الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

ألكسندر عون يكتب: فنزويلا وسوريا قصة حب طويلة بين كاراكاس ودمشق

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

قامت شركة الطيران الفنزويلية كونفياسا بأول رحلة لها إلى دمشق بعد غياب ١٢ عاما وتعتزم الدولتان تعزيز شراكتهما السياحية وحتى فى ذروة الأزمة السورية، ظلت كاراكاس موالية لبشار الأسد حيث يعود تاريخ التجارة بينهما إلى العصر العثمانى، وهنا نقدم نظرة إلى الوراء على العلاقات الثنائية التى تجمع بين التاريخ وأيضا تقارب المصالح الجيوسياسية بين البلدين.
حطت طائرة قادمة من كراكاس فى مطار دمشق الدولى فى ٣١ مايو، وهى الأولى منذ ١٢ عاما على متن الطائرة، نقل ما لا يقل عن ١٠٢ راكبا، بمن فيهم وزير النقل الفنزويلى ونائب وزير الخارجية والعديد من العاملين فى مجال السياحة والإعلام، الوكالة السورية الرسمية «سانا».
وخلال بيان صحفى، قال وزير النقل فى جمهورية فنزويلا البوليفارية، رامون بيلاسكويز أراجويان، أنه بعد ١٢ عاما سنستأنف الرحلات الجوية بين بلدينا.. كانت هذه الرحلة تحت توجيه الرئيس مادورو لزيادة الاتصالات والعلاقات بين الشعبين الشقيقين، واستغرقت الشركة الوطنية Conviasa ما لا يقل عن ١٢ ساعة للوصول إلى العاصمة السورية وتخطط لتنظيم رحلتين شهريا.
روابط تعود إلى العصر العثمانى
وفى هذه المناسبة، أصر السفير الفنزويلى لدى دمشق خوسيه غريغوريو بيومورجى موساتيس على أن هذه الرحلة تمثل "جزءا أساسيا من تطلعات البلدين والعمل المتواصل لتجاوز العقوبات والحصار الذى فرضه علينا عدونا المشترك". فى الواقع، تم فرض عقوبات على البلدين من قبل الولايات المتحدة.
ركزت كاراكاس ودمشق أيضا على تعزيز الشراكة السياحية، تمثل الجالية السورية اللبنانية حوالى ١.٦ مليون نسمة فى فنزويلا، ويحمل هذا الشتات فى طياته التاريخ المؤلم لسكان بلاد الشام فى العهد العثمانى.
مع تذبذب الباب العالى أمام شهية الإمبراطوريات الروسية والإنجليزية والفرنسية، بدأ سكان المناطق السورية واللبنانية يفكرون فى قومية عربية مستقلة عن القسطنطينية، فى مواجهة هذه الرغبة فى الحكم الذاتى، بدأت القوات التركية فى إخضاع المتمردين الشباب. لتجنب عمليات التطهير، أخذ مئات الآلاف من السكان القوارب إلى أمريكا اللاتينية. 
تشير التقديرات إلى أن حوالى ١.٢ مليون شخص غادروا الإمبراطورية العثمانية بين عامى ١٨٦٠ و١٩١٤ وغامروا بالذهاب إلى الأمريكتين على أمل حياة أفضل، كما هربت الطائفة المارونية فى جبل لبنان ودمشق بشكل جماعى من المجازر التى ارتكبها الدروز، وأصبحت أمريكا الجنوبية فى ذلك الوقت أرض ترحيب لمسيحيى الشرق المضطهدين. يعيش أكثر من ٦ ملايين سورى لبنانى فى البرازيل اليوم، على الفور، يطلق عليهم لوس توركوس فى إشارة إلى سقوط الإمبراطورية العثمانية.
