الأربعاء 29 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

هاروكي موراكامي في مرآة السيارة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

من المؤكد أن الله خلقك بموهبة ما، وكل ما عليك اكتشافها وتهيئة نفسك لها، بعضنا يكتشف ملكاته ويؤمن بذاته ويحاول، والبعض الآخر يهمل تلك الموهبة فتتوارى وتتلاشى.. ليس المهم متى تنجح.. المهم. أن تبدأ.

هاروكي موراكامي الذي وصفته الجارديان بأنه أحد أعظم ااروائيين لم يكن يلق بالا بالقلم، لم يكن صديقا له بل كان يملك نادٍ للجاز في طوكيو، بالقرب من محطة سنداجايا.

 

ودون مقدمات، خطرت له فكرة ملحة أن يكتب رواية، 

يقول عن تلك اللحظة: "لقد كان ذلك عند الساعة الواحدة والنصف ظهرًا، في أول أيّام شهر إبريل، سنة ١٩٧٨. كنت في ملعب جينجو، وحيدًا أشاهد مباراة لكرة القاعدة. كان الملعب قريبًا من شقتي، وكنت مشجعًا وفيًا لفريق ياكوت سوالوز. يا له من يوم ربيعي جميل، سماؤه صافية، ونسيمه دافئ. وبينما كانت المباراة مستمرة صعقتني هذه الفكرة: “هل تعلم؟ ينبغي علي أن أجرّب كتابة رواية.” مازلت أتذكّر السماء المفتوحة، وجلوسي على العشب، وصوت المضرب والكرة. شيءٌ ما سقط من السماء في تلك اللحظة، ومهما كان ذلك الشيء، كنت قد استقبلته حتمًا.

لم يكن لدي أي طموح لأصبح “روائيًا”. كانت لدي فقط رغبة قوية في كتابة رواية. لم أكن أعرف عن ماذا سأكتب- كنت أملك فقط إيمانًا بقدرتي على الإتيان بكتابة مقنعة. عندما جلست إلى مكتبي لأول مرة لأكتب، أدركت أنني لا أملك قلمًا لائقًا للكتابة حتى. لذا ذهبت إلى محل كينوكونيا في شينجوكو واشتريت أوراقًا للكتابة، وقلمًا بخمسة دولارات. إنه رأس مال صغير أبدأ به استثماري.

في ذلك الخريف، كنت قد انتهيت من كتابة عمل مكون من مئتي صفحة. لم أعرف ماذا سأفعل به، لذا قمت بإرساله إلى مجلة غونزو الأدبيّة للمشاركة في مسابقة للكتّاب الجدد. أرسلته دون أن أحتفظ بنسخة منه لنفسي، ولم أكن مهتمًا لأمره إن لم أفز، واختفت هذه النسخة الوحيدة للأبد.

في الربيع التالي، استقبلت مكالمة هاتفية من محرر في مجلة غونزو، يخبرني فيها أن روايتي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة، كنت وقتها قد نسيت تمامًا أنني شاركت من الأساس في تلك المسابقة. كنت مشغولًا بالعديد من الأمور الأخرى. ورغم هذا ترشحت الرواية وفازت بالجائزة ونشرت في ذلك الصيف تحت عنوان “اسمع الرياح تغني”. استقبلت الرواية بالكثير من التقدير، ودون استيعابي لما يحدث، وجدت نفسي أحد أهم الكتّاب القادمين في اليابان. كنت مندهشًا وكان أصدقائي وأفراد عائلتي مندهشين أيضًا مني.

قال لي أحد الأصدقاء يوما ناصحا: "حينما لا تكن لديك فرصة، وكتب عليك الانتظار، فإن أهم ما يجب عليك فعله هو القراءة والحفاظ على صحتك" ولعل موراكامي أدرك ذلك فبدأ في الركض وأعد لنفسه نظاما لحياته الجديدة بعد تفرغه للكتابة إذ كان يستيقظ قبل الخامسة ليركض ثم يعود ليكتب في الصباح ويقرأ ويستمع للموسيقى وينام باكرا، فلقد اختار بمحض إرادته أن تكون علاقته بمن حوله عبر ما يكتب وعن ذلك يقول:" تفرغت في للكتابة، كنت أحب علاقتي بالقرّاء. أغلب قرّائي هم من الشباب، وبإمكانهم الانتظار في كل مرة حتى أنتهي من كتابي الجديد ليصلهم. كان هذا هو الوضع المثالي بالنسبة لي. وكتبت في تلك الفترة ما أردت كتابته بالضبط. وحينها وصلت روايتي “غابة نرويجية” لأن بيعت منها أكثر من مليوني نسخة، لتتغيير الأمور بعدها وتأخذ منحى آخر.

ومع أن هاروكي موراكامي اتخذ قرار الكتابة في لحظة إلا أنك لن تجد له كتابا واحدا تقليديا. لكن مع ذلك فأسلوبه وغرابة أطواره في قصصه التي تحمل الكثير من الغرائبية والسحر تحتاج إلى عودة القراءة مرة بعد أخرى قبل فهمها تمامًا.. وللحق فقد زاد تقديري له في إعادة كتابته لروايات كان قد كتبها في فترة المخاض ولم يخجل في الإعلان أنه وجد أنه لابد أن يعيد كتابتها بعدما تمكن من كل أدواته وصار القلم في يده طوعا.

في الحقيقة مع موراكامي تستطيع أن تسمع صوت أغنية الريح، وتدخل أرض العجائب، لا أرتب مثله لحظة دخولي الكتابة لكني استيقظت اليوم فإذ بي أجده يطرق باب غرفتي مبتسما ويهديني مجموعة من أعماله، ويطلب مني دوام التواصل، ظننت أنه لقاء من وحي الخيال فلكم تلاقيت مع الكثير خارج حدود الزمان والمكان، لكني تأكدت من دعوته لي للكتابة حينما نظرت فجأة إلى "مراية السيارة" فوجدته مبتسما يلوح ببعضا من أعماله.. آه أنا يا صاح أحب "الغابة النرويجية"، أستدعي جملة ناوكو حينما تمس قلبي أغنية: "هذه الأغنية تجعلني أشعر بحزن جارف.. لا أعرف. يتراءى لي أنني أتجول في غابة عميقة، وأنا وحدي في ظلمة.

ومع ذلك أؤمن أنا يا سيد هاروكي أن ما بعد الظلام.. رقص.. رقص.. رقص،وأننا بعد مقتل الكومنداتور، سنجد كافكا على الشاطئ عند جنوب الحدود غرب الشمس.

أشكر من سمح لي أن اقابل الفتى كرو.. قلت له: "لا أتذكر آخر مرة ضحكت فيها، لا أزعم أنني قادر على الاحتفاظ بهذه الهيئة الهادئة المنعزلة طول الوقت، فأحيانا يتهاوى الجدار الذي بنيته حولي، أشعر بنذير شؤوم يناديني كبركة ماء مظلمة.. ابحث عن صوت فلا أجد غير الصمت".

شكرا على الصدفة يا موراكامي فأنا أؤمن أن الصدفة تساعد على الاستمرار.