الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

أنطوان برنارد يكتب: سويسرا.. اختيار السيادة الصعب فى مواجهة الاتحاد الأوروبى!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فى سويسرا، احتمالات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى بعيدة ولا توجد أغلبية سياسية مطلوبة لهذا ومع ذلك لا تزال بعض الأحزاب الأوروبية تظهر رغبتها فى عضوية سويسرا بالاتحاد الأوروبى، فى تحد لمخاطر فقدان السيادة وتفكك الديمقراطية المباشرة فى النظام القانونى والسياسى الأوروبى. وفى هذا السياق، فإن هؤلاء المتواطئين فى أوروبا متواطئون مع ضغوط المفوضية الأوروبية، التى لا تقدر مقاومة جارتها الصغيرة لهذا الانضمام.. فما قصة العودة لهذه العلاقة العاصفة؟
فى ٦ ديسمبر ١٩٩٢، رفض الشعب السويسرى، فى استفتاء، انضمام البلاد إلى المنطقة الاقتصادية الأوروبية (EEA)، وبالفعل، المصير الأوروبى لسويسرا - الذى بدا أنه قد تم تحديده بالفعل - تعرقل بوحشية من خلال الديمقراطية المباشرة. ويروى الصحفى جى ميتان، المؤيد للعضوية أنذاك، فى مقاله القارة المفقودة، نداء من أجل أوروبا ديمقراطية وذات سيادة، نشر مؤخرا، أثار دهشة العديد من السويسريين فى ذلك اليوم: "فجأة، تحطم الحلم على الواقع القاسى للديمقراطية. 
كان ذلك اليوم يميز الذكريات ويقرع ناقوس الموت لآمال كل أولئك الذين، مثلى، يحلمون بدمج أوروبا تحت الإنشاء. على الرغم من أن طلب سويسرا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبى لم يسحب رسميا حتى عام ٢٠١٦، إلا أن تصويت عام ١٩٩٢ قد وضع نهاية هذا الاحتمال بالفعل.
وبعد ذلك شرعت سويسرا والاتحاد الأوروبى فى ما يسمى المسار الثنائى، استكمالا لاتفاقية التجارة الحرة المبرمة عام ١٩٧٢، بدأت المفاوضات بهدف توقيع اتفاقيات قطاعية، فى مجالات الزراعة والبحث العلمى والنقل الجوى ومكافحة الغش، دخلت العديد من الاتفاقيات الثنائية حيز التنفيذ فى التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادى والعشرين، وفى كثير من الأحيان، كان على الشعب السويسرى التعبير عن نفسه من خلال استفتاء للمصادقة على هذه الاتفاقيات.
نجاحات وإخفاقات المسار الثنائى
لقد أتى النهج الثنائى ثماره خاصة أنه مكن من التعاون الوثيق بين الاتحاد الأوروبى وسويسرا، دون اضطرار الأخيرة إلى التخلى عن سيادتها. ومع ذلك، فإن المفوضية الأوروبية لم تعد راضية عن هذا الحل اليوم بل إنها ترغب فى التوصل إلى اتفاق مع سويسرا بشأن اتفاقية مؤسسية - تعرف باسم الاتفاقية الإطارية - كشرط مسبق ضرورى لمواصلة وتحديث الاتفاقات الثنائية. وتنتقد المفوضية الأوروبية شريكها السويسرى لاستغلاله مزايا السوق الأوروبية الموحدة دون تعويض كاف. 
وكان ينبغى أن تتألف الاتفاقية الإطارية التى بدأت المفاوضات بشأنها فى ٢٠١٠ من تكامل أقوى للنظام القانونى السويسرى فى نظام الاتحاد. وإذا استبعدت سويسرا أى تحكم تلقائى يفرض عليها من جانب قانون الاتحاد الأوروبى، إلا أنه تم التطرق إلى حل "التحكم الديناميكى" لهذا القانون فى مسودة الاتفاقيات.
ومع ذلك، فإن التوافق بين إحياء القانون الأوروبى، حتى وإن كان ديناميكيا، والديمقراطية المباشرة يطرح العديد من المشاكل؛ ماذا تفعل عندما تتعارض إرادة الشعب السويسرى مع القانون الأوروبى؟ نتذكر العبارة الشهيرة لجان كلود يونكر، الرئيس السابق للمفوضية الأوروبية: «لا يمكن أن يكون هناك خيار ديمقراطى ضد المعاهدات الأوروبية».
لقد رأينا فى الماضى أن الديمقراطية المباشرة السويسرية لا تعجب الاتحاد الأوروبى وفى الواقع، عندما قبل الشعب السويسرى المبادرة الشعبية بعنوان ضد الهجرة الجماعية فى عام ٢٠١٤، قررت المفوضية الأوروبية، انتقاما منها، استبعاد الاتحاد من البرنامجين الأكاديميين الأوروبيين Horizon ٢٠٢٠ وErasmus.
نتذكر أيضا عضو البرلمان الأوروبى دانييل كوهن بنديت وهو يقول فى نفس الوقت: سيعود السويسريون وهم خاضعون لأنهم بحاجة إلى أوروبا، وبالفعل، كانت الضغوط والتهديدات كبيرة لدرجة أن البرلمان السويسرى انتهى به الأمر إلى الحد بشكل كبير من مطالب المبادرة الشعبية عند صياغة القانون التنفيذى.


