الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عبد الله كمال.. للحقيقة وجه واحد!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في صيف عام 1983، التحقنا بكلية الإعلام جامعة القاهرة يحدونا الأمل في مستقبل أفضل سواء على المستوى الشخصي أو على مستوى الوطن، وذلك على الرغم من انسداد شرايين حرية الرأي والتعبير، وعدم التنوع الإعلامي الذي كان يقصر الإعلام على الصحف القومية والحزبية ومبنى ماسبيرو؛ فلم تكن هناك صحف خاصة ولا محطات فضائية، ورغم ذلك كله كانت أحلامنا كبيرة، وكنا نستشرف المستقبل لتحقيقها.
وكانت السنتان الأولى والثانية في كلية الإعلام بمثابة معمل تفريخ الأحلام وبناء الشخصيات واختيار السبل التي تفرقت ببعضنا، فمنا من رأى مع بداية السنة الأولى أن كلية الإعلام كلية بلا معنى ولا مستقبل لها، وكلية التربية أفضل منها بكثير، وسرعان ما قام بالتحويل من هذه الكلية الفخ إلى كلية التربية ليصبح مدرساً، ومنا من كان له أحلام في أن يصبح مذيعاً لامعاً مثل الزميل أشرف عبد الحليم (قطاع الأخبار بالتليفزيون المصري) والزميل الدكتور على مبارك رئيس قناة النيل للأخبار والزميل الدكتور مصطفى عبد الوهاب رئيس القناة الرابعة السابق، ومنهم من كان يريد أن يصبح مخرجا تليفزيونياً لامعاً مثل الزميل أشرف لولي الذي أخرج الفوازير الأخيرة للفنانة نيللي والزميل خالد رزق، ومنهم من رأى أن حلمه أن يصبح أستاذاً جامعياً مثل العبد لله وبعض زملاء دفعته مثل الزملاء الدكاترة عادل فهمي وعزة عبد العظيم وهبة مسعد وثريا البدوي وإيمان رمضان، والزميل الدكتور أحمد محمود الذي جمع برشاقة بين العمل بالجامعة والعمل بالصحافة كمشرف فني متميز أرسى من خلال عمله مدرسةً متميزة في الإخراج الصحفي بدأها في الإصدار الأول للدستور مروراً بالمصري اليوم وانتهاءً بالوطن، علاوة على تقديم الماكيت الأساس لعشرات الصحف المصرية.
ومن بين كل هذه الوجوه برز وجهان مهمان في السنة الثانية لكلية الإعلام وتحديداً في العام 1985 ، وهما الزميلان العزيزان الراحل عبد الله كمال وإبراهيم عيسى، حيث قررا أن يذهبا للتدريب في مجلة روز اليوسف خلال الدراسة، لقد اكتشف هذان الزميلان موهبتهما الصحفية سريعاً، وآثرا ألا يغرقا في المعارف النظرية، وقررا خوض غمار العمل الصحفي وهما ما زالا لم يبلغا منتصف الطريق في دراسة الإعلام بالكلية، بل إنهما حتى لم يكونا قد التحقا بقسم الصحافة بعد، حيث كان التخصص يبدأ في السنة الثالثة، ورغم أن إبراهيم عيسى كان قد حقق مركزاً متقدماً في السنة الأولى، إلا أنه ترك كل هذا وأدار له ظهره مفضلاً العمل الصحفي الذي كان مغامرة غير محسوبة في وقتها.
وتمضي السنون، وتتفرق الطرق بالزميلين اللذين التحقا سوياً بروز اليوسف، حيث قرر إبراهيم مغادرتها في مغامرة صحفية جريئة بالإصدار الأول لصحيفته الشهيرة "الدستور"، وقرر عبد الله كمال البقاء في "روز اليوسف"، وكما باعد المكان بين الزميلين، باعدت أيضاً بينهما المواقف، حيث اختار إبراهيم أن يكون مهاجماً شرساً لنظام مبارك ومشروع التوريث، واختار عبد الله كمال الالتحاق بالمعسكر الآخر، ونالت إبراهيم عيسى بعض عذابات نظام مبارك لوقوفه ضده، ونالت عبد الله كمال بعض مزايا نظام مبارك لوقوفه معه، ولكن كان كلٌ منهما يفعل ما يفعله عن قناعة، ولو كان الزمن قد عاد بهما إلى الوراء لفعلا ما فعلاه دون أن يحيدا قيد أُنملة عن طريقهما المرسوم بخطوط أفكارهما ومواقفهما.
ورغم ثورة 25 يناير التي انتزعت مبارك من على سُدة الحكم وأغلقت ملف توريث ابنه جمال، إلا أن مواقف عبد الله كمال وابراهيم عيسى من النظام البائد لم تتغير. وقف إبراهيم عيسى مع الثورة ووقف عبد الله كمال ضدها، وظل يدافع عن مبارك حتى آخر يوم من حياته، لم يتلون عبد الله كمال للاستفادة من النظم التالية، لم يتأخون عبد الله كمال كي ينال بركة الإخوان ليترأس تحرير صحيفة قومية في عهدهم ، بل كان من أشد المنتقدين لهم وهم في سُدة الحكم.

وفي الحقيقة لم تكن دفعة 1987 بكلية الإعلام، وخاصة في تخصص الصحافة مقصورة على هذين الوجهين: إبراهيم عيسى وعبد الله كمال، بل برز في هذه الدفعة وجوهٌ صحفية كثيرة منها: عصام كامل رئيس تحرير صحيفة فيتو، وعبد الفتاح فايد مدير مكتب الجزيرة السابق بالقاهرة، وزكريا خضر مدير تحرير صحيفة الأحرار والسيد سلامة الصحفي بأخبار اليوم وصحيفة الاتحاد الإماراتية، وأسامة خليل الصحفي الرياضي الشهير، علاوة على الزميل عادل الأنصاري رئيس تحرير صحيفة "الحرية والعدالة" المحتجبة.
وفي النهاية فإن مشكلتنا كجيل أنه آمن أن للحقيقة وجهٌ واحد، وأن الحياة مثل القطار تسير على قضبان، ولا يستطيع الفرد في هذه الحياة أن يراجع نفسه أو يراجع قناعاته بفعل الزمن أو الظروف المحيطة أو مراجعة النفس فيما مضى واستشراف ما هو آتٍ برؤى بديلة أو القناعة بما اختطه الإنسان لنفسه من طريق، إن كل الزملاء يبدو أنهم آمنوا أن للحقيقة وجهٌ واحد، ولم يعلموا أن للحقيقة وجوهٌ كثيرة.