الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

شهيدة الصحافة المصرية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ميادة أشرف ذات الثلاثة والعشرين ربيعًا جاءت منذ خمس سنوات بعد تفوقها في الثانوية العامة من قريتها بمحافظة المنوفية للالتحاق بكلية الإعلام جامعة القاهرة يحدوها الأمل في أن تكون رقمًا مهمًا في الإعلام المصري.. تريد أن تقهر القاهرة كما قهرها كل الريفيين الذين انتقلوا إليها وتحدوها ليجدوا مكانًا فيها في عالم الأضواء التي غالبًا ما تنحسر عن القرية وتُسلط على صخب العاصمة.
ميادة أشرف درست في الفرقة الأولى بكلية الإعلام جامعة القاهرة.. وتعرفت على كل تخصصات الكلية الثلاثة من صحافة وإذاعة وعلاقات عامة وإعلان، وكان يمكنها أن تلتحق بأى قسم لا ينطوي على متاعب جمَة، ولأنها آثرت وصممت على الالتحاق بقسم الصحافة، وهو الأصعب في الكلية، ويؤدي بصاحبه إلى الاشتغال بمهنة طالما أطلقنا عليها أساتذةً وممارسين أنها تُعد بحقٍ مهنةَ البحث عن المتاعب، ولكنها أصرت على هذا التخصص وعلى هذه المهنة.. أنها روح التحدي والإصرار التي صاحبت ميادة طوال فترة دراستها بالكلية.
ميادة أشرف شهد لها أساتذُتها – وأنا منهم – بالتفوق والنبوغ والإصرار والاجتهاد، سواء في الجوانب النظرية أو العملية، ولا سيما في المقررات المتعلقة بتخصص الصحافة. وقد أثنت اللجنة التي قامت بتحكيم مشروع التخرج الذي شاركت فيه على تفوق هذا المشروع والتزامه بالمهنية الصحفية، وحصل هذا المشروع على مركز متقدم ضمن المشروعات التي يُعدها طلاب الفرقة الرابعة بقسم الصحافة كجواز التحاقهم بمهنة الصحافة بعد تخرجهم تجسيدًا لكل ما درسوه من فنون ومعارف وتقاليد وأخلاقيات مهنية طوال أربع سنوات من الجهد الشاق.
ميادة أشرف بالكاد بدأت مشوارها المضني في مهنة الصحافة بالتدريب في إحدى الصحف، وما أدراك بتجربة التدريب المريرة التي مررت بها ويمر بها من تُسوِل له نفسُه العمل في مهنة الصحافة، فلا مرتب ثابت، ولا علاقة واضحة تربطك بالصحيفة أو المؤسسة التي تتدرب بها، ولا كارنيه يثبت أنك تعمل في هذه الصحيفة أو تلك، وبداهةً ولا كارنيه عضوية لنقابة الصحفيين، ورغم ذلك كله فإن أكثر مهام العمل الصحفي جهدًا ومشقة ومخاطرة تُوكل لهؤلاء المتدربين تحت دعوى أن عليهم أن يثبتوا قدراتهم وإمكاناتهم حتى يُعينوا في الصحيفة أو المؤسسة الصحفية للحصول على كارنيه النقابة، وبدعوى أن من سبقوهم تعرضوا لنفس هذه الظروف الظالمة.
ميادة أشرف استسلمت لهذه الظروف الظالمة، وقبلت أن تزُج بها صحيفتها في أتون التغطية الميدانية لمظاهرات دموية عنيفة تنتهي كل يوم جمعة بكوارث مُحققة، لم يرحم من زج بها إلى هذا العمل أنها فتاة رغم توافر الصحفيين المعينين الرجال الأكثر خبرة وصلابة وتجربة، لم يرحم من زج بها إلى هذا الأتون أنها لازالت تحت التدريب ويجب ألا يُعهد لها بمثل هذه الأعمال الخطِرة، وتم الزج بها دون حماية ودون سُبل وقاية ودون تأمين، لتلقى مصيرها المحتوم برصاصة غادرة أو طائشة، لتنطفأ شمعة لم يزل ضوؤها يحاول أن ينير الطريق لكل الباحثين عن الحقيقة في وطنٍ.
أُريد له أن يموج بكل هذه الحالة غير المسبوقة من الاضطراب والانفلات بدعاوى مختلفة.
ميادة أشرف فاضت روحها إلى بارئها وهى لم تزل في ربيع عمرها، لم تبدأ حياتها بعد، سواء في مهنة الصحافة أو حياتها الاجتماعية التقليدية التي تحوي أحلامًا بالحب وفارس الأحلام والزواج وإنجاب طفلٍ أو طفلةٍ جميلة تملأ عليها حياتها في حياةٍ أُسرية مستقرة، كان من حقها كبنت أن تحلُم بهذا وأن تعيشها، لكننا فقدنا إنسانيتنا.. فقدنا آدميتنا.. فقدناهما يوم أزهقنا روح ميادة أشرف ويوم أُزهقت روح الحسيني أبو ضيف.. وكلاهما قضى نحبه، ولكن تأكدوا أن من هؤلاء الصحفيين من ينتظر.
ميادة أشرف كانت ستحضر مع زملاء دفعتها (مايو 2013) حفل التخرج الذي ستقيمه كلية الإعلام جامعة القاهرة يوم الخميس 17 أبريل الحالي، كانت سترتدي الروب الجامعي وتسير فخورة في طابور الخريجين، وتتسلم شهادة التقدير من رئيس الجامعة، وتعيش لحظات سعادة مع زملاء دُفعتها لا تتكرر سوى مرة واحدة في العٌمر كله، ولكن للأسف نحن حرمنا ميادة أشرف أن تعيش هذه اللحظات بفعل رصاصة غادرة أو طائشة.
إنني أقترح على كلية الإعلام أن تكون دُفعة 2013هى دُفعة الشهيدة ميادة أشرف ولا أعتقد أن أستاذتنا الدكتورة عواطف عبد الرحمن التي سُميت هذه الدُفعة باسمها ستعترض لأن لها من الرصيد الإنساني بينها وبين تلامذتها الكثير، كما أقترح على نقابة الصحفيين منح عضويتها الشرفية لميادة أشرف.
ميادة أشرف سوف تظل نبراسًا لكل الباحثين عن الحقيقة، وسوف تنير طريقًا مظلمًا سلكه أبناء مهنتها في بدايات عملهم دون حقوق، ويجب ألا تسكت نقابة الصحفيين على الأوضاع المزرية للمتدربين من الصحفيين، ويجب اتخاذ إجراءات جادة لمعالجة هذه الأوضاع، وذلك حتى لا تتكرر مأساة ميادة أشرف.