحملات دعائية أو تواجد بين جمهور الناخبين في الشارع اعتمادًا على أنها جزء من التحالف، فإذا بها تستيقظ على أكبر عملية نصب سياسي من الجماعة التي قامت بتوزيع مرشحيها على رؤوس القوائم ووضعت مرشحي الأحزاب في ذيولها.
وفي سعيها الحثيث للتمكين، انسحبت الجماعة من الشارع الثائر، وبحثت عن مصلحتها فقط وتركت الشباب يُقتل ويُسحل وتُفقأ عينه في أحداث محمد محمود الأولى ومجلس الوزراء ومضت على جثثهم إلى البرلمان ونالت من سمعتهم وشرفهم الثوري , وباعتهم بدراهم معدودة ونزعت عنهم الشرعية الثورية عندما قالت إن الشرعية للبرلمان وليست للميدان.
ولعل المشهد الفارق والذي كنت عليه شاهد عيان في قلب ميدان التحرير في الذكرى الأولى لثورة 25 يناير 2012 حينما رفع بعض الشباب الأحذية في مقابل منصة جماعة الإخوان في الميدان في وقت متأخر من تلك الليلة ,لأنهم جاءوا يحتفلون بالبرلمان والتمكين، في حين أن ثمة منصة في الميدان تحيي ذكرى الشهداء وتحاول أن تمسح دموع الأمهات الثكالى وتخفف من أنَات المصابين وقد التقطت أنا وابني أحمد صوراً لهذا المشهد الفارق ورفعناها على صفحتينا على الفيس بوك ونلنا من الشتائم والسُباب من الميليشيات الإلكترونية للجماعة الكثير قبل أن تُنشر صور ومقاطع فيديو مماثلة بعد ما يزيد على 14 ساعة على مختلف المواقع الإخبارية.
ومنذ ذلك الحين بدأ السقوط المدوي للجماعة بحكم أمراضها المزمنة حتى أنه يمكن القول إن محمد مرسي حينما وصل لكرسي الرئاسة كانت جماعة الاخوان قد ماتت إكلينيكيا في ضمير الشعب المصري الواعي وقد اتضح ذلك من الانهيار غير المسبوق في شعبيتها من الانتخابات البرلمانية إلى الانتخابات الرئاسية علاوة على الفوز المشكوك فيه لمرسي وتهديدات الإخوان بحرق البلد إن لم يحكموها.
إن وصول الاخوان للحكم وهم في حالة الوفاة الاكلينيكية كان يحتم عليهم محاولة إنقاذ أنفسهم بإقامة جسور الثقة مع الشعب ولكنهم استمروا في أعراض أمراضهم بالتمكين والأخونة والإقصاء والتهميش والاستعلاء على الشعب الذي انتخبهم، وانطلق محمد مرسي وجماعته بغباء منقطع النظير يرفعون الخراطيم التي لازالت تبعث الحياة في جسد الجماعة الميتة إكلينيكيا فتارةً يفخر بنجاحه (الفاشل) في مشروع المائة يوم وتارةً يدعو قاتلي السادات لحضور ذكرى الانتصار بحربٍ كان هو قائدُها وتارةً يُصدر إعلاناً دستورياً مشؤوماً يمنح نفسه فيه سلطات الفرعون الإله وتارةً يُحرِض على الشيعة ولم يكن مرسي يعلم أنه بكل فعل من أفعاله كان يقطع شرياناً من الشرايين التي تبث الحياة في جسد الجماعة الميت.
وبعد 30 يونيو كان البعض يراهن على حِنكة الجماعة السياسية في إنقاذ التنظيم والتضحية بمرسي ولكن خاب رهانهم وقامت الجماعة تعضدها قوى خارجية أغرتها بإحداث الفوضى وخراب البلاد؛ بالمقامرة بكل شيء، بماضيها بحاضرها، بمستقبلها السياسي، بمرسيها بقياداتها بشبابها.. وسلكت دروبَ العنف والإرهاب والترويع، وأعلنت الحرب على مصر والمصريين في سيناء والوجه البحري والصعيد.. وكل ذلك وعقلاء هذا الوطن يتمهلون في عدم وصم الجماعة بالإرهاب عسى أن يعود لها رشدُها إلى أن وقعت الطامة الكبرى في تفجير مديرية أمن الدقهلية بمدينة المنصورة وهو الحادث الذي كتب شهادة وفاة الاخوان بعد أن نزعت الجماعة عن نفسها كل شرايين الحياة.
أيها الإخوان: أنتم من كتبتم بأيديكم شهادة وفاتكم من خلال أفعالكم البغيضة منذ قيام ثورة 25 يناير وحتى حادث المنصورة الإرهابي وإذا كان الشعب قد كتب سطراً في شهادة وفاتكم بخروجه عليكم في 30 يونيو وإذا كان الفريق السيسي قد كتب سطرا آخر في 3 يوليو بإعلانه خارطة المستقبل واذا كان الببلاوي قد كتب سطرا ثالثا في 26 ديسمبر بإعلانكم تنظيماً إرهابياً فتأكدوا أنكم من كتب سائر سطور شهادة الوفاة.
إن شاهدَ مقبرة الجماعة مكتوبٌ عليه "وُلدت عام 1928 وماتت عام 2013".
هذا ما كتبته لـ"البوابة نيوز" في أول يناير عام 2014، وهو المقال الأول الذي تحدث عن شهادة وفاة الجماعة، وتلقفت الفكرة شبكات التواصل الاجتماعي لتمضي على الخُطى نفسها، واليوم أقول رغم أن هذا المقال نُشر منذ ستة أشهر، إلا إن الجماعة لم تُدفن بعد رغم استخراج شهادة وفاتها، وواضح أن الجماعة وإرهابييها لا يؤمنون بمقولة "إكرام الميت دفنه"، ولكن أنوف الشعب المصري لم تعد تحتمل ما يصدر عن هذا الميت من روائح كريهة بعد عام كامل من موته..!!.