من بين مزدوجى الجنسية فى فنزويلا، لعب العديد دورا مؤثرا داخل رقعة الشطرنج Chavista ونجد على وجه الخصوص طارق العيسمى وزير الداخلية الأسبق، ووزير البترول الحالى حيمان الترودى ووزيرة النقل الأسبق وثريا الأشقر الرئيسة السابقة للشرطة الوطنية وعضو مجلس الأمة السابق عادل الزباير.. هذا الشتات السورى اللبنانى الديناميكى يفسر جزئيا موقف هوجو شافيز فيما يتعلق بسوريا.
شافيز ومادورو.. حلفاء مخلصون لدمشق
أقام الزعيم شافيز فى وقت مبكر علاقات قوية مع دمشق من خلال تشكيل نوع من الثلاثية مع طهران، وقد قامت الدول الثلاث، التى تم تهميشها وفرض عقوبات عليها من قبل واشنطن، ببناء شراكات للتحايل على الإجراءات القسرية لواشنطن. قامت إيران وفنزويلا ببناء مصفاة نفط فى عام ٢٠٠٦ للسماح لسوريا باستخراج نفطها. 
انتقد هوجو شافيز المعادى للإمبريالية بعمق السياسة الإسرائيلية، ويتبنى القضية الفلسطينية وأيد جبهة الرفض ضد الدولة اليهودية، تتحول كاراكاس تدريجيا إلى ناقل سياسى لدمشق، أعلن الرئيس الفنزويلى فى دمشق عام ٢٠٠٦ «لدينا نفس الرؤية السياسية، نحن دولتان وشعبان يقاومان ويواجهان العدوان الإمبريالى»، عاد الزعيم الفنزويلى إلى العاصمة السورية فى عامى ٢٠٠٩ و٢٠١٠، وقد استقبل دائما بحفاوة كبيرة، وكان يطارد الحشود بخطابات معادية لإسرائيل وأمريكا، زار بشار الأسد كاراكاس عام ٢٠١٠.
منذ بداية الأزمة فى سوريا، تبنى هوجو شافيز رواية دمشق من خلال انتقاد التدخلات الخارجية والمؤامرات التى تستهدف وحدة الأراضى السورية، ويتهم واشنطن بأنها تريد الإطاحة بالرئيس السورى من خلال تسليح الإرهابيين.
فى عام ٢٠١٢، أرسلت كاراكاس شحنات النفط متجاوزة العقوبات الغربية. أما خليفته، نيكولاس مادورو، الأقل جاذبية وشعبية، لم يغير السياسة الفنزويلية تجاه دمشق ذرة واحدة، فى عام ٢٠١٣، بينما كانت الولايات المتحدة تستعد لضرب سوريا، أرسل نيكولاس مادورو خطابا شخصيا إلى باراك أوباما يحثه فيه على عدم التدخل فى الأراضى السورية.
فى ذروة الأزمة السورية، قامت كاراكاس وطهران ببناء مصفاة نفط فى عام ٢٠١٧ بأكثر من مليار دولار، مما ساعد النظام السورى على تجاوز بعض الصعوبات فى توريد الذهب الأسود، فى سياق حديثه عن الرواية السورية، يحيى نيكولاس مادورو فى عام ٢٠٢٢: الاستغلال التاريخى للرئيس السورى ضد العدوان الإرهابى الأمريكى، ويخطط للذهاب إلى هناك خلال عام ٢٠٢٣.
وفى النهاية وعلى الرغم من جذور الجالية السورية اللبنانية فى فنزويلا، فإن العلاقة الثنائية بين دمشق وكاراكاس ليس لها عمق اقتصادى حقيقى، بل هى نظام رمزى، يتخذ هذا الدعم السياسى رغم كل الصعاب شكلا من أشكال المثالية المعادية للإمبريالية مع طهران وهافانا فى كثير من الأحيان، لا يملك هذا المحور الوسائل لمواكبة طموحاته، وغالبا ما يعتمد على ثقل وتأثير موسكو وبكين لموازنة النظام الدولى.

معلومات عن الكاتب:
ألكسندر عون صحفى فرنسى لبنانى متخصص فى قضايا الشرق الأوسط.. يكتب عن العلاقات التاريخية بين كاراكاس ودمشق، منذ عهد الرئيس الراحل هوجو شافيزا، وذلك بمناسبة استئناف الرحلات الجوية بين فنزويلا وسوريا بعد غياب لمدة 12 عاما.