الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة ستار

فلسطين بعدسة السينما| كفاح ونضال وذاكرة تأبى النسيان «مملكة السماء» يروج للنجوم الزائفة في القدس.. و«الأمير الأخضر» وثائقي يبرر التجسس باسم السلام!

مملكة السماء
مملكة السماء
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

بعد نكبة ١٩٤٨، باتت القضية الفلسطينية الموضوع الرئيسي الذي يشغل قطاعا عريضا من صناع السينما هناك، حتى فى الوقت الحاضر، من النادر أن تجد فيلمًا فلسطينيًا يعالج موضوعا آخر غير القضية، فالقضية الفلسطينية طالما كانت واحدة من أكثر القصص الثرية - إنسانيا ودراميا - التى شغف بها المخرجون باختلاف جنسياتهم. 

وبعد فترة الاحتلال الإسرائيلي، لم تكن السينما مجرد شكل فنى تطور مع تطور الأدوات المختلفة، بل كانت أيضًا أداة ضرورية لتوثيق المواجهة وأشكال الصراع وهى تمر بمراحل مختلفة.

فى النهاية كان الوسيط السينمائي معاصرا لكل هذه المراحل حيث كان لكل منها تأثيرها وسط المعاناة التى يعيشها الفلسطينيون منذ أكثر من ٧٠ عامًا.

القضية من وجهة نظر الغرب

فى نهاية فيلم "مملكة السماء" إنتاج سنة ٢٠٠٥ وإخراج البريطانى ريدلى سكوت، يذهب صلاح الدين الذى جسده السورى «غسان مسعود» لمطالبة بليان ابن جودفرى بتسليم مدينة القدس بعدما فشلوا فى الحفاظ عليها.

وفى نهاية الحوار، يوجه ابن جودفرى سؤالًا لصلاح الدين حول قيمة القدس، ليرد الأخير: "لا شيء، بل كل شيء". 

هذه الإجابة تعتبر كاشفة لما هى عليه مكانة القدس فى قلوب العرب منذ مئات السنين، حتى وإن فشلوا فى استردادها إلى وقتنا هذا.

الفيلم الذى يتناول بشكل مباشر الصراع على مدينة القدس ما بين العرب والغرب من خلال ما عُرف بالحروب الصليبية، اهتم قسمه الأكبر بمعالجة حياة الصليبيين الأوروبيين فى القدس والصراعات فيما بينهم، ولم يتحدث الفيلم عن صلاح الدين والحروب الصليبية إلا فى النصف الثانى منه. 

كذلك، ناقش الفيلم كيف واجه الصليبيون المسلمين بقيادة صلاح الدين لكن الفيلم لم يعرض كيف يخطط المسلمون لمواجهة الصليبيين ولا وجهة نظرهم ويكتفى ببعض اللقطات التى لا تفى بالغرض، بحيث يعتقد مشاهد الفيلم أن صلاح الدين هاجم الصليبيين لأنهم نكثوا الهدنة فقط وقتلوا بعض المسلمين فى الديار المقدسة.

ورغم ذلك، إلا أن الفيلم يعتبر مغايرًا للنظرة السائدة داخل هوليوود لصورة العرب فى السينما. لكنه لم يسلم من انتقادات الجانبين العربى والغربى عقب عرضه قبل ١٨ عامًا.

ففى الوقت الذى رآه المشاهد العربى لم يوفق فى نقل الصورة الحقيقية، تعرض الفيلم لردة فعل عنيفة فى الولايات المتحدة كشف زيف الكثير من الصليبيين الذين جاءوا باسم الصليب والمسيح لينهبوا خيرات القدس ويستعمروها ولم يأتوا للدفاع عن الكنائس ولا عن الحجاج المسيحيين ولا عن قبر المسيح. 