الاتفاق الإطارى الذى تم دفنه
فى عام ٢٠٢١، بعد سبع سنوات من المفاوضات، مع الأخذ فى الاعتبار أنه لا يمكن التغلب على بعض "الاختلافات الجوهرية"، قررت السلطة التنفيذية السويسرية (المجلس الاتحادى) من جانب واحد إنهاء المناقشات حول اتفاقية مؤسسية ومنذ ذلك الحين، أصبحت العلاقات بين سويسرا والاتحاد الأوروبى أكثر تعقيدا. وأصبحت الاتفاقيات الثنائية قديمة ولا تنوى المفوضية الأوروبية التفاوض على اتفاقيات جديدة فى غياب اتفاق إطارى.. بالإضافة إلى هذا، فإن الخوف من تقييد وصول سويسرا إلى السوق الداخلية الأوروبية يثير القلق فى الأوساط الاقتصادية فى البلاد.
ثار انتهاء المفاوضات حول الاتفاق الإطارى ردود فعل قوية فى سويسرا من قبل الأحزاب السياسية، يمكن أن تعطى ردود الفعل هذه صورة واضحة جدا عن المشهد السياسى للدولة عندما يتعلق الأمر بالسياسة الأوروبية. كان حزب الاتحاد الديمقراطى للوسط (UDC)، وهو حزب يمينى سيادى، مسرورا.
وفقا للحزب، يجب أن تكون العلاقات مع أوروبا اقتصادية، لكن الدفاع عن السيادة هو أولوية ويتضمن الحد من التعاون المؤسسى قدر الإمكان، على موجات إذاعة راديو Télévision Suisse (RTS)، برر رئيسSVP، Marco Chiesa، رضاه عن قرار المجلس الاتحادى بدفن الاتفاقية الإطارية: "إذا كان جدول الأعمال هو إقامة علاقات جيدة مع الاتحاد الأوروبى، العلاقات، نحن على استعداد للقيام بذلك.
المشكلة هى اتفاقية الإطار، باتفاق مؤسسى، ليس الناس هم من يقرر مستقبلهم، بل القضاة الأوروبيون. أما بالنسبة للحزبين الرئيسيين من يمين الوسط، الحزب الليبرالى الراديكالى (PLR) ولو سنتر (الحزب الديمقراطى المسيحى سابقا)، فقد أظهروا أنهما أكثر دقة، ولا شك أنهما منقسمان حول هذا الموضوع: نجد بالفعل فى صفوفهم منتقدين، ولكن أيضا مؤيدين لاتفاق مؤسسى مع الاتحاد الأوروبى، وقال الطرفان إنهما أحاطا علما بقرار المجلس الاتحادى ودعاهما إلى البحث عن حلول جديدة فى أسرع وقت ممكن لتنشيط المسار الثنائى.
لكن على اليسار، لا تخفى العديد من الأطراف رغبتها الصريحة فى انضمام سويسرا إلى الاتحاد الأوروبى، تظهر هذه العضوية حتى فى برنامج الحزب الاشتراكى رغم بعض الاختلافات فى صفوفه. كما يؤيدها حزب البيئة (الخضر).
يحلم الاشتراكيون بمشاركة سويسرا فى صنع القرار الأوروبى، بينما يعتقد الخضر أن على البلاد أن تشارك فى بناء أوروبا التى تشاركها قيمها، لذلك كان الطرفان يؤيدان تماما اتفاقية مؤسسية، لولا المخاطر التى كانت ستشكلها على الديمقراطية السويسرية التى ستشكل أى مشكلة لهما.
فى الآونة الأخيرة، شنت المناصرون السويسريون للانضمام لأوروبا (Europhiles) هجوما من خلال إطلاق مبادرة شعبية تسمى مبادرة أوروبا وفى حال جمع ١٠٠٠٠٠ توقيع، فسيتم دعوة الشعب السويسرى للتصويت على هذا النص ولا شك أن قبول مبادرة أوروبا يعنى التزام المجلس الفيدرالى بإبرام اتفاق سريع مع الاتحاد الأوروبى وتعديل دستورى يتضمن على وجه الخصوص ما يلى: «للمجلس الاتحادى حرية فتح المزيد من المفاوضات التى تهدف إلى اتفاق تكامل بعيد المدى، بما فى ذلك المفاوضات التى تهدف إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى أو اتفاقية المنطقة الاقتصادية الأوروبية».
وفى الحقيقة، العضوية ليست جاهزة بعد، لكن محاولات تحقيقها ذات يوم عديدة فى سويسرا، مع وجود العديد من المؤيدين، كما يلوح فى الأفق نقاش دقيق.. هذا النقاش سيطلب من الأحزاب السياسية توضيح مواقفها فى منطقة تكون فيها سيادة البلاد وازدهارها على المحك.
معلومات عن الكاتب: 
أنطوان برنارد.. صحفى ونائب رئيس تحرير المجلة السياسية السويسرية لو روجار ليبر Le Regard Libre، ينضم للحوار بهذا المقال الذى يتناول فيه وضع الاتحاد السويسرى فى ظل حياده المعتاد تاريخيًا.