فقبل نهاية الفيلم، يقول أحد قادة الجيش لصديقه بليان، بأنه جاء للقدس من أوروبا لأنهم قالوا له إنه ذاهب من أجل الله لكنه يكتشف الآن أنهم جاءوا من أجل الثروة والأرض، وعرض على بليان السفر للعيش فى قبرص، لكنه يرفض ويفترقان. 

هذا النقد اللاذع لكاتب ومخرج غربيين هو ما عرّض الفيلم لموجة من الانتقادات ربما هى ما حرمته من الترشح لأى من الجوائز الكبرى عقب طرحه.

«الأمير الأخضر»

أما الفيلم الوثائقى "الأمير الأخضر" للمخرج ناداف شيرمان، فيروى قصة مصعب حسن يوسف الذى لقب بـ"الأمير الأخضر"، الذى تمّ تجنيده من قبل جهاز المخابرات الإسرائيلى "الشاباك"، وأحبط العديد من عمليّات المقاومة أثناء الانتفاضة الثانية، وكان مسئولًا عن اعتقال العديد من قادة المقاومة ومهندسيها وعقولها البارزة.

إن الإشكالية الحقيقية التى واجهها هذا الفيلم هو تقديم هذا الشخص فى صورة "بطلًا للسلام" فى نظر الإسرائيليين، وليس "خائنًا" كما يراه الفلسطينيون، كون الحجة الأساسية التى بناها الفيلم لانتقال مصعب للمعسكر الآخر هو وقف تيار العنف والعنف المتبادل بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وهو تحول لم يكن كافيًا ومبررًا لشخص نشأ تحت وطأة احتلال غاشم. 

يحاول الفيلم إضفاء مبررات واهية لمفهوم الخيانة ويلعب ولو من طرف خفى دورا فى استعراض القوة الإسرائيلية، والتلاعب بمشاعر المشاهدين حينما يؤكد فكرة أن وكالات الاستخبارات الإسرائيلية لا تتخلى عن عملائها، أو فى معنى آخر “أصدقائها”.

سينما الثورة الفلسطينية

فى عام ١٩٦٥، شكلت حركة التحرير الوطنى الفلسطينى «فتح» بداية الثورة الفلسطينية المسلحة، وأصبحت السينما فى ذلك الوقت تُعرف باسم "سينما الثورة الفلسطينية".

واشتهرت مجموعة من المصورين السينمائيين والمخرجين الذين أخذوا على عاتقهم إنتاج أفلام ثورية، وأسسوا وحدة فيلم فلسطين، التى قدمت مجموعة أفلام توثق النضال الفلسطيني.

أنتجت وحدة الفيلم الفلسطينى أفلامًا توثق الحركة المسلحة المقاومة للاحتلال ومعاناة الشتات الفلسطيني.

وضمت قائمة الأفلام فيلم "لا للحل السلمي" الذى أنتجه مصطفى أبو على وصلاح أبو هنود وهانى جوهرية وسلافة جاد الله عام ١٩٦٨، بالإضافة إلى فيلم "بالروح والدم" عام ١٩٧١ لمصطفى أبو على الملقب بمؤسس الفيلم الفلسطيني، الذى قدم ٥ أفلام أخرى، منها: "عدوان صهيوني"، و"على طريق النصر". 

وعلى غرار فتح، أنشأت معظم التحالفات الثورية والسياسية فى فلسطين وحدات إعلامية وأفلام لإنتاج السينما الثورية.

وأنتجت الجبهة الشعبية والقيادة العامة والجبهة الديمقراطية عشرات الأفلام، خاصة فى السبعينيات والثمانينيات.

معظم الأفلام الروائية الفلسطينية تم إنتاجها فى دول عربية مجاورة. وبالتالي، كان الممثلون والمخرجون والكتاب أحيانًا غير فلسطينيين.

ومن الصعب تحديد ما يوصف بأنه فيلم فلسطينى أو عربى عندما يكون موضوعه حول القضية الفلسطينية ويشتمل فريق التمثيل فيه على ممثلين فلسطينيين وغير فلسطينيين. 

ومع ذلك، تناولت هذه الأفلام مواضيع مختلفة تركزت حول المقاومة وحق العودة والحياة المأساوية للاجئين فى مخيمات الشتات. 

وكان بعض صانعى الأفلام مقتنعين بأن لغة سينمائية أخرى ربما تكون أكثر تأثيرًا ويمكن الوصول إليها عالميًا. لغة خالية من الدماء والرصاص أحيانا، وعلى هذا النحو، تطورت السينما الفلسطينية إلى سينما فلسفية وفكرية.

وبسبب تهجير المخرجين الفلسطينيين الأوائل بعد النكبة، استغرق الأمر سنوات عديدة حتى أصبح هذا التطور مرئيًا فى السينما الفلسطينية، وجد المخرجون الفلسطينيون أنفسهم إما فى دول مجاورة مثل الأردن ولبنان وسوريا كلاجئين أو فى دول أجنبية غير عربية، وبالتالي، لم يعد بإمكانهم إنتاج الأفلام، حيث فقدوا أدواتهم وشركات الإنتاج الخاصة بهم فى الوطن.

ومع ذلك، طورت السينما الفلسطينية أدواتها وموضوعاتها بما يتجاوز الكليشيهات.

ففى التسعينيات، تمتعت السينما الفلسطينية بحضور عالمى خارج العالم العربي، حيث ظلت راسخة طوال عقود.

أحد روافد هذه المرحلة هو المخرج الفلسطينى ميشيل خليفي، الذى كثيرًا ما يصفه الإعلام بأنه رائد السينما الفلسطينية. 

بدأت رحلته بعد دراسة المسرح فى بلجيكا، حيث أخرج فيلمه الأول "الذاكرة الخصبة" عام ١٩٨٠، ويحكى هذا الفيلم الوثائقى قصة امرأتين فلسطينيتين تقاومان الاحتلال بعدم التنازل عن أرضهما. أما أشهر أفلامه فهو "عرس الجليل" إنتاج عام ١٩٨٧، ويروى قصة مواطن فلسطينى بالجليل يتقدم للحاكم العسكرى الإسرائيلى بطلب تصريح لإقامة حفل زفاف ابنه ورغبته أن يكون عرسًا تتحدث عنه القرى على مدى السنين، إلا أن مصادرات الأراضى والقمع، وما ينتج عنها من مواجهة تفرض ظروفًا من منع التجول والتجمهر، فيشترط الحاكم العسكرى أن يحضر الحفل هو ورجاله ويوافق والد العريس وتدور باقى أحداث الفيلم عن أحداث العرس. 

خارج أسوار الاحتلال

مع ضعف الإمكانيات الإنتاجية وتشديد قبضة الاحتلال على تصاريح المشاريع الفنية، لجأ بعض المخرجين الفلسطينيين إلى دول أوروبية، حيث عملوا ودرسوا السينما، لقد حاولوا إخراج مشاريعهم من عالم السينما الفلسطينية الثورية العادية لخلق نوع جديد تمامًا من السينما، وهو ما اصطلح عليه لاحقًا "السينما المستقلة"، والتى شكلت روافد عديدة كان من أهم أسمائها المخرج هانى أبو أسعد، وإيليا سليمان، وآن مارى جاسر، ومى المصري، وآخرون.

من أهم الأعمال التى تتعاطى مع هذه المرحلة فيلم "الجنة الآن" إنتاج عام ٢٠٠٥ للمخرج الفلسطينى هانى أبو أسعد، والذى قدم فى إطار المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائى ويطرح سؤال الحياة والموت وتغيير الواقع الفلسطينى عبر عملية استشهادية ينوى صديقان تنفيذها.

ويتعاطى الفيلم مع الواقع الفلسطيني من خلال قصة شابين يعملان ميكانيكيين فى ورشة تصليح سيارات على تلة تطل على مدينة نابلس يستعدان لأن يتحولا إلى قنبلتين بشريتين فى انتظار أن يأتيهما الأمر بذلك.